“أفولاي”: رسالتنا إعادة الاعتبار للأغنية الريفية الأمازيغية القديمة

على درب الموسيقى، يواصل ابن مدينة امزورن المبدع ابراهيم آيت أحمد “أفولاي” مسيرة إبداعاته المستوحاة من التراث الريفي الأصيل، إذ هو الحامل لهم الهوية والذاكرة الريفية، يشتغل في صمت، ليخرج إلى الوجود مقطوعات تصدع إرثا تاريخبا وثقافيا، مسيرة توجها الفنان “أفولاي” بمجموعة من الأغاني كـ (تاربيحت ن ابوجيرن) أي (اليتامى)، (أدرار) أي (الجبل) و(رالا تمورث أينو) أي (موطني) ثم (رالا يما) أي (أمي) ومقطوعات أخرى.

في هذا الحوار يحدثنا “أفولاي” عن خطواته الأولى في عالم الموسيقى، وعن العراقيل والتحديات التي واجهته، وكذا انشغالاته ومشاريعه المستقبلية، داعيا الجهات الرسمية “أن تلتفت إلى الفنان الأمازيغي لرد الاعتبار له، لأنها المسؤول الأول وهي التي تملك الإرادة في تحسين الشأن الفني، ولا يجب التعامل معه كأمر ثانوي”.

مرحبا بكم على صفحات جريدة “العالم الأمازيغي”، لتقريبكم أكثر من القراء، حبذا لو تعطونا نبذة عن شخصكم؟

أزول، بداية أود أن أقدم شكري على اتاحتكم لي الفرصة أمام قراء جريدة «العالم الأمازيغي».

اسمي ابراهيم أولاد سي أحمد فنان موسيقي ولقبي الفني هو أفولاي، ولدت في امزورن سنة 1987 وترعرعت فيها إلى غاية زلزال 2004، السنة التي هاجرت فيها العائلة إلى طنجة ثم العودة إلى امزورن في 2011 بعد سبع سنوات، والآن أنا مستقر في امزورن. وأحاول عبر امكانياتي المتواضعة جدا، إنتاج وتجويد ابداعاتي الموسيقية.

كيف كانت بداية مسيرتكم الفنية، أو بصيغة أخرى ما الذي حفزكم لولوج عالم الموسيقى؟

الحافز الأساسي هو أنني أنحدر من عائلة فنية من بينهم شعراء، كخالي عبد الكريم رحمه الله الذي غنت له فرقة «تواتون» العديد من قصائده، وكان من المؤسسين لفرقة «أنوال» في هولندا، رفقة خالي عبد المالك وجمال حامد، زد على ذلك أن أغلب إخوتي الكبار كانوا عازفين على آلة الغيتار، وكان أحدهم عضوا في فرقة «ثاغراسث» التي تأسست في ثمانينيات القرن الماضي بهولندا، وبالتالي فآلة الغيتار كانت حاضرة بقوة في منزلنا منذ نعومة أظافري وبالتالي يمكن القول إن الجو الفني الموسيقي الذي كان حاضرا في منزلنا هو السبب الرئيسي الذي حفزني.

ما هي العراقيل والصعوبات التي واجهتكم في بدايةِ المشوار؟ وكيف تعاملتم معها؟

من الصعب جدا أن تكون فنانا موسيقيا في الريف، أو تكون في فرقة موسيقية، والصعوبات التي واجهناها تتجلى في انعدام المرافق الموسيقية والفضاءات التي يمكن أن تمارس فيها هوايتك بكل حرية، مثل دور الشباب والمعاهد الموسيقية، وانعدام المهرجانات والتظاهرات الفنية وغياب المعدات والآلات الموسيقية الضرورية، مما انعكس سلبا على مستوانا الموسيقى الذي كان متواضع، بسبب أنه لم يكن لدينا تكوين موسيقي أكاديمي، وبالتالي كانت إبداعاتنا محدودة مما صعّب علينا تشكيل فرقة موسيقية احترافية، ولم يكن هناك أي دعم مادي من أي جهة كانت باستثناء بعض المساهمات من الأصدقاء التي هي عبارة عن آلات ومعدات موسيقية.

ما هي الألوان والأنماط الموسيقية التي يجد “أفولاي” ذاته فيها؟ ولماذا؟

هناك العديد من الأنماط الموسيقية التي أجد فيها ذاتي، منها ما هو محلي، كالموسيقى الأمازيغية بكل إيقاعاتها وأطيافها بمختلف تعابيرها، ومنها كذلك ما هو عالمي، أما عن اللون الموسيقي الذي أهتم به أكثر، فهو الأغاني والألحان الريفية الأمازيغية الفولكلورية القديمة، كإزران وأغاني امديازن وأهازيج الأفراح، وسبب اهتمامي بهذا الإرث الموسيقى هو محاولة إبداع ألحان ريفية من خلال هذا الإرث الموسيقي القديم الذي يميزنا، فجميع الشعوب في العالم تعمل على الحفاظ على ثقافتها وتعتز بها، وأنا بدوري أحاول أن أعمل على ثقافتي من خلال الموسيقى.

عموما فالموسيقى بكل أطيافها وألوانها جميلة شريطة أن يكون الإتقان في العمل.

أصدرتم مؤخرا أغنية جديدة تحت عنوان “للا يما”، هلا حدثتمونا عن الأغنية وعن ظروف إصدارها؟

«لالة يما» هي أغنية تحكي عن معاناة الأم في تربية الأبناء، وهي من تلحيني وتعود كلمات الأغنية ليامنة الخماري ابنة الناظور، آيت توزين تحديدا، والتي ملأت أجواء الريف بأغانيها الرائدة فترة الستينات، وهي تعبير كلي عن مظاهر الحزن والأسى جراء فقدان والدتها، مقطوعة نالت إعجاب أغلب من استمع إليها، وهو الأمر الذي شجعني في العمل عليها أكثر والتفكير في تسجيلها.

ما هو العمل الذي تعتبرونه الأكثر نجاحا في مسيرتكم الموسيقية؟ وما القصة وراء هذه الأغنية؟

العمل الأكثر نجاحا بالنسبة لي هو أغنية «لالة يما» لجمالية الكلمات وبساطة اللحن، أضف إلى ذلك اللمسة الفنية الجميلة للمرحوم منير أخصيم صاحب ستوديو (بيا ريكورد) بالحسيمة، والذي وضع الأغنية في قالب عصري واحترافي، من حيث التوزيع الموسيقي.

والقصة وراءها، هي أغنية ليامنة الخماري، التي تأثرت بها كثيرا إلى درجة أني استوحيت من أغنيتها التي تحمل نفس العنوان (لالة يما) لحن جديد.

من هم الموسيقيين الذين تأثر بهم الفنان “أفولاي”؟ ومن أين يستمد إلهامه الفني؟

بحكم كوني من الريف، فقد تأثرت في البداية بالفنانين الريفيين، كالوليد ميمون، تواتون، أنوال وإثران، وفنانين آخرين، ثم بعد ذلك مع مرور الوقت تعرفت أكثر على الموسيقى القبائلية وبألحانهم الجميلة، خصوصا هرم الأغنية الأمازيغية المرحوم ادير، ومن أزواد الطوارقية تأثرت بمجموعة تيناريوين، وبعدما نضج وعيي الموسيقي ازداد اهتمامي بالأغاني الريفية القديمة، كأغاني امديازن وأهازيج إزران.

ما هي المواضيع التي تقومون بالاشتغال عليها أكثر في أعمالكم الفنية؟

أعتقد أن الإنسان الريفي الأمازيغي هو الوحيد الذي يخاطب الأرض بـ (لالة) بمعنى (سيدتي)، فموضوع الأرض هو الأكثر حضورًا في أعمال أغلب الفنانين الريفيين، وهو من المواضيع التي نشتغل عليها كثيرا، بجانب مواضيع أخرى مثل الأم والحب والحرية.

ما هي رسالتكم التي تودون تمريرها من خلال أعمالكم الموسيقية؟

يمتلك الفنان مساحة واسعة للتعبير في الموسيقى، وهي فرصة تتيح له إرسال عدة رسائل، عبر جمل موسيقية، يمكن ملؤها بالعبارات والجمل والرسائل، أما عن رسالتنا، فهي الحفاظ على ثقافتنا من الضياع، وإعادة الاعتبار للأغنية الريفية القديمة، والتعبير بشكل عام عما نعيشه من حزن وفرح.

متى سيصدر “أفولاي” ألبومه الأول؟ وهل سيحتوي أغنية بطريقة الفيديو كليب؟

أنتجت العديد من الأغاني، والطريقة التي أعمل بها هو أنني كل مرة أنتج أغنية، أقوم بنشرها على منصة اليوتيوب، وفكرة إصدار ألبوم فكرة تخالج تفكيري منذ زمن بعيد، ربما مستقبلا أتمنى ذلك، عندما تتوفر الشروط، ولما لا أغنية بفيديو كليب أيضا.

كيف تعكفون على تطوير نفسكم كفنان موسيقي؟

لقد أصبحت المعلومة متاحة للجميع مع التطور الحاصل في مجال الأنترنت، فبإمكان أي شخص التعلم وتحسين مهاراته، عن طريق دروس مجانية في شتى الميادين، والتطور هو ثمرة سنوات من العمل المتواصل، فهو لا يحصل فجأة، وليس وليد اللحظة، وكفنان موسيقي أحاول تطوير نفسي بالاجتهاد، والممارسة اليومية، والعمل الجماعي، ومحاولة تعلم شيء جديد، والاستمتاع بما أقوم به، فالموهبة وحدها بدون بذل مجهود لا تكفي وقد تضيع إن لم يكن هناك عمل يصقل بها هذه الموهبة.

ماذا يمكن أن تقولون لنا عن الفن بالريف، وما هي المشاكل التي يعرفها؟ وكيف يمكن النهوض بها؟

في الريف، اندثرت العديد من المظاهر الفنية «كإزران نارايس» و»كرنفال باشيخ» الذي كان يقام في تمسمان ثلاث مرات في السنة، حسب ما ذكره مولييراس، ورقصات «حابورا» التي يستخدم فيها البارود والشبيهة بالتبوريدا، وموسيقى «إمديازن» المهددة بالاندثار والتي لم يتبقى منها في الريف إلا فرقتان أو ثلاثة.

للحديث عن الفن في الريف يجب معرفة وضعية الفنان الريفي، فهو يعاني في صمت ويعاني التهميش ولا يجد المكان الذي يعرض فيه إبداعه، والجهات الرسمية هي المسؤول الأول، فهي التي تملك الإرادة في تحسين الشأن الفني، إلا أنه لا يجب أن ننكر مسؤوليتنا، فالإكراهات التي عاشتها الأجيال السابقة كانت أصعب بكثير مما هو عليه الآن، ومع ذلك كان هناك إنتاج فني.

نعم الدولة خصصت دعم مادي للفنانين، ولكنه قليل جدا وغير كافي، والوصول إليه صعب بسبب كثرة التشعبات الإدارية، ومن أبرز المشاكل التي يعيشها الفن في الريف، هو افتقاره لبنية تحتية فنية، وغياب دورات تكوينية في هذا المجال، تستطيع أن تخلق من شخص ذو ميول فنية ومبتدئ فنانا محترفا ذو خبرة مبنية على أسس علمية، فمن داخل كل شخص يوجد فنان، كما يقال، وللنهوض بالفن، لا يجب التعامل معه كأمر ثانوي من طرف المسؤولين، بحيث يقتصرون على تنظيم المهرجانات الموسمية التي تعد على رؤوس الأصابع، فالفنان يجد ذاته على الخشبة، عندما يقدم إبداعه للجمهور.

ما مدى حضور الأغنية الريفية والأمازيغية عموما على مستوى القنوات الوطنية المغربية؟

حضور الأغنية الريفية والأمازيغية في القنوات الوطنية غير مشرف ولا يرقى إلى تطلعات الشعب المغربي، فالميزانية المخصصة في هذا المجال قليلة جدا مقارنة مع البرامج الأخرى، إذ منذ عقود من الزمن ونحن نستمع لموسيقى الطرب الأندلسي في وسائل الإعلام يوميا وفي المناسبات على حساب موسيقى الشعب، والبرامج الفنية المخصصة للأمازيغية غير حرفية حيث يتم فيها تكديس الفنانين بمقابل مادي زهيد، وبدون أدنى احترام للفنان الأمازيغي والغرض من ذلك هو إظهار أن الأغنية الأمازيغية حاضرة في وسائل الإعلام وفقط، على حساب الفن وكرامة الفنان الأمازيغي.

ما هي انشغالاتكم الموسيقية التي تعملون عليها حاليا؟ وما هي خططكم المستقبلية في هذا المجال؟

حاليا لدينا مجموعة من الأعمال التي نقوم بالاشتغال عليها، والتي قد ترى النور في المستقبل القريب، إما على شكل ألبوم أو أغاني منفردة، وخططنا المستقبلية هو العمل على الأغاني التراثية بالمزج بين الآلات الموسيقية العصرية والتقليدية، ونتمنى أن نتوفق في ذلك.

كلمة حرة..

أجدد شكري لكم ولكل طاقم جريدة «العالم الأمازيغي» على هذا الحوار الشيق، وعلى اهتمامكم بالفنان الأمازيغي والجهود التي تبذلونها في التعريف بقضايا الثقافة الأمازيغية، إنه لشرف كبير أن أكون من ضيوفكم، وأتمنى من السلطات أن تلتفت إلى الفنان الأمازيغي لرد الاعتبار له.

حاوره: خيرالدين الجامعي

شاهد أيضاً

أسماء مودوباه: المشهد الثقافي الأمازيغي يفتقد للمعرفة ويعاني ندرة الإنتاج بالحرف الأمازيغي

أسماء مودوباه، روائية أمازيغية صاعدة، أصدرت روايتها الأولى “تجديگت ن امدوز” عن منشورات رابطة تيرا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *