الحزن الراقي: متلازمة الألم بجبال الأطلس

بقلم امحمد القاضي*

الحزن والألم أنواع، يتمظهران على أشكال متعددة. من بينها، وما أكثره في الوقت الحاضر، الحزن والألم المزيف والمقنع بالشكوى، حيث يتصنع صاحبه المأساة، كمتسولي المدن، يسترزق بواسطته ويحترفه ليوقع بالمغفلين وذوي النيات الحسنة الزائدة عن الحدود. وهناك الحزن الذي يظهره صاحبه بالشكوى، ويتقاسمه مع الناس إستجداءا للشفقة. لكن هناك نوع آخر، هو موضوعنا اليوم، وهو الحزن الراقي.

الحزن الراقي، ألم صامت يسكن أعماق القلب، يقمعه صاحبه بدواخله ويحجبه عن العين واللسان، ولا يسمح له بالظهور للعلن. حزن أزلي، قاطن أبدي، يصاحب حامله لسنوات كمرض مزمن وأعراض ‘متلازمة الألم’ لدرجة يصبح معه الشخص مقتنع أنه قدره في الحياة، ونصيبه في الدنيا، ويرضى به كقسم رباني لا مفر لمعيشته؛ كما هو حال طائفة المنبوذين بدولة الهند.

حزن يستوطن القلب صحبة ألم أبدي ترفض الدموع أن تستجيب له، مأساة تلمع وسط مقلة العين، وتطفو على محيا وجه شقته تجاعيد الصبر وقساوة الطقس وشح الطبيعة وقوة الصدمات؛ ومع ذلك لم يستسلم لمرور السنين. حزن مقيم أزلي كالجن وسط جسد صامد لم يأذن له بالمغادرة الطوعية، لأن صاحب الجسد تعايش مع الحزن وصاحبه وتعلق به، كحيوان أليف داخله، وأصبح لا يملك سواه، ولا يتصور حياة بعد فقدانه. حزن لن يلمسه ويفك طلاميسه سوى حاملي ذرة الإنسانية في قلوبهم.

ذلك ما لامسناه، نحن متطوعي جمعية تيويزي للتنمية الإجتماعية لأيت عبد الله، على وجوه جل ساكنة بعض القرى المتضررة بكارثة الزلزال بأعالي جبال الأطلس الصغير بإقليم تارودانت، أثناء تجربة مبادرات قافلات دعم الساكنة المحلية. وتكونت لدينا قناعة أنها طباع جل ساكنة سوس عامة، وأدرار خاصة.

كنا شهداء على قوم يسكنون الثلث الخالي من المغرب العميق، وأركان مظلمة من المغرب الغير النافع. أناس معتزون بالسيادة الوطنية ومتشبتون بالإنتماء للهوية الأمازيغية العريقة.

الحزن الأبدي صاحبه ضحية هضم الحقوق وفساد منظومة، يئس الحياة بعد إحباطات وإنكسارات متعددة. كي لا ندخل في مسببات التهميش، وهشاشة الوضع بجبال الأطلس الصغير عموما، نختصر القول بالدعاء لهم أن يعوضهم الله صبرهم، وجميل فعلهم بأفضل منها.

في الحقيقة، قرى جبال الأطلس تصلح لإستقبال أصحاب العقوبات البديلة من ناهبي المال العام لتعلم أخلاق القناعة التي إنقرضت من سلوكياتهم. مداشر الأعالي تصلح زواياها لإعادة إدماج سجناء مختلسي حقوق المعذبين في الأرض لإستعادة قيم إنسانية والتمتع بجمالية شيم نادي البشرية، بعد أن غلبت الوحشية وطغت الهمجية على طباعهم.

أخيرا، الحزن أحزان، والحزن الذي يترك جرح يكاد لا يندمل، هو ألم فقدان الثقة، والإقصاء الشبه دائم والممنهج والذي طال أمده بقرى سوس لدرجة يصعب معه التصديق أنه سينجلي يوما ما.
لحاملي الحزن الراقي نقول: تشبتوا بأمل التغيير، وأسعدكم الله في حياة أخرى.

*رئيس جمعية تيويزي للتنمية الإجتماعية لأيت عبد الله.

اقرأ أيضا

“الصحافة والإعلام في ظل الثورة الرقمية: قضايا وإشكالات” شعار المؤتمر الدولي الأول بوجدة

تنظم شعبة علوم الإعلام والتواصل الاستراتيجي التابعة لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الأول بوجدة، …

2 تعليقات

  1. فاطمة انجدام الابيض

    المقال يختزل المعاناة التي يعانيها سكان المغرب العميق في أعالي جبال الاطلس.ادرار .

  2. قد يكون في الرزايا مزايا وفي المحن منح والامل احيانا ينبثق من الألم. هذه الساكنة من عظمتها انها جربت الرزايا والمحن والامل فعرفت كيف تكابرها ، لتولد من جديد وتنبعث من الرماد .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *