في تحليل أسباب تصاعُد ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب بعد أحداث 11 شتنبر 2001، يمكن رصد مجموعة من المُحدّدات الموضوعية التي أفرزت الظاهرة منها تنامي موجات الهجرة من الجنوب إلى الشمال، واستعصاء اندماج المهاجرين في النسيج المجتمعي الغربي؛ والأزمة الاقتصادية العالمية، التي جعلت مواطني البلدان الغربية يروْن في المهاجرين منافسين لهم على مناصب الشغل وتجدر “أسطورة أسلمة أوروبا”، للحد الذي أصبحت معه الإسلاموفوبيا ظاهرة منتشرة حتى في بلدان لا توجد فيها جالية مسلمة، وأفضت إلى بروز “منطق حربي” يُنظر من خلاله إلى الإسلام على أنه “عدو”.
هذه الوضعية كان لها تأثير على قرارات السياسيين في البلدان الغربية، كما هو الحال بشأن الخطابات حول “الانفصالية الإسلاموية” أو قرار منع مواطني سبْع دول إسلامية من دخول أمريكا في سياق ظهور مراكز أبحاث في الولايات المتحدة تشجع وتعطي حلولا للسياسيين. لكن في المقابل يوجد في أوروبا نسيج جمعوي مناهض لدُعاة الإسلاموفوبيا مع مفارقة جدرية تتمثل في كون نسبة المسلمين في القارة العجوز أعلى من نظيرتها في أمريكا، إذ تصل نسبتهم في فرنسا إلى 5 في المائة، في حين لا تتعدّى النسبة في الولايات المتحدة الأمريكية 1 في المائة.
فانتشار الإسلاموفوبيا بشكل أكبر في الولايات المتحدة الأمريكية ينطوي على أغراض سياسوية، فالتعامل مع الخصوصية الثقافية للمسلمين في البلدان الغربية أصبح ينحو منحى الفوبيا المرضية كشكل من أشكال الوعي الجماعي والمؤسساتي، وهو ما أفرز وجود مؤسسات تعتبر الآخر المسلم خطرا يهدد النسق الاجتماعي لهذه البلدان.
يمكن في هذا السياق الإحالة على دراسة أنجزتْ في فرنسا في غضون سنة 2017 لكشف التمييز الذي يطال المسلمين في ميدان الشغل، إذ تمّ تقديم 6231 طلب عمل إلى أرباب المقاولات، تضمّنت سيرا ذاتية بأسماء مستعارة، فكانت النتيجة أنَّ عدد الطلبات المقبولة التي تحمل أسماء عربية لمْ تتعدَّ 5 في المائة. وهذا يعني أنّ الخلل في الآخر المتأثر بمقولة الإسلاموفوبيا.
وإذا كان المسلمون يشتكون من الإسلاموفوبيا في الغرب، فإنَّها توجد أيضا حتى داخل المجتمعات الإسلامية في أشكال مختلفة تروج لها فئات وبنيات بمنطق اختزالي يؤسس النسق الديني وممارسات لتدين على مظاهر خارجية ومجتمعية وثقافية (اللباس – أماكن الاختلاط – اللغة – نمط العيش – …) ذلك أن كلّ من اختلف مع “النموذج” يتمّ رمْيه ب”الكفر” أو ” الخروج عن الطريق” أو في المقابل ب ” التزمت” و”الظلامية”، ويصبح عرضة للإقصاء والتهميش والمعاداة.
مما خلق شريحتين من المواطنين ، شريحة أولى تتكون من مناصري “النموذج” من خلال منطق ومقولة “الفيليا” (إسلاموفيليا ) بمعنى تمجيد وتثبيت والإشادة ب”النموذج” كان وطينا أو أجنبيا وشريحة ثانية من المواطنين تصبح عرضة لثقافة وسلوك وممارسات “الفوبيا” (إسلاموفوبيا) الموجهة لمواطنين من نفس الديانة و المعتقد على اعتبار أن الخرجات التي تقوم بها الفئات والبنيات التي تدافع على “النموذج الحصري” للمتدين تؤدّي إلى انتشار ثقافة الكراهية والعنف والتنافر تجاه من لا يتوافق سلوكه الاجتماعي والثقافي مع “النموذج.الحصري”
من هذا المنطلق فالفوبيا الدينية ليست حكرا على الغرب بل توجد كذلك داخل مجتمعات منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في صيغة “اسلاموفوبيا انعكاسية” موجهة للذات كنوع من أنواع التمييز والإقصاء والإلغاء المباشر لمقومات المواطنة الهادئة والعيش المشترك والرابط الاجتماعي.