النضال الثقافي والفني في اواخر السبعينات ظروفه ودروسه

الشعر الأمازيغي الملتزم والأغنية الأمازيغية الهادفة هما صيغتان متناسقتين متكاملتين نصا وشكلا لا يمكن الفصل بينهما ، لهما نفس الهم والهدف، فهي يعني الأغنية محتوى فني ثقافي منسجم يحمل رسالة إنسانية نضالية وغايات تتجاوز الترفيه وترقى إلى مستوى الإسهام في نشر الوعي والحس بالمسؤولية ، ولعل اواخر السبعينات وبداية الثمانينات في الناظور كانت محطة ذهبية فريدة من نوعها التي يجب الوقوف عليها ثم اخذ الدروس والعبر منها مع كشف بعض ثمارها النادرة العسلية ثم إبراز بعض اسرارها المتميزة و كشاهد على العصر ساحاول فك بعض طلاسمها.

ماهي الظروف التي ساعدت الشعر الأمازيغي الهادف والاغنية الملتزمة في الناظور اواخر السبعينات وبداية الثمانينات؟ ولماذا وصل إلى تلك الصدارة المرموقة في تلك الفترة الوجيزة؟

يتسم الشعر الملتزم بالتعبير الوفي عن القضايا الاجتماعية والسياسية، ومن خلال مدارس شعرية اممية و عربية معروفة في تلك الفترة مهتمة بقضايا المجتمع والانسان التي وصل اشعاعها إلى المنطقة وبدأت تدب بحذر وحيطة اقتبس منها الشاعر والفنان ما يشفي غليله ، وانطلاقا من تشجيعات الأحزاب السياسية اليسارية المغربية التي لعبت دورا بارزا في احتضان هذا النمط من النضال الفني والثقافي. ، فإنني اقول ان ماقامت به هذه المجموعات الغنائية وما حدث من انتاج شعري كان لا يخرج عن فضاء ما تومن به هذه الأحزاب اليسارية فهي نابعة من عقيدتها وبرامجها لذلك كانت مقراتها مفتوحة لها وتقدم لها العون والتوجيه ، فكان هناك مصالح مشتركة وقضايا ذات اهتمام موحد ، فالاحزاب في المنطقة كانت ترى في الشعر والاغنية لسانها في بعض المواضيع ومنبر يخدم اهدافها ويستقطب متعاطفين جدد لها ، وفي خط متوازي كان الشاعر والفنان يرى فيها متنفس وفضاء من اجل الانتشار وتبليغ رسائله مع تفعيل اللغة الأمازيغية في التواصل انطلاقا من الفن والشعر كلغة ولسان يفهمه المجتمع ببساطة ، وعليه كان الشعر او-الاغنية الأمازيغية- قد وجد تربة خصبة مناسبة لأول مرة في تاريخ الناظور الكبير تساعده على النمو والتمرد على النمط الشعري القديم حيث اصبح الشعر ينقل معاناة وهموم المنطقة في قالب لم نتعوده من قبل في المقابل سنرى تحولا نوعيا كذلك في مجال الأغنية الامازيغية الريفية التي تأثرت بشكل واضح بالاغنية الغيوانية آنذاك وتخلت عن* الزمار* الذي يتميز به الغناء الامازيغي الريفي في صورة *رشيوخ او امذيازن* كما هو سائد وشائع من قبل وعوضته اما بالبانجو او القيثارة ، فكانت بداية جيل جديد بنى فيها اغنية تسعى إلى الحفاظ على الهوية الثقافية ونقل القيم والتقاليد ومعاناة المجتمع في قالب فني مزيج بالاصالة والالتزام.

تشكل اللغة الأمازيغية جزءا هاما من الهوية الثقافية للمجتمع المغربي ، حيث عكست وتعكس الأغاني الهادفة هذه الهوية بشكل فعال، يُعَتبر اللحن الأمازيغي الماخوذ عن التراث والاهازيج المتوارثة من الأجداد المضافة إلى كلمات الأغاني لتعزيز الرسائل التي تحملها، ما يجعلها وسيلة فعالة و معرفة كيفية العزف على الوتر الحساس لنقل التراث ،القيم والاحلام حيث يبرز هذا جليا من خلال تأمل في هذه الأغاني كاغنية اغرابو نغ لفرقة اصفضاون ، اغنية الحسيمة لمجموعة ايريزام وأغنية مامش غانك اناري لفرقة ايني اومازيغ في تلك المرحلة ، هذه الأغاني التي لازالت حية رغم مرور سنين عدة لجمعها بين إيقاع اصيل وكلمات معبرة ، لذلك يمكنك اذا اكتشاف غنى التعبير الثقافي والفني الذي يعكس تاريخا ومطالبا من خلال هذه الأغاني الأمازيغيةالخالدة.
سيتسائل المرئ كيف لهذا الشعر الملتزم وهذه الأغنية الهادفة في تلك السنوات الماضية من سنوات الجمر وصل إلى هذه الصدارة والمكانة المرموقتين رغم قلة الإمكانيات وصعوبة الاوضاع، سنوات لم يكن فيها هاتف ذكي ولا عالم التواصل الإجتماعي ولا فضاء اليوتوب ولكن كان هناك هم مشترك وحس بالمسؤولية في صفوف الشباب المناضل داخل الأحزاب والفكر اليساري جمعهم اطار جمعوي واحد موحد يؤطره اهرامات عظام تحت راية الجمعية الإنطلاقة الثقافية بالناظور ، شباب منضبط مع صرامة في العمل يحترم قرارات قيادته وينفذها بإتقان وتفان، شباب آمن بالمبادئ ثم يسعى إلى تحقيقها ، شباب يتميز بمعنويات قوية ليس فيها حقد ولا حسد فكان كل نشاط ثقافي وفني تقوم به الجمعية او الحزب يكون هؤلاء الشباب في المقدمة جاهدين رفاق متحابين في تعاون متكامل تلقائي منقطع النظير من أجل إنجاح هذا النشاط، تنافس حاد بين الشباب من أجل التضحية وتقديم جهد افضل غايتهم المهمة ان يصبح ذلك العرس الفني الثقافي إلى الهدف المتوخى منه نجاحا وفلاحا ولعل المهرجانات التي أقيمت حينها في اوطيل الريف تبين بوضوح هذا السلوك الراقي و النبيل.

ختاما ان الشعر الملتزم والأغنية الأمازيغية الهادفة وصلت إلى ذلك الازدهار بسبب جهد طاهر عصامي وتربية جيل علموه ان يوصل الأمانة إلى أهلها ولا يخونها فوصلت الأمانة بصدق ثم كان ذلك الإشعاع وذلك الرواج في الشعر والغناء بتلك الأيادي القصيرة الضعيفة ولكن بارادة قوية وقلوب بيضاء نقية.

جمال الغازي

اقرأ أيضا

في الدفاع عن العلمانية المغربية: رد على تصريحات ابن كيران

اطلعت على تصريحاتك الأخيرة التي هاجمت فيها من وصفتهم بـ”مستغلي الفرص لنفث العداء والضغينة في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *