تمرد المرأة وصراعها مع المجتمع الذكوري في رواية “ha tudrt had amarg nns” للكاتبة ملعيد العدناني

بقلم: بلاج أحمد

تحكي رواية “ha tudrt had amarg nns” عن فتاة اسمها “tilelli” نسبة  إلى الحرية؛  قضت أوائل سنين عمرها في قرية صغيرة رفقة أمها، أما أبوها فقد تركها ولم يعد، حيث غادر القرية منذ نعومة أظافرها، عانت كثيرا ولم تعرف معنى الطفولة، إذ كان عليها أن تساعد أمها في أعمالها اليومية ولم يكن يتبقي لديها من الوقت قبل غروب الشمس ما يكفيها للعب، ولم يكن هناك أطفال تلعب معهم، لتزداد معاناتها خصوصا بعد وفاة أمها التي كانت تتشارك معها هموم الحياة، وأصبح البحر هو من يؤنسها في الصباح أثناء شروق الشمس و أثناء غروبها أيضا؛ انطلاقا من هدا الوقت الذي تستغله “tilelli ” الذهاب إلى البحر والشاطئ دليل على أنها حملت أو انزعجت من هم ما؛ وأصبح الموج صديقا لها.

موج الشوق والحنين إلى أمها؛ ومع تسليمنا بأن عملية الوصف باستخدام الألوان عملية لها دلالة رمزية؛ ولما كانت الألوان ترتبط ارتباطا  وثيقا  بعمليات التفكير والانفعالات؛ فإننا نجد أن إضفاء اللونين الأصفر(شروق الشمس) والأزرق على مياه البحر يؤكد رمزية المياه في الأصول المرجعية باعتبارها أحد عناصر البداية والحياة والاستمرارية والقوة. ذلك أن اللون الأزرق يعد من الألوان الأساسية الأولية التي لا تقبل الانقسام؛ فهو لا يتولد من لون آخر؛ والعكس صحيح؛ فضلا  عما ينطوي عليه هذا اللون من دلالات القوة؛ قوة البحر. في حين أن اللون الأصفر ينطوي على دلالات الحياة والاستشراف على الأمل والحياة؛ واستنادا  إلى ما تقدم يمكن أن ترمز الشمس إلى الحياة والقوة والخير وكل ما هو طيب. كما أنها قد ترمز إلى التسامي والعقل والإيمان. وبعد الشمس عن البحر يوحي على بعد tilelli عن أمها وعن حنينها للحرية. أحست “tilelli” منذ الصغر أنها مختلفة عن باقي الناس، تاركة هي وأمها القرية بعيدا عن أعين الناس وكلامهم، بعد وفاة أمها عاشت وحيدة، وفي أحد الأيام قررت العودة من جديد إلى مسقط رأسها بسبب الوحدة التي ألمت بها، ومع مرور الوقت في القرية صارت قوية الإرادة منطلقة اللسان، لكن علاقتها بالرجال لم تكن على ما يرام فهي تعتبرهم غرباء عنها، ولا تؤمن بشيء اسمه الحب، هو في نظرها عبارة عن أكاذيب ولا أساس له من الصحة، فأغلب صديقاتها (مليكة- عائشة- تلا….)  في القرية عانين بسببه حيث سقطن في فخ الخيانة الزوجية من طرف الزوج، وهو ما أدى إلى هجرهن من طرف أزواجهن، ولكي لا تكون هي  أخرى ضحية ، اقتنعت أن تكون منعزلة عنهم.

 

 

توالت الأيام والأيام لتترك القرية، بعد زواج صديقتها « tla »  ولترحل من جديد إلى منزلها المطل على البحر ب imswan نواحي احاحان، ذات يوم بينما كانت جالسة تتأمل في البحر، إذا بفتى جميل المظهر يقف أمامها ويجلس بجانبها قد تبادلا النظرات حينها، وكأن القدر ينحو منحا أخر في حياتها، ويشق طريقها نحو علاقة غرامية. كان اسمه “بيهي” إلا أن أصدقائه  ينادونه “amnay”.  وفي إحدى الليالي عندما رافقها إلى منزلها حيث مارسا العلاقة الجنسية بينها، ذعرت يومها ذعراً شديداً خصوصا بعد أن صارحها على أنه متزوج وله امرأة و أولاد، ولم تدري ما تفعل، فاحتفظت بالأمر سراً إلى أن أنجبت طفلة أسمتها ” tudrt” أي حياة.

يقوم هذا المؤلف على محاولة ضبط التحولات الكثيفة التي طرأت على المجتمع المغربي عامة وعلى المجتمع الأمازيغي خاصة، في عمق تلك التحولات تبرز  مكانة المرأة ودورها الفعال في المجتمع، خاصة المتشعبة بالتمرد على المجتمع التقليدي، مقبلة على المتعة الجسدية مع الرجل، وتعمل على تحقيق كينونتها الإنسانية وتحررها لتشكل صورة المرأة النموذجية المناضلة ضد استبداد الرجل بالتحكم في حقوقها وجسدها، فقد سعت إلى الرغبة في الاندماج بأسلوب جديد في المجتمع. فالرواية عموما تعالج مواضيع كثيرة؛ لكن الموضوع الرئيسي الطاغي والمهيمن على القضايا الأخرى هو موضوع الحرية والشوق والرغبة في الحياة.

من أبرز مظاهر التحولات الاجتماعية الأمازيغية الجديدة التي تعكسها الرواية، انتشار العلاقات الغير الشرعية بين الشباب وما ينتج عنه من تأثيرات سلبية على المجتمع. كما أن الرواية لم تغفل الجانب المتعلق بالأمومة بتذكر “tilelli” لأمها بعد مرور سنين على وفاتها، لما لها من مكانة عظيمة في الذاكرة توحي للشخصية المحورية برؤية فلسفية واجتماعية حول الأم في أبعادها الطبيعية والاجتماعية والنفسية، فهي راحة نفسية اجتماعية ومعانقة للمطلق، لذلك فإن التشبث بالأم يخلقه الانطباع بعبثية الوجود.

كخلاصة لما سبق يمكن القول أن الرواية اتخذت في مجمل أبعادها عدة تجليات ومستويات عديدة بعضها مضمر، وبعضها بارز دون تنسيقه في زاوية نظر شاملة، إن مأساة “tilelli” مزدوجة تمثلت من جهة، بالقدر الذي ابعد أمها عنها باعتبارها المؤنس الوحيد لحياتها، ومن جهة ثانية محاولة تعويض الخيبة في الحصول على محبوب يستطيع أن يضمن لها العيش في وسط اجتماعي، خاصة بعد معاشرة أمناي وإنجاب طفلة منه. وزبد القول استنتجنا أن الرواية تهدف إلى الوقوف على معالم الذات الأنثوية؛ قضاياها وانشغالاتها وهي تصارع المجتمع الذكوري؛ المحمل بالسيطرة القامعة؛ ولهدا فهي تصارع داخليا طموحاتها الناجمة عن أزمة  البحث عن الهوية الأنثوية المفقودة تحث الأخر المغاير لجنسها فالمرأة كانت ومازلت في التصور غير العادل الأقل أهمية في ثنائية الأخر؛الرجل؛ الذات المرأة.

وفي ظل العنف والبحث عن الذات الإنسانية المسلوبة راحت المرأة تشق طريقها؛ مقتحمة بدلك عالم التمرد والبحت عن الحرية والحياة لتثبت نفسها. إن الحديث عن الأخر الرجل؛ في مقابل المرأة الأنثى؛ هو الحديث عن العلاقة بين طرفين متقابلين و متناقضين؛ احدهما ذات المرأة التي تخضع الأخر على اختبار أن التاريخ والثقافة يرجحان كفة الهيمنة لصالحه؛ في مقابل اضمحلال الأنثوية تحت جناحيه.

فالرواية عموما أعطت صورة واضحة عن مكانة المرأة من خلال الواقع الاجتماعي؛ حيث دائما نجد المجتمع يضع المرأة في مرتبة ثانية أقل من الرجل؛ ويفرض عليها قيودا لا يفرضها على الرجل؛ ويحدد لها دورا معينا في الحياة يرتكز أساسا على الخدمة في البيت ورعاية الأطفال. لقد تعرضت المرأة للكبت والصمت على مر العقود في الحضارات والثقافات؛ وقراءة التاريخ ودراسة التطورات الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات توصل الباحث إلى أنه بالرغم من اختلاف المناطق والأزمان وأساليب الإنتاج نجد بين معظم الحضارات خيطا جامعا يقوم على اعتبار جنس الذكر هو الجنس المتميز ؛ السيد والمسيطر وعلى تبعية جني الأنثى للرجل وخضوعها له. عكس الحضارة الامازيغية التي كانت تعطي قيمة كبيرة للمرأة مند القدم إلى اليوم؛ لكن بحلول العرب ارض تمازغا دجن الإنسان الامازيغي بثقافة عروبية اسلاموية مما جعلوا ثقافته في هاوية.

عالميا؛ قدمت المرأة بصورة سلبية في الأساطير؛ فقد أطلق عليها صفة الشر والسحر والشعوذة. وفي التاريخ تكون غير موجودة وعير مسموعة؛ حتى أن بعض الفلاسفة كان لهم موقف عدائي من المرأة؛ أرسطو الذي عاش (322-384) قبل الميلاد كانت نظرته دونية للمرأة إذ يرى النساء أقل منزلة من الرجال وهذا سببه بيولوجي؛ وان النساء يمكن اعتبارهن عاهة (déformait) وهن والأطفال لم يكتمل نموهم العقلي لدلك يجب على الرجل أن تحكم النساء والأطفال وأن يكونوا مسؤولين عنهم. ويعقد مقارنة بين النساء والرجال ويرى النساء أكثر حسدا وافتراء وأكثر ميلا إلى الكذب من الرجل. ومن هذا المنطلق أصبحت الكاتبة في تنافس كبير مع الرجل؛ في ارتياد الكتابة بمختلف أجناسها خاصة الرواية متخذة وجودها المضطهد؛ ومن علاقتها بالأخر الرجل. وما يوضح ذلك أكثر وجود شخصية واحدة ذكورية من بين الشخصيات الأخرى الأنثوية في الرواية.

وبكل تأكيد رفضت الكاتبة شكل المرأة في العقلية الذكورية المهيمنة الكائن المستضعف الذي لا يستطيع حماية نفسه؛ ولا تمثيلها إلا بالانطواء تحت رحمة الأخر الذي ينظر إليه انه شيء من الأشياء الخاصة؛ وهو ما ساهم في عبودية المرأة الجسدية أو الاقتصادية والأسرية وبالتالي زجها على الهامش المعتم بحكم هيمنة قيم ومعتقدات متحيزة تتعامل مع المرأة جسدا ومتعة. وهذا ما لم تقبله الكاتبة؛ من ثم وجدنا الأحداث تنحى منحى التمرد؛ ولهذا لجأت الكاتبة إلى الزمان المطلق حيث لا حسيب ولا رقيب؛ إنه زمن الانفراد والابتعاد والوحدة. واقع ساخط؛ هذا الواقع الذي جرد المرأة من كيانها؛ وإنسانياتها؛ ودمر وجودها مما يجعلنا نحكم على عنوان الرواية بأنه عنوان يحمل الرغبة في الحياة والحرية وتحرر الجسد من القيود والسيطرة للوصول إلى متعة الحياة والتمتع بها.

شاهد أيضاً

الإعلام الأمازيغي المكتوب إلى متى يبقى نضاليا ؟

من الجبهات النضالية التي اخترتها الحركة الأمازيغية بالمغرب منذ النشاة، الإعلام المكتوب وذلك لأهميته في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *