ديوان “Abrid N Ulili” ثاني إصدار للشاعر الأمازيغي حميد توعلي

حميد توعلي أستاذ في الديار السويسرية، وهو باحث وكاتب ومبدع، صدرت له رواية “أمناي الأمازيغي أو الهوية السّرّية” باللغة الفرنسية سنة 2016، وتؤرخ لنشأة الحركة الثقافية الأمازيغية في الجامعة. كما أنه شاعرٌ وصوتٌ عذب من الأصوات الشعرية في شعرنا الأمازيغي المعاصر، بدأ مسيرته الشعرية منذ أكثر من ثلاثين سنة، إذ أبدع هذه القصائد المتضمّنة في هذا الديوان سنوات 1992 و2001.

القصائد الشعرية المجموعة في هذا الديوان هي قصائد كُتبت في تلك المرحلة، وتمّ إلقاء الكثير منها في الأمسيات الثقافية والأنشطة الثقافية للحركة الثقافية الأمازيغية. فالشاعر يعكس عبرها تلك الروح الإستطيقية للكينونة الأمازيغية، والراغبة في التأسيس لثورة ثقافية تعيد إحياء كل ما هو جميل في الفكر/الفن والممارسة الأمازيغيين. والقارئ/المستمع الجيد والمتمعن سيدرك أن الكاتب عمل على تطوير المضامين الفكرية للشعر الأمازيغي، وأدواته النقدية والفنية بوصفها الوسيلة الأولى للسير على طريق التحرّر والانعتاق. وبالتالي، فهذا الديوان يمثّل نضج التجربة النقدية، عبر الشعر، لمناضلي الحركة الثقافية الأمازيغية في تلك المرحلة.

والديوان يقع في 219 صفحة من الحجم المتوسط، ويضم 63 قصيدة، تتراوح بين الطول والقصر، وقد صدر في طبعة أنيقة، فضلاً عن اشتماله على إهداء لروح الفنّان موحند السعيدي وكل مناضلي الحرية وتيموزغا. وقد ضمّ الديوان مقدمةً لصاحبها سعيد بلعضيش، الذي قام، عبرها، بوضع مدخل فلسفي لقراءة الأشعار المتضمنة في الديوان، باعتباره عتبة نصية يشي بما تصطبغ به قصائد الديوان من روح إنسانية مفعمة بصدق العاطفة وتوهجها.

يضم هذا الديوان قصائد عديدة ومتنوعة في موضوعاتها: تيمّوزغا، تيدوكلا، تايري، إيمال، الصدق، والقصائد العامة، بيد أن الرؤية العامة في هذا الديوان تتألف من بعدين أساسيين هما: البعد النقدي والبعد الوجداني، وهما يمتزجان معاً امتزاجاً عضوياً بارعاً؛ الأمر الذي ضمن لهما درجة عالية من النضج والعمق والتكامل.

انشغل الشاعر بالهمّ النقدي انشغالاً كبيراً، فإنكار الأمازيغية واحتقارها وما نجم عنه من ضياع للقيم والحقوق والحريات واللغة والهوية، وتفكيكٌ وهدمٌ للإجتماعي، وانتهاك للكينونة الأمازيغية وتمزق بين أبناء الشعب الأمازيغي، وانقسام بغيض، الخ.؛ كل هذه المضامين قضّت مضاجع الشاعر، فانعكست في تجربته الشعرية، لهذا نجده يدعو إلى الصمود والتحدي والمقاومة بصلابة وبدون هوادة.

وقد تضاعف لدى الشاعر الانشغال بما مزّق الاجتماعي (شبكة العلاقات الإنسانية) بين الأصدقاء وبين الأخوة الأمازيغيين. كما عبّر عن أزمة الإنسان الأمازيغي مع الأنظمة الحاكمة، فصّور بلغة بليغة مترعة بالغضب، وبأسلوب السخرية المرة، والتهكم اللاذع صورة الحاكم الذي حرم الأمازيغيين طعم الحرية، وأذاقهم الاحتقار والمذلة. هكذا عرّى مظاهر التسلط، وصبّ عليها لهيب غضبه الغيور، ليدعو إلى سلوك سبيل المقاومة وترسيخ إرادة التحدي والصمود.

ولكنه لا يوجّه معاول نقده للسلطة فحسب، بل إلى الأمازيغيين كذلك. إنه يدرك الرسالة الفكرية والأخلاقية والتأثيرية التي يحملها الشاعر تجاه شعبه ووطنه، لذا نجده يلسع المواضعات الاجتماعية والأوضاع البالية لدى الأمازيغيين أنفسهم. هكذا يمزج في شعره بين الخاص والعام، فمن همه الذاتي انبثق الهم العام، ذلك أن مأساته جزء من مأساة شعبه، والعكس بالعكس، في وحدة جدلية لا شبيه لها.

أما الروح العاطفية للديوان، فتتردد ملامحها ما بين الاحتفال بغد جديد يشرق في ثنايا حياة الشاعر، والأسى على أمس قديم ينطفئ، وما بين هذين العاطفتين تتنوع التجارب الخاصة وتتعدد. إنه لا يتحدث عن أطلال ولا يبكي على أمجاد ماضية، كما يفعل الشعراء، ولا يعد بغد أفضل ملؤه النعيم، كما يفعل الأنبياء، وإنما يكشف الإمكانيات الحاضرة للحاضر المعاش، للتجربة الصّراعية القادرة على انتشال الأمازيغيين من بؤسهم واستلابهم. لهذا فالصورة الفنية في أبياته نابضة بالحياة والحيوية، عبر بنية سردية تضمّ عناصر درامية من حوار خارجي وداخلي ووصف وتشخيص. هكذا نستخلص أن القصيدة، في هذا الديوان، وفي معمارها الفني تتلاءم مع البعد النقدي والعاطفي الذي يصوره الشاعر.

محمد فارسي

اقرأ أيضا

“الصحافة والإعلام في ظل الثورة الرقمية: قضايا وإشكالات” شعار المؤتمر الدولي الأول بوجدة

تنظم شعبة علوم الإعلام والتواصل الاستراتيجي التابعة لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الأول بوجدة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *