-
كيف تلقيتم قرار الملك محمد السادس بترسيم رأس السنة الأمازيغية؟
** بداية؛ نرفع آيات الولاء والعرفان لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله على تفضله بإقرار رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا، كما أشكر هيئة تحرير جريدة العالم الأمازيغي التي أتاحت لنا الفرصة للقاء بهم وبقراءها، كما نغتنم الفرصة أيضا لنهنئ الشعب المغربي بهذا التأكيد الملكي على أهمية البعد الأمازيغي في تشكيل الهوية الوطنية للمغاربة بدون استثناء، وعلاوة على مشاركتنا مع كل مكونات الحركة الأمازيغية في مسيرة ترصيد المكتسبات ذات الصلة بملف الأمازيغية وعلى رأسها القرار الأخير الذي صدر في 03 ماي 2023، ومن هذا المنطلق يمكن لي أن أقول بأننا صرنا اليوم أكثر إيمانا بخطاب الحركة الثقافية الأمازيغية الذي تطور بشكل تدريجي وفق التحولات العميقة التي عرفتها الدولة المغربية، لاسيما ما يتعلق بالتفاعل الطبيعي مع المنظومة الأممية لحقوق الانسان، وأساسا ما يتعلق بالحقوق اللغوية والثقافية.
- ماهي القيمة المضافة التي سيمنحها القرار الملكي التاريخي القاضي بترسيم رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا للحركات النضالية الأمازيغية؟
** بالنسبة للحركة الأمازيغية يعتبر ترسيم رأس السنة الأمازيغية مطلبا ذا أهمية كبرى، لأن هذا المطلب لا يندرج ضمن الاعتبارات الثقافية كطقس وفقط، وإنما هو مطلب متشعب كونه ينفتح على ماهية التاريخ الحقيقي للأمة المغربية وهذا سيقودنا إلى تصحيح بعض الأفكار التي تسربت إلى عقول المغاربة التي ساهمت في تعطيل الركائز القوية لبناء المواطنة الحقة، بل إن هذا المطلب سيعالج بشكل أساسي الاضطرابات التي كانت ستمس الهوية المغربية في المستقبل، لكن بفضل الحس الاجتماعي القوي للمؤسسة الملكية تم صيانة مقومات الهوية المغربية ولقد حدث ذلك منذ فترة الحسن الثاني في خطاب عشرين غشت 1994 الذي أشار فيه إلى التفكير في إدماج الأمازيغية في النظام التعليمي المغربي، واستمرت المؤسسة الملكية في عهد جلالة الملك محمد السادس بتعزيز ملف الأمازيغية منذ اعتلاءه عرش أسلافه الميامين، بدءا من خطاب أجدير التاريخي الذي نتج عنه تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، ثم خطاب 9 مارس سنة 2011 الذي تضمن في المرتكز الأول المكون الأمازيغي باعتباره المكون الصلب في تشكيل الهوية المغربية، وفضلا عن ذلك أشار محمد السادس في خطاب 20 غشت 2021 إلى العمق الأمازيغي في تاريخ الأمة المغربية (المغرب دولة عريقية تمتمد لأكثر من 12 قرنا، فضلا عن تاريخها الأمازيغي الطويل)، إذا فالإضافة التي سيضيفها الإقرار الملكي بشأن ترسيم رأس السنة الأمازيغية بالنسبة للحركة الأمازيغية هو الشعور بالارتياح إزاء ترافعها المستمر على مطالبها الثقافية، وفي نفس الوقت ستنوع هذه الحركة في خطط ترافعها لاسيما وأن أمامها مرجعيات قوية للترافع، وأهمها الخطب والظهائر الملكية التي تعتبر من أهم المرجيعات التي تتأسس عليها خطط الدولة ذات الأبعاد الاستراتجية للدولة، كما أن هذه المرجعية لها أهميتها بالنظر إلى القيمة المؤسساتية باعتبار المؤسسة الملكية مؤسسة دستورية ثابتة لا تتأثر بالمتغيرات السياسية العابرة مثل المؤسسة الحكومية التي تحكمها الخلفية الايديولوجية المرحلية، إذا هذا ما يعطينا على الأقل أن المكتسبات التي التي حققتها الحركة الأمازيغية عندما تتفضل المؤسسة الملكية بالتفاعل معها، بأن نقول هناك ترصيد للمكتسبات لا يمكن التراجع عنها.
- كيف يمكن استثمار هذا القرار التاريخي وجعله وسيلة لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية؟
** بالنسبة لهذا السؤال، فهو يتضمن جوابه؛ بكون هذا القرار فعلا سيشكل توجيها ملكيا لباقي المؤسسات الدستورية –الحكومة والمؤسسات التشريعية- من أجل التثبيت الدستوري لملف الأمازيغية أولا، وثانيا سيشكل هذا القرار تعزيزا دستوريا مما سيستدعي التسريع على الأقل في ترسيم ملف الأمازيغية من قبل المؤسسة الحكومية التي لا يمكن أن تخرج عن التوجيهات الملكية، وهذا ما لامسناه في قرار اعتماد حرف تفيناغ، وفي هذا السياق يجب على المؤسسة الحزبية المغربية أن تلتقط الاشارة بشكل جدي، لأنها هي المعنية بتنفيذ القرارات الملكية، ولنا ثقة في المستقبل بأن يكون المغرب رائدا في معالجته ملف الأمازيغية في دول شمال إفريقيا.
ولنعود إلى مسألة ترسيم الأمازيغية، فالمتتبع لهذا الملف في بلادنا سيلاحظ أن هناك وتيرة بطيئة لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، فلقد مر على ترسيم الأمازيغية في الوثيقة الدستورية أكثر من عقدين من الزمن، وأن ما تحقق على أرض الواقع أمر غير مستساغ لا سيما وأن المتغيرات الاجتماعية(التعليم، الهجرة الداخلية والخارجية، وسائل التواصل الاجتماعي، الاعلام الرقمي والتلفزة،..) ببلادنا لها تأثير سلبي على الأمازيغية، لكونها تشكل تهديدا حقيقيا لإتلاف اللغة الأمازيغية، ولقد نبهت اليونسكو إلى هذا لأمر، فعلى الأقل إذا كنا قادرين على رسم خطة لمعالجة مشاكل الهوية للمجتمع المغربي التي تتطلب وقتا طويلا، فلنقل وبصراحة تامة أن المخاطر المحدقة باللسان الأمازيغي كما سبق لنا الاشارة إلى ذلك، أمر يستدعي الاستعجالية، فلذا فهذا القرار الملكي سيشكل فرصة للترافع من جديد وبنفس جديد للحركة الأمازيغية من أجل تعميم تدريس الأمازيغية، لأن التعليم بالاضافة إلى كونه قطاعا للتربية وإنتاج المعرفة، يعد أيضا قطاعا لتوجيه الناشئة إلى تبني قيم المواطنة، فهذا القطاع يعول عليه لإنتاج جيل من المغاربة متطبعين مع اللسان المعياري للغة الأمازيغية التي سهر علي تقعيدها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وبالتالي فهذا الجيل هو الوحيد الذي سيشكل سدا منيعا من أجل أن لا يضيع اللسان الأمازيغي، لأن الثقافة محكومة بالتأثير والتأثر أي بالمثاقفة فهي في كل الأحوال لا تضيع بل تتلاقح، وتبقى دائما كشفرة داخلية في ذاكرة الفرد والمجتمع، وهذا خلاف اللغة فهي بالاضافة إلى تأثيرها وتأثرها، يمكن أن تضيع وتتآكل بفضل هذه المثاقفة مع الألسن المهيمنة، إذا فالقرار الملكي بالنسبة للسنة الأمازيغية سيشكل لنا قفزة نوعية في اتجاهات مختلف لمعالجة ملف الأمازيغية، فالقرار إضافة إلى اسهامه في تسريع ترسيم الأمازيغية سيساهم أيضا في تصحيح بعض الأمور التاريخية. ومن جهة أخرى سيمنح الحركة الأمازيغية مرجعية جديدة للترافع واستراتجية جديدة لتثبيت وتعزيز مكتسباتها، علاوة على إعادة التعامل الجدي مع ملف الأمازيغية من قبل الحكومات التي ستتعاقب على الحكم بالمغرب.
* حاورته نادية بودرة