“كوكو”.. مملكة أمازيغية بالجزائر تحدت العثمانيين قبل 500 عام

يؤكد تاريخ الجزائر الممتد لأكثر من 500 ألف عام، أن هذا البلد كان محطاً لأطماع مختلف الحضارات والإمبراطوريات، نظراً لموقع الجزائر الجيو-استراتيجي الذي كان يلفت أنظار القادة العسكريين، مما جعلها تتعرض لغزو واحتلال الرومان، والفينيقيين، والوندال، والبيزنطيين، والإسبان، والعثمانيين، إلا أن مكوثهم فيها قوبل بمقاومات شعبية عديدة.

اكتشافات أثرية في الجزائر عمرها مليونا عام
“مملكة كوكو” كانت إحدى المناطق الجزائرية الأمازيغية التي لم تحارب العثمانيين والإسبان فقط، بل تمكنت من الحفاظ على وجودها وصد الأطماع لقرنين كاملين، وكانت “عصية” على العثمانيين الذي دخلوا الجزائر عام 1514 وخرجوا منها عام 1830، والإسبان الذين استمرت محاولات احتلالهم الجزائر منذ عام 1510 حتى نهاية القرن الـ18.

مملكة أو إمارة أو سلطنة “كوكو”، وإن اختلفت المسميات حسب المراجع التاريخية النادرة عن هذه المنطقة، فإنها تمثل فترة متميزة من تاريخ الجزائر، وما زالت تحتفظ إلى يومنا بآثار شاهدة على قوة أهلها.

“كوكو” اليوم هي إحدى أجمل وأهم قرى محافظة تيزيوزو الواقعة شرق الجزائر، وتُسمى أيضاً “عرش آث القاضي”، وهي من المناطق الجبلية التابعة لسلسلة جبال “جُرجُرة”، ويعود أصل تسمية المملكة إلى اسم أحد جبال “جرجرة” الذي يسمى “كوكو”.

تأسيس مملكة “كوكو”
تأسست عام 1511 عند سفوح جبال جرجرة بمنطقة القبائل الأمازيغية “شرق الجزائر” واستمرت حتى عام 1730، أسسها أحد أكبر قضاة الجزائر في تلك الحقبة، وهو “أحمد الغبريني” الملقب أيضًا بـ”أبي العباس الغبريني” ومنه اشتقت التسمية الثانية للقرية اليوم “عرش آث القاضي”، وهي كلمة أمازيغية تعني عرش “أبناء القاضي”.

وذكرت مراجع تاريخية مهتمة بالحكم العثماني للجزائر، أن تأسيس القاضي للمملكة جاء بعد سقوط مدينة بجاية الجزائرية في يد الإسبان، ما دفع أحمد الغبريني لاستغلال الفراغ السياسي في منطقة “جرجرة”، وقرر إنشاء مملكة على جبل “كوكو” الذي كان يسكنه آلاف الأمازيغ من الجزائر، وهي المملكة التي امتدت حدودها من محافظة بجاية “شرق الجزائر” إلى محافظتي البليدة والشلف “وسط الجزائر”.

القاضي الذي أسس مملكة كوكو
أما اختيار الملك الأول لمكان مملكته فكان لاعتبارات عسكرية واستراتيجية، حيث تطل منطقة “كوكو” على كل المناطق المجاورة، مما يسمح لها بمراقبة النشاط التجاري، إلى جانب صعوبة تضاريسها على الجيوش الطامعة في المنطقة.

وطوال قرنين من الزمن، تناوب على حكم مملكة كوكو الأمازيغية في الجزائر 9 ملوك من سلالة القاضي “أبي العباس الغبريني” ملكها الأول، وكلهم ينحدرون من سلالة أمازيغية، كان آخرهم علي بن أحمد الذي حكم المملكة من 1696 إلى 1750 تاريخ سقوطها.

وطوال قرنين من الزمن، حرص الملوك المتعاقبون على حكم “كوكو” على تشييد عدة أبراج لحمايتها من الغزاة ومراقبة تحركاتهم، ومن بين تلك الأبراج يوجد “تازغارت”، “سيباو”، “بوغني”، و”برج تيزيوزو”.

صراع المملكة من أجل البقاء
تمكن المؤسس الأول لمملكة “كوكو” القاضي “أبوالعباس الغبريني” من هزيمة الإسبان بعد حرب استغرقت 4 سنوات من 1510 إلى 1514م، ليعلن “الغبريني” في العام ذاته فرض سلطته المطلقة على المملكة.

بعد دخول العثمانيين إلى الجزائر عام 1514 بحجة الدفاع عنها ضد الإسبان، شرعوا في التمدد إلى مختلف المناطق الجزائرية، إلى أن وصلوا إلى مملكة كوكو عام 1520، حيث نشب صراع مع ملكها.

أعلن الملك “الغبريني” الحرب على الدولة العثمانية في العام ذاته، واستطاع أن يبعد القوات العثمانية خارج حدود مملكته، بعد أن أقام قيادة عسكرية على كامل جبل كوكو.

استمر الكر والفر بين مملكة كوكو والدولة العثمانية التي بقيت متربصة بالمملكة، وفي عام 1527 قُتل الملك “أبوالعباس الغبريني” على يد أحد أتباعه حينما كان يقود حملة عسكرية لمواجهة العثمانيين، في حين ذكرت دراسات تاريخية أخرى أنه قُتل على يد القائد العثماني “خير الدين بربروس” في تلك المعركة، ليواصل أبناؤه حكم المملكة فيما بعد.

استمر كره سكان مملكة “كوكو” للدولة العثمانية، وحافظ ملكوها على العداء للسلاطين العثمانيين، واستمرت الحروب الطاحنة بينهم.

انهيار مملكة “كوكو”
استمر صمود مملكة كوكو في وجه الإسبان والعثمانيين حتى عام 1750، في عهد الملك “علي بن أحمد” الذي حكمها عام 1696، وهي الفترة التي بدأت فيها خلافات داخل عائلة الملك، وكانت سببا ًفي إهماله للتهديدات العثمانية وسرعت في انهيار المملكة.

وفي عام 1750، قاد القائد العثماني “حسن آغا” أكبر حملة عسكرية على مملكة كوكو، تكونت من 6 آلاف جندي عثماني يجرون معهم 12 ألف مدفع، ما دفع بالملك “علي بن أحمد” للاستسلام، وخضع للعثمانيين دون قتال.

.الأرشيف المنهوب
صنفت الجزائر عام 1983 منطقة كوكو ضمن التراث الوطني المحمي، بهدف حماية التراث المادي الجزائري، والحفاظ عليه من الضياع والاندثار، وحماية للثروة الغابية والحيوانية الموجودة في المنطقة، وهي تابعة للحظيرة الجزائرية “جرجرة”.

ورغم السعي الرسمي والأكاديمي في الجزائر للحفاظ على تاريخ منطقة “كوكو”، إلا أن الدراسات التاريخية الجزائرية عن “مملكة كوكو” تبقى نادرة، ويعود ذلك إلى احتفاظ تركيا وإسبانيا بأرشيف المنطقة، وهو الأمر الذي لم يعط لهذه المملكة الجزائرية القديمة حقها التاريخي.

وطالب عدد كبير من المؤرخين والأكاديميين الجزائريين السلطات الجزائرية بالتحرك واسترجاع أرشيف المنطقة “النادر” الذي نهبه الإسبان والعثمانيون وتركه ملوك الأمازيغ منذ عدة قرون، وأرشيف آخر عن مناطق تاريخية وأثرية جزائرية أخرى.

*المصدر العين الإخبارية

اقرأ أيضا

في الدفاع عن العلمانية المغربية: رد على تصريحات ابن كيران

اطلعت على تصريحاتك الأخيرة التي هاجمت فيها من وصفتهم بـ”مستغلي الفرص لنفث العداء والضغينة في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *