ليبيا كنموذج لبناء الديموقراطية بعد 2011

بقلم: أحمد الدغرني

في ليبيا يمكن إعادة النظر في السياسة العادية التي تسير بها شؤن شمال إفريقيا والساحل، والتي تحتاج إلى دراسات تبنى على التركيز على الواقع، وخارج تأثير وسائل الإعلام التي يمولها أثرياء الشرق الأوسط، ويعتبر هذا النص محاولة لوضع نموذج لعلم السياسة في ليبيا الجديدة، كنموذج لثورة ضد الحكم الدكتاتوري.

ظهرت زعامات سياسية في ليبيا، تنوعت حسب ما تنقله وسائل الإعلام إلى تصنيف ترابي إلى مدن متعددة، نذكر منها: بنغازي، وطبرق، وطرابلس، وبرقة، ومصراتة، وزوارة….وفي كل مدينة منها نشأت قوى سياسية، وشخصيات سياسية لم تكن معروفة قبل ثورة 17 فبراير 2011 وقوى مسلحة تعزز سلطة هذه المدن، يتزعمها مثلا الضابط خليفة حفتر في طبرق، وإبراهيم الجضران في برقة… ومجلس شورى ثوار بنغازي، وسرايا الدفاع عن بنغازي، والمجلس العسكري – مصراته، وحكومة الإنقاذ الوطني في طرابلس بقيادة خليفة الغويل، (ينحدر من مصراته) وحكومة الوفاق الوطني، بقيادة فايز السراج، وحكومة المؤتمر الوطني، الذي ينحدر رئيسها من مصراته، وظهر من هذه القيادات إسماعيل الصلابي، ومصطفى الشركسي، وأبو عبد الله النوفلي، وَعَبَد الحكيم بلحاج، واعتمدت هذه المدن نوعا من سلطات المدن، أو عمداء البلديات، كما كان الوضع في بعض مناطق أوروبا في القرون الأخيرة الماضية، نذكر كمثال بروسيا Brusse التي كانت في مواقع ألمانيا الحالية، ومثل إيطاليا قبل توحيدها من طرف كاريبالدي Garebaldi.

وإلى تصنيف للقوميات يظهر خاصة في قومية العرب، وقومية الأمازيغ، وقومية التوبو، ويمكن إضافة إلى هذا النوع التصنيف القبلي الذي يتجلى في هياكل تسمى عمداء القبائل، وهي تتكون من ممثلي القواعد الشعبية المنتشرة في كل مكان، وتتدخل في الشؤون الداخلية والخارجية في ليبيا، وفي توزيع ثروة النفط، وتطالب بالاعتراف بها من طرف الأمم المتحدة، وهي نموذج يعزز الإطاحة بدكتاتورية الفرد التي توجد في كثير من أقاليم شمال إفريقيا والساحل، وتقطع الطريق على بناء حكم يعتمد على تزوير الانتخابات البرلمانية والمحلية كما يقع في بلدان جوار ليبيا…

وإلى تصنيف ديني تمثله الجماعات المنسوبة إلى القاعدة، وداعش، والإخوان المسلمون، والإباضيين، والسنة، والشيعة، ولادينيون… ويذكر من شخصيات هذا النوع المسمى عطية الشاعري، والأسري عمر وغيرهم، ولا يصلح اعتماد مصطلحات ونعوت سلبية يصف بها كل طرف خصومه، مثل الإرهابيين، والمجرمين، والمتشددين، وفلول العهد البائد، لأن هذه الأوصاف تدخل ضمن حرب الدعاية، والبحث عن تأييد الدول الأجنبية التي تتبنى محاربة ما تسميه بالإرهاب.. وهي تجهز الميليشيات بالأسلحة.

وتصنيف يمكن أن نطلق عليه صنف التبعية لدول أجنبية، ويتجلى خاصة في فرنسا ومصر وإيطاليا وقطر، والإمارات العربية، ومندوبي الأمم المتحدة المندسين مبعوثين خاصة من الشرق الأوسط، وسبب نشوء هذه التبعية هو ثروة البترول، وامتداد الثورة الليبية إلى التأثير على سكان الجوار مثل تشاد التي يتواجد فيها جزء من قومية التوبو، ومصر التي هي مركز القوميين العرب، والإخوان المسلمون، والجزائر وتونس والمغرب التي تمتد داخلها قومية الأمازيغ، ومذهب الإباضيين، والسنة، والسلفية، والشيعة..

وهذا التعدد يظهر كون قيام حكم مركزي وسلطة وحدوية غير ممكن بالسهولة التي يتصورها بعض الذين يعولون على مواقف الأمم المتحدة، أو من يحاولون نقل تجربة دول الجوار مثل مصر وتونس والجزائر والمغرب، وموريتانيا، إلى ليبيا التي يوجد فيها إبداع يمكن أن يصبح على العكس نموذجا لإصلاح النظم السياسية في شمال إفريقيا والساحل، لأن هناك في ليبيا قوة وحدوية يجري عليها الصراع وهي الوحدة حول النفط، وهو المادة الأساسية لمعيشة الشعب كله، وتوجد مؤسسة تسمى “المؤسسة الوطنية للنفط” التي يرأس مجلسها الإداري مصطفى صنع الله، لكن مجلسها الإداري يكتنفه غموض، وموضوعه هو أهم مادة في دراسة الاقتصاد الجديد في ليبيا، ويمكن في المغرب مثلا قيام الديموقراطية والوحدة على ثروة الفوسفات، والبترول في الجزائر، والفوسفات والبترول معا في تونس…

والثروة المعدنية في مادة الحديد بموريتانيا، وتتميز ثورة 17 فبراير بأنها فتحت المجالس على نطاق واسع للمشاركة السياسية الحرة، ولا تقتصر المشاركة على خرائط حزبية ونقابية مطبوخة كما هو الحال في مختلف أقطار شمال إفريقيا، وكذلك في السودان وإثيوبيا…وهناك حكومات مدنية تستقر وتعمل من داخل ثكنات للمدنيين المسلحين، وهم من ساهموا في القيام بالثورة ضد الاستبداد الفردي، ويتفاوضون بينهم دون سيطرة مجموعة واحدة.

وتذكر بعض الإحصائيات أن ليبيا حاليا توجد بها حوالي 1500 ثكنة للثوار المسلحين الذي رفضوا الخضوع لأية سلطة مركزية تعيد زمام الحكم إلى بعض الأفراد الذين يرأسهم ديكتاتور عسكري، فهي البلد الذي لا تتحكم فيه سلطة قضائية تابعة لأوامر الحاكم المركزي، ولم يمكن فيها وضع سلطة قضائية مزيفة، تصدر أحكام العدالة وهي في الواقع أحكام سياسية.

اقرأ أيضا

في الدفاع عن العلمانية المغربية: رد على تصريحات ابن كيران

اطلعت على تصريحاتك الأخيرة التي هاجمت فيها من وصفتهم بـ”مستغلي الفرص لنفث العداء والضغينة في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *