بقلم: د. قيس مرزوق الورياشي*
في سنة 1995، في إطار الاستعداد لتنظيم مهرجان إيرارورار (الذي وضعت فلسفته شخصياً)، استدعيت الشاعر الفلسطيني محمود درويش كضيف شرف للمهرجان، بعد أن مدني الأستاذ أحمد شرّاك برقم هاتفه.
لكن، قبل تقديم الدعوة لمحمود، كانت هناك قصة…
مهرجان إيرارورار كان فكرة خلاقة وجديدة لقيت مقاومة كبيرة من طرف “أعيان الثقافة” بالناظور ومن طرف جزء من “الامازيغيين” الفاقدين للحس الإبداعي والحس التطوري. تمكنا مجموعة من الأصدقاء، بصعوبة كبيرة، من تنظيم دورتين لهذا المهرجان: دورة 1993، حيث استدعينا كضيف شرف، الكاتب الريفي محمد شكري، ودورة 1995 التي حضرها محمود درويش.
وحسب تصورنا للمهرجان، إضافة إلى الفقرات الموسيقية والفنية المختلفة، كنا نختار، سنوياً، شخصية يقع عليها إجماع المنظمين، انطلاقاً من معايير المساهمات الفكرية أو الفنية ذات التوجه الإنساني.
في نسخة 1995، اقترحنا، قاضي قدور وأنا، ثلاثة أسماء: الكاتب الإسباني خوان غويتيصولو، المهدي المنجرة ومحمود درويش. الأسماء الثلاثة قوبلت بالرفض تحت عدة ذرائع: بالنسبة لخوان غويتيصولو قيل لنا بأنه مثلي، وبالنسبة للمهدي المنجرة قيل لنا بأنه يغازل الإسلاميين، أما بالنسبة لمحمود درويش فتم رفضه تحت ذريعة أنه عروبي!
بصعوبة كبيرة وقع الاختيار على محمود درويش.
أثناء مناقشة حضور محمود درويش، تدخل أحد المعنيين بالتنظيم ليبرر رفضه لمحمود قائلا: …ولكن هذا الشاعر العروبي من يعرفه في الريف؟ أؤكد لكم من الآن أن الحضور سيكون مهزلة، أتحداكم إن حضره أكثر من 20 فرداً.
في هذه اللحظة، تدخل قدور بسخرية: لا السي بو…، زيد شي شويّا على هذا 20!
وعند بدء حفل اللقاء الشعري الذي نظم بالهواء الطلق وحضره حوالي 3000 مواطن، نصفهم من النساء، كان الرافضون لحضور محمود درويش هم الذين يحتلون المقاعد الأولى!
لكن المفاجأة هي أن محمود، قبل أن يصعد إلى المنصة لقراءة أشعاره، طلب منا أن نقدم شاعراً محلياً ليقرأ أشعاره الأمازيغية، وكان هذا الشاعر الأمازيغي الذي صعد المنصة قبل محمود هو أحد متزعمي رفض حضور الشاعر الفلسطيني!
المفاجأة الأخرى هي أنه طيلة مرحلة نضالنا على الواجهة الثقافية منذ 1977 لغاية مهرجان إيرارورار 95، لم يسبق أن رأينا جيشاً من الصحفيين وحتى حضور كاميرا التلفزة المغربية مثلما رأيناه مع محمود درويش. جل الصحفيين رددوا على الشاعر هذا السؤال: لماذا قبلت الحضور إلى مدينة الناظور؟ وكان جوابه: لأنني مشتاق للتعرف على الثقافة الأمازيغية وعلى موطن رائد حركة التحرر في العالم، عبد الكريم الخطابي.
والمفاجأة الأخرى أن محمود درويش، أثناء وصوله إلى مطار وجدة قادماً إليه من باريس (لم يكن هناك آنذاك مطار بالناظور)، وجد في استقباله ثلة من منظمي المهرجان ووفد عن فرع اتحاد كتاب المغرب بوجدة. قبل الانطلاق إلى الناظور، طلب منه وفد وجدة تنظيم لقاء معه بمدينة وجدة قبل رجوعه، وكان رد محمود درويش هو: لا، لن أحضر إلى وجدة. إذا أردتم استدعائي، بادروا كما فعل إخوان الناظور، واحجزوا لي مستقبلا سفرا بالطائرة!
وقد كان مهرجان إيرارورار آخر مهرجان يقام ب”التويزة” وبالعمل النضالي التطوعي، ليخلو الجو فيما بعد لسماسرة وتجار ومرتزقي الثقافة، الذين أصبحوا يشتغلون في راحة تامة وبدون مقاومة تذكر.
بقي أن أشير إلى مفاجأة أخرى ضمن مفاجآت كثيرة:
بعد وصوله إلى الناظور، أسر لنا محمود درويش بأنه قبل أن يسافر، استشار مثقفين مغربيين يعرفهما: عبد الجبار السحيمي (رئيس تحرير جريدة العلم)، ومحمد الأشعري (لا أتذكر ماذا كان يشتغل آنذاك). الأول شجعه على الذهاب إلى الناظور، والثاني نصحه بعدم الذهاب إلى الناظور.
أترك الفرصة لأصدقائي وصديقاتي قراءة حمولة هذه المفاجئات.
*من الصفحة الرسمية للدكتور قيس مرزوق الورياشي على فايسبوك