وقفة تٲملية مع شاهدة قبر محمد بن عبد الكريم الخطابي

من يتأمل رخامة شاهدة قبر محمد بن عبد الكريم الخطابي٬دفين مصر٬ تجعله يقف مشدودا امام الصيغة التي اعتمدت آنذاك، بتاريخ 6 فبراير 1962 لتسويق الهوية العربية لهذا البطل الأمازيغي الريفي وهو منه براء، براءة الذئب من دم يوسف.

نقرأ داخل إطار الشاهدة، المذكورة آنفا، ما يلي:

” الأمير الشهيد المجاهد الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي بطل ” المغرب العربي”.

لاحظوا معي ليس هناك أية إشارة في هذه العبارة، وهنا مكمن الداء، لا إلى بلده المغرب الأقصى ولا إلى الريف الكبير كانتماء وهوية، بشكل لم يسبق له مثيل.

ويضاف إلى ذلك أيضا أن في محتوى لغتها الضمنية الكثير من التملق الذي يحرك العواطف كمدخل تمهيدي لتمرير في الأخير رسالة مزيفة في موضوع هوية محمد بن عبد الكريم الخطابي التي قدمت في هذه الشاهدة/ العبارة على أساس أنها هوية عربية، أما هويته الأمازيغية الحقيقية فقد اعتبرت، يومها، من قبل هؤلاء العروبيون أنها دفنت معه إلى غير رجعة.

بمعنى أن الذين كانت لهم اليد الطولي في تحرير وصياغة سطور هذه الشاهدة بمنظورهم الإيديولوجي القومي العربي كانوا يسعون بشتى السبل والوسائل إلى تمرير هذه العروبة المزعومة لمحمد بن عبد الكريم الخطابي بمبرر أنه ينتسب إلى منطقة “المغرب العربي”. وكفى بالله شهيدا.

وكأنما يقولون أيضا : “أن اي شخص لا يحمل صفة البطل إلا إذا كان عروبيا” حسب تعبير الأستاذ محمد بودهان.

وللتوضيح فقط، فقد « ظهر مصطلح “المغرب العربي” بعد الثلاثينيات من القرن الماضي، خاصة بعد التواصل الذي بدا بين بلاد المغرب و بلاد المشرق في إطار محاربة الاستعمار (…).

أصبح هذا المصطلح لاحقا جزء من الهوية السياسية للأحزاب التي أطلقت على نفسها صفة” أحزاب الحركة الوطنية“. وتأتي سنة 1947 ليتأسس في القاهرة وفي دمشق “مكتب المغرب العربي”، وتأسس لاحقا مكتب بنفس الاسم في نيويورك، من أجل التعريف بقضايا شعوب هذه المنطقة الواقعة تحت الاحتلال. في السياق نفسه جاء تأسيس ”لجنة تحرير المغرب العربي“ في أوائل عام 1948، برئاسةالخطابي، ولم يمنع هذا المصطلح الزمني عبد الكريم أن يعتز بلغته الريفية. غير أن الحفاظ على الهوية، لا يعني الانغلاق.»( علي الادريسي، مؤلـﱢف كتاب ”عبد الكريم الخطابي، التاريخ المحاصر“، للعالم الامازيغي العدد 94- مارس 2008 حاوره الاعلامي سعيد باجي).

وهناك أمر آخر أيضا في تلك العبارة الفضفاضة التي تحدّثنا عنها سلفا في غاية الأهمية، ويتعلق الأمر هنا، بذلك الانتماء الجغرافي الذي وُضع فيها محمد بن عبد الكريم الخطابي بين التعميم و التعتيم؛ بمعنى أن هذا الانتماء الجغرافي المشترك الكبير الذي يغطي المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا الذي سمي زورا و بهتانا، آنذاك، ب”المغرب العربي”، يخضع لتقديرات و تخمينات مختلفة خصوصا بالنسبة للشاهد الاجنبي العادي لهذه الشاهدة؛ فعوض تحديد للانتماء الجغرافي الحقيقي لبلاد مولاي محند ألا و هو المغرب الأقصى ومكان ولادته بشكل دقيق و دون مواربة في هذه الشاهدة، محط تساؤلنا ،إلا أنهم تعمدوا التعميم من أجل التعتيم.

مما جُعل قبره كقبر”جندي مجهول” مجرد رمز للكفاح العربي في “عقر دار” القومية العربية، آنذاك.

وبوجه إجمالي يبدو هذا التعميم في الظاهر وكأنه نوع من “التشريف والتكريم” لمحمد بن عبد الكريم الخطابي باعتباره في نظرهم بطلا ل”المغرب العربي ” كافة وليس قائدا للثورة الريفية فحسب. لكن في العمق هناك غرض آخر مخفي أبعد من هذا “التكريم و التشريف”الذي يدّعونه، يلخصه ببساطة المثل الشعبي القائل: “إذا عمـﱠت هانت”.

إنهم كانوا يريدون، ببساطة، ضرب عصفورين بحجر واحد؛ أولا، لتمرير أكذوبة “عروبة “محمد بن عبد الكريم الخطابي ثم ثانيا، لتشتيت انتماؤه كما أسلفنا ذكره. والنتيجة في الأخير لا أحد سيعرف انتماء محمد بن عبد الكريم الخطابي الحقيقي.

وجدير بالذكر أن عبارة “المغرب العربي” المشار اليه اعلاه، والتي رُبطت بشكل متعمـﱢد بمحمد بن عبد الكريم الخطابي حتى يقال عنه أنه كان ذا انتماء عروبي، يمكننا اعتبارها أنها جاءت في سياق طموح أو حلم كان يراود هذا الرجل المناضل، قيد حياته، في استكمال حركة التحرر لطرد المستعمر الفرنسي من ما اسماه آنذاك، ب “المغرب العربي “، و في هذا السياق العام الذي كانت فيه القومية العربية هي السائدة، يقول الخطابي : ” و إننا على يقين من أن الشعب سوف يستمر في الكفاح و النضال إلى أن يخرج من المغرب العربي كله آخر جندي فرنسي يحمل السلاح من جماعة المستعمرين “( زكي مبارك، جريدة اخبار اليوم المغربية العدد 53).هذا كل ما في الامر. لا أقل و لا أكثر.

فاذا كان هؤلاء القوميون العرب يراهنون لتثبيت ادعاءاتهم انطلاقا من تلك الفقرة المشار اليه اعلاه والتي وردت فيها ذكر عبارة “المغرب العربي” على لسان محمد بن عبد الكريم الخطابي والتي جاءت في ظروف تاريخية معروفة بتسلط و طغيان “القومية العربية” ، كما أسلفنا، خاصة و ان محمد بن عبد الكريم الخطابي حكمت عليه الظروف ان يقيم لعقود من الزمن في عقر دارها، فانهم مقابل ذلك يتجاهلون او يتعمدون اغفال البعد الافريقي لدى هذا الرجل و التقليل من اهميته . يقول محمد بن عبد الكريم الخطابي في هذا الصدد: ” لو صمدوا و تركوا الثورة قائمة لجلي الفرنسيون عن افريقيا كافة…”.( زكي مبارك، نفس المصدر أعلاه ).

ما ضرَ هؤلاء، إذاً، لو قالوا عنه، وقد آن الأوان للقيام بالمراجعة، بلغة واضحة ودون مواربة، وهذا حق من حقوقه المشروعة، أنه من الريف المغربي، حتى يتسنى للجميع حين يقرأ شاهدة قبره، معرفة هويته وانتماءه الحقيقي الأصلي.

بقلم: عبد الكريم بن شيكار

اقرأ أيضا

“الصحافة والإعلام في ظل الثورة الرقمية: قضايا وإشكالات” شعار المؤتمر الدولي الأول بوجدة

تنظم شعبة علوم الإعلام والتواصل الاستراتيجي التابعة لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الأول بوجدة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *