ورد في الدستور المغربي في بابه الأول وفي الفصل الخامس ما يلي:
” .. تعد اللغة الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجل المغاربة بدون استثناء”، وفي أغلب الخطابات الرسمية للوزراء وغيرهم من الزعماء السياسيين ترد الأمازيغية باعتبارها ثقافة ولغة لجميع المغاربة، لكن الواقع لا يعكس مدى صدقية هذه الخطابات التي تدخل ضمن الخطابات الانتخابية الذين لا تتعدى تلك اللازمة الافتتاحية ” أيتما د ئستما “.
مرد هذا التذكير هو انتهاء المعرض الدولي للنشر والكتاب الذي امتد من 13 فبراير إلى 23 منه 2014 بايجابياته التي نثمنها، وبسلبياته التي سنشير إليها متوخين في ذلك البناء و الإصلاح لتجاوزها، إذ أن المعرض يعكس الوجه الثقافي و اللغوي للمغرب، فأي زائر له سواء كان مغربيا أو أجنبيا سيتأثر حتما بالصورة الثقافية الرسمية التي يريد منه منظموه تقديمه للزائرين على أنه الوجه الثقافي واللغوي للبلد، في صورته التعددية التي تعكس الواقع الثقافي واللغوي الذي أقره الدستور الجديد، أم في صورته الأحادية الجانب التي تريد العقلية التقليدية الحفاظ عليه.
فما هو هذا الوجه اللغوي و الثقافي السائد في المعرض؟ هل فعلا يبرز التعدد الثقافي واللغوي الذي يقره الدستور المغربي ؟ أم أن الخطاب السياسي حول الأمازيغية كلغة لجميع المغاربة خطاب تجميلي فقط للواجهة السياسية؟
مشروعية هذه الأسئلة وحرارتها الوطنية نابعة من أمرين:
الأول كون المغرب بدأ يتصالح مع ذاته بالرجوع إلي هويته التي تميزه عن باقي الأوطان الأخرى وعن الهويات الأخرى،التي أراد البعض تلبيسها له وتجريده من هويته التاريخية والجغرافية، وهذا التصالح هو ما شرعه الدستور الجديد.
ثانيا أن وزارة الثقافة المغربية المنظمة للمعرض الدولي للنشر والكتاب على رأسها وزير ينتمي إلى حزب سياسي يساري وقف إلى جانب مطالب الحركة الثقافية الأمازيغية منذ السبعينات من القرن الماضي، حين كانت المكونات الأساسية لليسار المغربي تقف موقفا سلبيا إن لم نقل معاديا للأمازيغية كل من منطلقها الإيديولوجي، مما جعل الحزب يصنف حليفا سياسيا للحركة الثقافية الأمازيغية.
وكان حريا بالوزارة المنظمة مراعاة التنوع الثقافي واللغوي بالبلد انسجاما مع التوجه الرسمي للبلد ممثلا بأسمى قانون للمملكة وهو الدستور المغربي، ثم انسجاما مع التوجه الفكري و السياسي للحزب الذي ينتمي إليه السيد وزير الثقافة وهو توجه ديمقراطي متميز، وموقف يحسب له في المسألة الثقافية واللغوية للمغرب منذ السبعينات من القرن الماضي.
فما هو الوجه اللغوي والثقافي السائد في المعرض والذي أرادت وزارة الثقافة تسويقه ؟
وقبل أن نورد الأرقام لا بد من إبداء ملاحظة تاريخية مهمة مرتبطة بالتوجه الإفريقي الذي بدأت وزارة الثقافة في الانخراط فيه، عبر جعل الثقافة الإفريقية ضيف شرف للمعرض الدولي للنشر والكتاب هذه السنة، لنذكر بأن هذا التوجه الإفريقي كان من ركائز الحركة الثقافية الأمازيغية منذ الثمانينات من القرن الماضي، وكانت الحركة تناضل من أجل الإقرار بالبعد الإفريقي باعتبار بعدا من أبعاد هوية هذا البلد، خلافا للتوجه السائد آنذاك الذي كان يجرد المغرب من أبعاده المتوسطية والإفريقية ليبوثقه في بوثقة واحدة ووحيدة هي هوية الشرق الأوسط.
والسؤال يتوخى إظهار مكامن الخلل الذي وقعت فيه وزارة الثقافة في تغليبها للغة مغربية والاحتفاء بكتابها أيما احتفاء، ( و نحن مع الاعتناء بالكتاب والمبدعين المغاربة بغض النظر عن اللغة التي يكتبون بها )، والتقليل من قيمة لغة مغربية أخرى ( الأمازيغية)، وبالتالي تهميش كتابها و مبدعيها.
ولكي لا نتكلم من فراغ، سندع الأرقام تتحدث عن نفسها لكي لا نتهم بالمغالاة وبتحريف الوقائع وبالانتقاد المجاني ، والأرقام مستقاة من البرنامج الثقافي الذي أصدرته الوزارة في كتيب يوزع في المعرض يتضمن أغلب الأنشطة التي ستنظم بموازاة مع عرض الكتب.
مع ملاحظتين هامتين لا بد من التذكير بهما:
_أن رواق الوزارة في المعرض لم يعرض فيه أي كتاب أمازيغي (أي مكتوب بالأمازيغية)، مع أن الرواق يمثل وزارة الثقافة المغربية التي عليها مراعاة التعدد والتنوع الثقافي للبلد، فالوزارة تمثل الثقافة المغربية ككل وليس جانبا منها.
_أن جائزة الكتاب لهذه السنة لم تنصف، مرة أخرى، المكون الأمازيغي للبلد بتخصيص جائزة خاصة بالكتاب الأمازيغي تطبيقا لنص الدستور الذي يشير إلى اللغتين الرسميتين للمغرب ( العربية والأمازيغية)، وقد سبق لنا في السنة الماضية أن أشرنا إلى نفس الملاحظة.
البرنامج الثقافي للمعرض :
تنطلق هذه الدراسة، المبنية على الإحصائيات، من الكتيب الذي أصدرته وزارة الثقافة بعنوان “البرنامج الثقافي” للدورة العشرين للمعرض الدولي للنشر والكتاب الذي يعقد سنويا بالدار البيضاء. أغلب العناوين السبعة في واجهة الكتيب مكتوبة باللغتين العربية والفرنسية ما عدا عنوان واحد “المعرض الدولي للنشر والكتاب” الذي أضيفت له الأمازيغية، وبلغة إحصائية يكون نصيب الأمازيغية في واجهة الكتيب هو واحد من سبعة.
أما إذا انتقلنا إلى مكونات البرنامج الثقافي للمعرض الذي امتد عشرة أيام، فهي تتوزع على 14 محورا، فما هو نصيب الأمازيغية منها
لندع الأرقام تتحدث عن نفسها، و لنترك القارئ يخرج باستنتاجاته لكي لا نتهم بالسلبية وبالسوداوية، وما نبغي إلا الإصلاح سبيلا.