أخبار عاجلة

سيليا: الهوية الأمازيغية ليست مجرد انتماء بل هي الجذر والنبض الذي يحيى في داخلي

في قلب الريف المغربي، حيث تتعانق الجبال مع نسيم البحر، وتهمس الطبيعة بحكايات الأجداد، تظهر سيليا الزياني، ابنة الأرض والهوية، بصوت يحمل التاريخ والأمل، وروح فنية لا تعرف حدودا، ليست مجرد مغنية أو ممثلة، بل فنانة تجعل من الفن رسالة، ومن الإبداع صوتا للحرية والكرامة.

من أغانيها التي تنبض بالتراث الأمازيغي، إلى أدوارها المسرحية والتلفزيونية التي تعكس نبض المجتمع، تقدم سيليا تجربة فنية متكاملة تجمع بين الأصالة والتجديد، بين القلب والضمير، وبين الحلم والواقع.

في هذا الحوار، نغوص في عالمها الإبداعي، نستمع إلى صدى صوتها، ونكتشف كيف يصبح الفن جسرا يربط بين الماضي والحاضر، بين الفرد والجماعة، وبين الإبداع والنضال من أجل غد أفضل، ليؤكد أن الفن الحقيقي هو صوت الحياة والحرية والمجتمع.

الهوية الأمازيغية ليست مجرد انتماء بل هي الجذر والنبض الذي يحيى في داخلي

سيليا، كثيرون يعرفونك اليوم كمغنية وممثلة، لكن من هي سيليا كما تقدمين نفسك أنت؟

سيليا الزياني، ابنة الريف وامرأة أمازيغية حملت الفن رسالة والنضال هوية، عرفت كمغنية وممثلة، وبرز اسمي أكثر خلال الحراك الشعبي بالريف سنة 2017 كمعتقلة سياسية سابقة ومناضلة من أجل الحرية والكرامة.

أغني من القلب وأمثل بروح صادقة، وأسعى دائما لأن أكون صوت من لا صوت له، حاملة قصصنا وذاكرتنا الجمعية إلى الناس، أحاول أن أجمع بين التراث الأمازيغي الأصيل والتجديد الفني المعاصر.

لو عدنا إلى البدايات، متى وكيف اكتشفت صوتك وموهبتك الفنية؟

كانت البداية منذ الطفولة، حين كنت أغني بين العائلة والأصدقاء، وكان صوتي دائما يستقبل بالترحيب والفرح، ومع مرور الوقت أدركت أن الغناء ليس مجرد متعة، بل لغة للتعبير عن مشاعري وحكاياتي. عندها قررت أن أمنح الفن مكانته في حياتي، وألتزم بتطويره ليكون رسالتي وطريقي.

ما التحديات التي واجهتك كامرأة أمازيغية ريفية في طريقك نحو الغناء والتمثيل؟

التحديات كانت كثيرة ومتنوعة: من نظرة المجتمع الضيقة أحيانا تجاه المرأة الفنانة، إلى صعوبة الحصول على فرص حقيقية، وصولا إلى معركة الحفاظ على الهوية داخل وسط فني يغلب عليه الطابع التجاري أكثر من الملتزم.

ومع ذلك، كان الإصرار وحب الفن هما دافعي المستمر للاستمرار والمضي قدما، مهما كانت العقبات.

كيف تصفين أول تجربة لك على خشبة المسرح؟ وهل تعتبرين المسرح مدرسة حقيقية للفنان أم مجرد محطة عابرة قبل الانتقال الغناء؟

أول مرة صعدت فيها على خشبة المسرح كان شعورا لا يوصف، مزيجا من الخفقان والحماس. لكنها كانت تجربة غنية منحتني دروسا في الصبر والانضباط. بالنسبة لي، لم يكن المسرح مجرد محطة عابرة، بل مدرسة حقيقية تعلمك كيف تعيش الشخصية بكل تفاصيلها، وكيف توصل رسالتك بصدق إلى الناس.

ما اللحظة التي شعرت فيها أن الفن أعاد ميلادك من جديد؟

عندما وصلت إلى الجمهور وتلقيت ردود الفعل الإيجابية، خصوصا من ناس الريف الذين وجدوا في أغنياتي صوتا يعبر عنهم ويجسد قصصهم، شعرت وكأنني ولدت من جديد كفنانة تحمل رسالة حقيقية ومهمة.

انطلقت من الحسيمة بأغنية ملتزمة حملت صوت الريف وهمومه، ماذا يمثل لك هذا الارتباط بالهوية الأمازيغية؟

الهوية بالنسبة لي هي الجذر، هي النبض الذي يحيى داخلي. الارتباط بالأمازيغية يعني الحفاظ على لغتنا وتراثنا وتاريخنا الشعبي الغني، وأرى في فني وسيلة لحماية هذا التراث ونقله بفخر للأجيال القادمة.

جمهورك يعرفك بالأغنية الريفية الأمازيغية، برأيك، هل هذا اللون قادر على التطور ومنافسة باقي الألوان الموسيقية في المغرب؟

بكل تأكيد، الموسيقى الأمازيغية غنية بالإيقاعات والحكايات، وقادرة على التطور والابتكار دون أن تفقد هويتها الأصيلة، والجمهور اليوم متفتح ومستعد لاستقبال كل جديد ومختلف، وهذا يشجعنا على التجديد المستمر والاستكشاف الفني بلا حدود.

خصصت جزءا من أعمالك الغنائية لإزران، ما الذي يعنيه لك هذا الشعر الشعبي في مسارك؟

إزران هو التعبير الشعبي الصادق عن حياة الناس وهمومهم، وجسر يربط بين الماضي والحاضر، وتقديم إزران يمنحني فرصة للغوص في جذور شعبي، ونقل رسالة أعمق من خلال كلمات نابضة بالحياة والمعنى.

هناك من يرى أنك بدأت تبتعدين عن خط الأغنية الملتزمة لتقتربي من الأغنية الخفيفة أو التجارية، كيف تردين؟

الفن بالنسبة لي رحلة مستمرة من الاكتشاف والتطور، وأحرص على تجربة كل ما يثري تجربتي الفنية، لكن هذا لا يعني التخلي عن الملتزم، فأنا أسعى دائما إلى الموازنة بين التجديد والإبداع وبين الاحتفاظ بالرسالة التي أؤمن بها.

في ظل انتشار الأغنية التجارية، هل تعتقدين أن الأغنية الملتزمة ما زال لها مكان وتأثير؟

نعم، للأغنية الملتزمة جمهورها الخاص، فهي صوت التغيير والوعي. ورغم انتشار الأغاني التجارية، هناك دائما من يبحث عن المضمون والقيمة الحقيقية، وهذا ما يمنح الأغنية الملتزمة مكانتها الخاصة وتأثيرها العميق.

كيف ترين حضور الفنان الأمازيغي في الإعلام العمومي؟ هل ترين أنه يحظى بالإنصاف والتقدير الكافيين؟

لقد أحرز الإعلام العمومي تقدما ملحوظا في إبراز الفنان الأمازيغي، لكن لا يزال هناك مجال كبير للتطوير. نحن بحاجة إلى مزيد من الدعم والاهتمام لتحقيق مستوى حقيقي من الإنصاف والتقدير.

كيف تقيمين تجربتك التمثيلية في مسلسلات مثل “مغريضو” و”النيكرو” مقارنة بالغناء؟

التمثيل يختلف عن الغناء، لكنه يمثل تكاملا لفني ككل. من خلال التمثيل، أعيش شخصيات متنوعة وأتعلم تقنيات جديدة، مما يوسع آفاقي الفنية ويمنحني قدرة أكبر على التعبير بعمق وإحساس.

هل تجدين صعوبة في التنقل بين التمثيل والغناء، أم أن المجالين يكملان بعضهما البعض؟

الفن بصفة عامة هو سفير، ورسالة ترسل على العكس، المجالان يكملان بعضهما البعض. أحيانا يساعدني الغناء في التمثيل، وأحيانا يثري التمثيل تجربتي الغنائية، بحيث يضيف كل منهما بعدا جديدا لمسيرتي الفنية.

من خلال تجربتك، هل تؤمنين أن “الدويتو” يمكن أن يفتح للفنان آفاقا جديدة ويقربه من جمهور آخر؟

بالتأكيد، يمنح الدويتو الفنان فرصة لتجربة أساليب جديدة، والتواصل مع جمهور مختلف، كما يثري العمل الفني ويضيف له أبعادا جديدة.

وأخيرا، ما مشاريعك الفنية المقبلة في الغناء، المسرح أو التلفزيون؟ وما الرسالة التي تحرصين على إيصالها لجمهورك؟

أعمل حاليا على مشروع غنائي جديد يمزج بين التراث والتجديد، وأخطط للمشاركة في مسرحيات ومسلسلات تعكس هموم المجتمع. ورسالتي دائما أن الفن هو صوت الحرية والكرامة، وأن بالإبداع والصدق يمكننا بناء غد أفضل.

أحمل دائما في قلبي نبض هذا الشعب وأحلامه، وأؤمن أن الفن ليس مجرد صوت جميل، بل رسالة تجسد الحرية والكرامة.

كلمتي الأخيرة هي الحرية لكل المعتقلين الذين ضحوا من أجل وطنهم، وأضم صوتي إلى كل المغاربة المطالبين بحق في صحة وتعليم كريمين ومجانيين، مشاريعِي القادمة ستنطلق من هذه القناعات، حيث أسعى لأن يكون فني صوت مقاومة وأمل، يواكب الشعب في مسيرته نحو التغيير والعدالة.

كما أود أن أتقدم بخالص الشكر والتقدير للصحافي خيرالدين الجامعي على إتاحة هذه الفرصة لإجراء هذا الحوار المهم. كانت تجربة رائعة، إذ منحني مساحة للتعبير عن أفكاري وقصتي بكل وضوح وشفافية، أقدر احترافيته كثيرا، وأتمنى أن تصل رسالتي إلى جمهور واسع بكل صدق وتأثير. شكرا لكل العالم الأمازيغي.

حاورها: خيرالدين الجامعي

اقرأ أيضا

أڭراف: مشروعنا الموسيقي يهدف إلى ترسيخ وعي بالهوية الأمازيغية وقيمها

في فضاء الأغنية الأمازيغية الريفية، برزت فرقة “أڭراف” كإحدى التجارب الفنية الرائدة، التي تجمع بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *