تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية

إبراهيم بنحموا

بعد ثلاث سنوات من اعتماد الدستور الجديد.. أي مآل لتفعيل الطابع  الرسمي للأمازيغية؟

 بعد مرور ثلاث سنوات على المصادقة على الدستور الجديد للمملكة الذي ينص في فصله الخامس على أن اللغة الأمازيغية تعد ،إلى جانب اللغة العربية، لغة رسمية للدولة ، لم يتحقق الكثير لهذه اللغة التي لا يزال الناطقون بها والذين يحملون همها صدور القانونين التنظيميين المتعلقين بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية والمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية بالنظر إلى الأهمية التي يكتسيها هذان القانونان في إطار تمتيع الامازيغية بحقوقها وتعزيز ولوجها مجالي التعليم والإعلام ومختلف مناحي الحياة العامة.

   وانطلاقا من التأخير الذي طال تنزيل بنود الدستور في ما يتعلق بالأمازيغية ،يتساءل نشطاء الحركة الامازيغية عما إذا كانت الحكومة الحالية تمتلك فعلا إرادة حقيقية لإخراج القانونين التنظيميين سالفي الذكر علما أن الدستور يقول في فصله ال  86 “تعرض القوانين التنظيمية المنصوص عليها في هذا الدستور وجوبا قصد المصادقة عليها من قبل البرلمان، في أجل لا يتعدى مدة الولاية التشريعية الأولى التي تلي صدور الأمر بتنفيذ هذا الدستور”.

ويرى مراقبون ومتتبعون للشأن الأمازيغي أن تنصيص الدستور على الطابع الرسمي للغة الامازيغية الذي يعد مكسبا ناضلت من أجله الحركة الامازيغية لعقود، يعد إجراء لن يستكمل أسسه إلا بإخراج القانون التنظيمي الوارد في الفصل الخامس من الدستور الأمر الذي يستوجب على الهيئات السياسية الوطنية والفعاليات الأمازيغية والحقوقية المطالبة بقوة لتفعيل هذا الترسيم  الذي سيشكل لا محالة محطة اساسية في تنزيل مقتضيات الدستور الجديد.

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة في خضم هذه الانتظارية من المسؤول عن هذا الوضع؟ ففي ظل وجود مقترحات عدة تقدمت بها هيئات سياسية ومدنية وكذا فعاليات حقوقية لم تحرك الحكومة ساكنا من اجل التفاعل مع هذه المقترحات والعمل على إخراج القانونين التنظيميين إلى حيز الوجود على غرار باقي القوانين التنظيمية الأخرى التي رأت النور.

 فإذا كانت الحكومة قد دشنت مسار المناقشة أو المصادقة على مجموعة من القوانين التنظيمية من قبيل المتعلقة بالتعيين في المناصب العليا وقانون المالية واللجان النيابية لتقصي الحقائق وغيرها فإن الضرورة تقتضي أيضا الاسراع بإخراج القانون التنيظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية أولا لكونه يعتبر أول قانون تنظيمي نص عليه الدستور وثانيا بالنظر إلى أبعاده المهمة على مستقبل المغرب في مصالحته مع ذاته وترسيخ هويته.

الأمازيغية ضحية مزايدات سياسية !

لقد شكلت المسألة الامازيغية في تاريخ المغرب الحديث موضوع  صراعات ومزايدات بين الهيئات السياسية التي تتبنى المسألة أو التي لها مواقف مناهضة وهو الأمر الذي انعكس على توجهات الحكومة الحالية قبل وبعد انسحاب حزب الاستقلال من الائتلاف  الحكومي  الذي يتزعمه حزب العدالة والتنمية وذلك انطلاقا من مواقف هاتين الهيئتين السياسيتين من ترسيم الامازيغية إبان النقاش الذي سبق المصادقة على الدستور. وبعد انسحاب حزب الاستقلال وانضمام التجمع الوطني للاحرار إلى هذا الائتلاف “تقوت”  الآمال شيئا ما لاسيما وان هذا الأخير وجد نفسه إلى جانب الحركة الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية بالنظر الى قواسمها المشتركة بشأن الامازيغية وعلما أيضا بأن الحزب الجديد الوافد على الحكومة سبق أن تقدم  بمقترح حول القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية لكن بمجرد ولوجه دواليب الحكومة وفي رد فعل غريب ينال من مصداقية العمل السياسي سارع فريقه النيابي بسحب هذا المقترح لتتبخر هذه الآمال من جديد بخصوص حصول تطور في مجال النهوض بالامازيغية في مختلف مناحي الحياة العامة.   

 ويمكن القول أنه إذا كان التصريح الحكومي أمام البرلمان في بداية سنة 2012 قد أكد على “إعطاء الأولوية للقوانين ذات طابع المهيكلة كالقوانين التنظيمية الخاصة بعمل الحكومة والتعيينات في المناصب العليا والقضاء والامازيغية” فإن الواقع يفند ذلك في ظل غياب طرح أي نقاش من طرف الحكومة بشأن التعجيل بإخراج القانون التنظيمي المتعلق بالامازيغية.  

الدور المفصلي للحركة الأمازيغية في الضغط قصد تفعيل الترسيم…

  إن حالة الجمود التي تخيم على عملية تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية يستوجب على الحركة الامازيغية اليوم مرة أخرى أكثر من أي وقت مضى توحيد صفوفها للضغط من أجل التعجيل بتفعيل الطابع الرسمي للامازيغية وذلك من خلال دعم الاقتراحات القائمة في هذا الشأن وتقديم أخرى قصد مواجهة وفضح أسلوب التسويف الذي يتم التعامل به مع موضوع إخراج القانون التنظيمي السالف الذكر ربما بذريعة ارتفاع الكلفة المالية التي قد تنجم عن تفعيل الفصل الخامس من الدستور علما أن من شأن اتخاذ إجراءات عملية تسبق تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية التي قد لا تكون لها تداعيات مالية أن يشكل إشارة من لدن الحكومة  في تجاوبها مع مطالب الحركة الامازيغية وذلك من قبيل تعزيز الجهود المبذولة في مجال تدريس اللغة الامازيغية وحضور هذه اللغة بالإعلام العمومي وتعميم لوحات التشوير بالمدن والقرى باللغة الامازيغية وكذا أسماء الشوارع والساحات العمومية  وكتابة رأسيات الوثائق الإداري.

هل يتكرر سيناريو القانون التنظيمي للإضراب في الدساتير السابقة؟

 وكما هو معلوم فقد انتظرت الحركة الامازيغية لعقود من الزمن ليتم التنصيص في الدستور على الطابع الرسمي للامازيغية الذي سبقه الإعلان عن احداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية واعتماد حرف تيفناغ لكتابة الأمازيغية؛ وهو ما يجعل نشطاء هذه الحركة يتخوفون في أن يتكرر سيناريو القانون التنظيمي للإضراب في الدساتير السابقة الذي ظل حبرا على ورق مع القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية.

في ظل هذه الانتظارية التي تجهل المدة التي قد تستغرقها بخصوص تفعيل الطابع الرسمي ارتفعت أصوات فاعلينأمازيغيين منها على سبيل المثال الجمعية المغربية للتبادل الثقافي بالدعوة إلى “إحداث لجنة ملكية مؤلفة من شخصيات تتسم بالحس الوطني السامي البعيد عن أي تعصب ضيق كيفما كان تتولى إعداد مشروعي القانونين المذكورين قبل عرضهما على البرلمان” وذلك على غرار الهيأة التي أعدت مشروع الدستور أو الهيأة الاستشارية التي عهد لها بإعداد مشروع قانون مدونة الأسرةلتتجسد بالتالي فكرة مصالحة المغرب مع ذاته وترسيخ هويته متعددة الروافد. 

شاهد أيضاً

الإعلام الأمازيغي المكتوب إلى متى يبقى نضاليا ؟

من الجبهات النضالية التي اخترتها الحركة الأمازيغية بالمغرب منذ النشاة، الإعلام المكتوب وذلك لأهميته في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *