أعلنت حركة “على درب 96 ” المؤطرة لأطول اعتصام في تاريخ المغرب المعاصر، والمستمر بمنطقة إيميضر؛ التابعة لإقليم تنغير؛ وفريق عمل فيلمها الوثائقي “أموسّو”، عن اختيار الفيلم لعرضه على المستوى العالمي ضمن مهرجان هوت-دوكس الدولي للأفلام الوثائقية بمدينة تورنتو الكندية.
وأكدت الحركة في بلاغ، أنه تمّ اختيار الفيلم للمنافسة ضمن قسم الطيف العالمي International Spectrum section، ما يعني أنه إذا ما فاز بجائزة “أفضل فيلم وثائقي عالمي” فسيكون مرشّحا للمنافسة على جائزة الأوسكار.
وأردفت :”اختيار فيلمنا للمشاركة في هذا المهرجان…” كما عبر عنه المخرج نادر بوحموش “… دليل على أن السينما الإفريقية لن تنتظر الإمكانيات الهائلة التي حُرِمَت منها، لا تحتاج منتجين فرنسيين وبذخ تجهيزاتهم، ولا هي في حاجة إلى بنيات إنتاج عمودية وتراتبية، باستطاعتنا صناعة أفلام تنافس على المستوى العالمي عبر العمل التشاركي، من الشعب وإلى الشعب، وهذا في الحقيقة ليس حكرا على السينما، ويمكن تعميمه على كل الميادين”.
وقالت المبرمجة العالمية للمهرجان، آنجي دريسكول، “أموسو، لا يتاجر في المعاناة وإنما في الأمل، يرينا القوة الكامنة في الصمود والشعر والمجاز في مواجهة الظلم، يبدع المحتجّون في إيصال رسالتهم، تحمل أغانيهم أشجارَ اللّوزِ كصلواتٍ عبر الريح، وقد لا يبدو نجاحهم واضحا إذا لم تشهد موسم جني اللوز”.
وبرمجت إدارة المهرجان الدولي، العرض الأول لـفيلم “أموسّو” يوم الاثنين 29 أبريل على الساعة 3:45 بعد الزوال بالتوقيت المحلي. ويعد مهرجان هوت-دوكس الدولي للأفلام الوثائقية، أحد أهم المهرجانات للأفلام الوثائقية على صعيد أمريكا الشمالية، يحضُره ما يزيد عن 200 ألف شخص من الجمهور سنويا. حسب ما أوردته “على درب 96”.
وأوضح “تاوجا موحا” أحد النشطاء داخل “حركة على درب 96” لجريدة “العالم الأمازيغي” في وقت سابق، أن إنتاج “أموسّو” في حدّ ذاته بالنسبة لمناضلي معتصمي ألبان، شكل من أشكال المقاومة السّلمية”، مضيفا :”نأمل أن يحقق نجاحا كبيرا، ويحاكي عالم السينما عبر حضوره في أبرز المواعيد السينمائية العالمية حاملا معه رسالتنا وفكرتنا التي ضحينا بالكثير من أجلها.
من جهته، قال مخرج فيلم “أموسو”، نادر بوحموش، إن “معتصم جبل ألبان هو القلب النابض لحركة على درب 96، صمام خط أنابيب المياه الموجهة نحو أكبر منجم فضّة في إفريقيا مغلق بالسلاسل والأقفال، لا مياه تمر عبره. وحوله خرجت للوجود “قرية جديدة”. تستمد طاقتها من الخبز ولوحات شمسية. وجودها يشكل إزعاجا للدولة ورحمة لواحة اللوز بالأسفل. فوق ألبّان، الصرخات السعيدة للأطفال، رائحة نار الحطب، أصوات النساء في نقاشهن والرجال في إبداعهم تعيد الحياة لمعنى النضال. فوق ألبان لا وجود لأمناء عامين أو رؤساء، لا مكان لأوامر تعليمات المكتب المركزي، لا أحزاب سياسية ولا انتخابات. لا يوجد إلا أگراو والحلقية الكبيرة التي تتشكل ويتشاركها الجميع”.
وأوضح بوحموش في بيان تحت “أموسّو: تجربة في السينما من الأسفل” أن “أگراو بالأمازيغية هو الجمع العام و هو آلية اتخاذ القرارات المستقلة والديمقراطية المباشرة. تمت إعادة الحياة لـ أگراو ومراجعته ليلائم القرن الواحد والعشرين. هو نموذج لنا، وطريقة حياة المئات في إميضر الذين جعلوا منطلق السلطة من الأسفل. نتيجة لطبيعة العلاقات الاجتماعية الأفقية التي رسختها الحركة”، مضيفا “أصبح بإميضر مجتمع واع كل إفراده مسلحون بالكلمة. هنا بإميضر، العجوز التي لا تقرأ والشاب الذي غادر فصول الدراسة يتحسسون بإصبع نبض الأرض وبآخر نبض أمعائهم. عندما تنطق بين شهيقين غاضبين وزفير صامد، كلمتهم أثقل من المداد وأوضح من شاشة خضراء. كلمتهم لا تقتصر فحسب على الخطابات النارية التي تخرج من فوق أوشام الأمهات أو أفواه الشباب الغاضب خلال أگراو. كلمتهم تتمدّد أو تتقلّص، تأخذ إيقاعا أو تطفو على لحن، أو تطبع بِبندير. لأن كلمة إميضر هي أيضا إِزْلي (شعر) يلقى من على خلف شاحنة خفيفة، تغنى كشعارات، تسمع صداها حول الجبل، أو محمولة حول حفلات الأعراس في الجنوب الشرقي. أو كما يقول مثل لأيت عطّا: “تار إزلي أور تامو” -الحدث الذي لا يخلّد بشعر كأنه لم يحصل. هذا الفيلم هو واحد من أشعار إميضر المتعددة، مجموعة صغيرة من كلماتها التي لا تنتهي”.
واستطرد المخرج، نادر بوحموش:”عندما خططنا لبداية التصوير في أكتوبر 2016، أصبح جليا أن هذا المشروع سيكون تجربة رائعة. كان علي أن أضع قطيعة مع أعمالي الأولى وأكتشف نظريات جمالية جديدة وأسلوب وشكل جديدين مرتكزا على الفنون الشفهية. الكلمة الغير مسموعة للداخل المهمش في هذا البلد. ولعل أكثر أهدافي طموحا كان محاولتي إيجاد لغة سينمائية متجذرة في الثقافة الشعبية الشمال إفريقية. عوض الثقافة السائدة، المفروضة من طرف المخزن ومدن المركز أو ثقافة الدول والمؤسسات الأوربية التي فرضت بالعنف على الشعوب الأصلية خلال الخمس قرون الأخيرة. كنت أيضا مصمما على بلورة موضوع جماعي عوض الفردي المهيمن على الروايات السينمائية اليوم”.
وزاد :”حاولنا أن نتجنب الوقوع في نخبوية “قلم/كاميرا”(camera-stylo) سينما المؤلف، أو الخطاب المستغبي لأفلام السينما التجارية الشعبوية. طامحين لإيجاد سينما ثالثة تجيش الثقافة والذاكرة الشعبيتين نحو وعي جمعي، رافضين صوت الراوي السلطوي والفرداني”. مردفا القول :”حاولنا ملئ جهدنا أن نخلق فيلما يتعامل مع المتفرجين كمشاركين فاعلين، مستدعين إبداعهم المتأصل وإدراكهم الفطري ليتوصّلوا لاستنتاجات خاصة بهم من خلال “أزطا نـتولافين”. نـتولافين بمعنى الصور، وأزطا بمعنى شبكة، سيرورة، منسج، منتوج كبير من أشياء صغيرة. أزطا هو أيضا المنتوج النهائي، زربية كل خيط فيها بأهمية باقي الخيوط، كل يلعب دوره في هذا العمل. كما أن زربية أخنيف تصنع من قطع من الصوف، يصنع بوشرويط من أجزاء من الخِرق، وأزطا الخاصة بنا صنعت من أجزاء من الصور. انطلقنا من فكرة كون كل جزء يغطي حركة صغيرة (فعل أو إشارة)، سينتج عن تراكم هذه الأجزاء حركة كبيرة وتاريخية، موضوعنا الجماعي. حرث الأرض، إطعام الحيوانات، الدراسة، اللعب، الكتابة، التصوير،الغناء، الحديث، الجني والمشي -كل هذه الحركات تتراكم عبر الفيلم. منسوجة مع بعضها، هي نتيجة هذه التصرفات “البسيطة” الصادرة عن عدد كبير من الناس “البسطاء” التي تغير التاريخ بإميضر وحول العالم. نتمنى أن تمكن هذه المقاربة المشاهدين من استنتاج أن كل فعل صغير في حياتهم اليومية هو رائع وذو تأثير كالأفعال الصغيرة في فيلمنا”.
“بالرغم من ما سبق، فطموحنا لإيجاد انسجام بين الشكل والمحتوى لم يكن كافيا لجعل “أموسو” عملا جماعيا. ما الجدوى من التعبير عن الاعتقاد بأن التاريخ أو الثقافة أو عموم الإنتاجات هي لملايين من الناس لا لأفراد إذا كان ما ننتج حصريا من طرف شخص واحد؟ إن منتوجا ثقافيا يبيّن قدرة القوة الجماعية من الأسفل يجب أن يذهب أبعد من ذلك إلى التأكيد على هذه القوة بحشدها اتجاه الفعل الفني نفسه. بمعنى آخر وجب على المحتوى والأسلوب أن يتمثّلا في وسائل إنتاج الفيلم. ما يعني أن نهج شركات الإنتاج الموجه نحو الربح مرفوض، المجتمع يصبح منتجا عبر الديمقراطية المباشرة، وتحل الملكية الثقافية المشتركة مكان الملكية الفكرية. كيف يمكن بأي حال لمخرج أفلام أن يدعي امتلاك الجمال الإنساني أو الكفاح، الحب أو المعاناة بمجرد التأليف عنه؟ إعطاء القوة لمن يتواجد أمام الكاميرا ليس منطقيا فحسب بل هو واجب أخلاقي، فهم من يملكون الحق في تقرير ما سيحصل بالمقاطع المصورة من حياتهم”. يورد ذات المتحدث
واسترسل في بيانه :”إن المذهل في إميضر هو إمكانية تطبيق هكذا أفكار راديكالية على أرض الواقع بكل سلاسة. أگراو كان موجودا قبل ذلك، كان الأمر متعلقا باجتماع الساكنة لمناقشة تبنيهم للفيلم. بعد ذلك كان يجب ترك الأمور تأخذ مجراها الطبيعي في تحديد كيفية تطبيق هكذا مشروع في إطار أعلى هيئة تقريرية لإنتاج الفيلم. لقد تشكلت اللجنة المحلية للفيلم بإميضر عبر أگراو، هيئة من المناضلين القرويين الملتزمين (طلبة أو معطلين) الذين أخذوا على عاتقهم ضمان إخلاص المشروع للقرارات التي اتخذت خلال أگراو والعمل على سيرورة مهمات الإنتاج المتعلقة بالفيلم إلى جانب التنسيق معي ومع الطاقم التقني. كان من مهام اللجنة تنظيم خطط العمل وتوفير الوسائل اللوجيستيكية، مراجعة والمصادقة على الميزانيات، إيجاد طاقم تطوعي، ابتداع استراتيجيات تصوير غير تقليدية إلى جانب المهام الأخرى المتعددة. لكن عمل مجتمع إميضر على الفيلم لم يكن مقتصرا على هذا الجانب الإنتاجي فحسب، وإنما تجاوزه للجوانب الفنية والإبداعية. ابتداء من أگراو حول كتابة الفيلم إلى أگراو حول المونتاج لاحقا. نُظِّمَت سلسلة من العروض والورشات تهم الجوانب النظرية والتطبيقية لغرض جعل الجهاز السينمائي مألوفا للساكنة، ليتم تنظيم أگراو لكتابة الفيلم لاحقا، ويناقش من خلاله الجميع، كل بدوره، معبرين عن ما يجدونه مهما للتصوير. ليس مصادفة أن تكون الغالبية الساحقة من الاقتراحات حول الحركات-الإشارات أو مختلف أشكال العمل اليومية. حاولنا قدر الإمكان أن التقاط صور أكبر عدد منهم، ملتزمين بتوجيهاتهم خلال السنتين الأخيرتين”.
وأوضح بوحموش أن “تصوير الفيلم لم يكن بالمهمة السهلة في بلد حيث الرقابة والقمع سيدا الموقف. بالرغم من أن التصوير في المعتصم كان سهلا نسبيا، كونه كمنطقة محررة، حيث سلطة الدولة غير موجودة. إلا أن الوضع في دواوير إميضر يختلف كثيرا حيث مراقبة السلطات مشددة”. مضيفا “كان من الواضح منذ البداية أنه من المستحيل الحصول على رخصة لتصوير هكذا فيلم. خصوصا أننا كنا واضحين في قيامنا بفعل ضد شركة مرتبطة بالهولدينغ الملكي المتنفذ”. “بأي منطق نتحمل إذن مساومة كرامتنا بالرضوخ للسلطة وتسول ترخيص من مؤسسة حكومية فاسدة؟ لم انتظار منحنا حقا هو في الأصل حقنا؟ تماما كالحق في الماء الذي تم انتزاعه من طرف (لا إهداءه لـ) حركة على درب 96، فالحق في التصوير وجب انتزاعه أيضا. لقد كان فعلا مباشرا في حد ذاته، خصوصا أنه كان منظما ومندرجا في إطار مقاومة هذه الحركة التي يطمح لتخليدها. هذا يعني أن الفيلم كان يجب تصويره كليا بأسلوب الكريلا (guerilla) وبدون أي تمويل خلال السنة الأولى. مع ذلك، وبالرغم من تواضع المعدات ونقص الموارد، فالتصوير بشكل سرّي يصبح شيئا عاديا بالنسبة لمجتمع يعرف خذلان الدولة. عدد لا يحصى من الناس قدموا لمساعدتنا، مخفين إيانا في بيوتهم، مرشدين إيانا بين الأحراش لتجنب حواجز طريق الدرك، مموهين معداتنا، أو ناقلين لأخبار كل تحرك لجواسيس الدولة. كل هذا لم يكن ليتحقق لولا المجهود التعاوني لكل الحركة”. يقول المتحدث
وختم نادر الرحموشي بيانه بالقول :”اليوم نقدم هذا العمل للتدارس الشعبي، ليتم نقاشه وانتقاده كوسيلة تعليمية، دليل نضالي، وثيقة تاريخية وعمل فني. أتمنى أن نتمكن عبره من تحدي هجوم بروباغندا الدول، ليس فقط بخصوص إميضر، وإنما بخصوص المناضلين وحركات المقاومة عبر العالم: من الريف إلى شياباس (Chiapas) ونوطخ دام دي لوند (Zone à Défendre de Notre Dame des Landes). لربما تلهم روايته وشَكله وأسلوبه مناضلين آخرين ومجتمعات مقصية أخرى، لا تجد منتجا ولا موارد، للسعي لإسماع صوتهم-بشكل مباشر”. وفق تعبيره
*منتصر إثري
يمكن اعتباره ضربة عصفورين بحجر واحد أو ايلا سيكون نجاحا على معونات الشعب الأمازيغي المنسي واقعيا بعتباره فقط فيلم او تمتيل حركة شعبية منطمة وسيلمية بدون القمع الدولي