تقديم
الذي ينظر إلى حال المجتمع الأمازيغي، سيتعجب حقيقة من الصمت المطبق الذي يرزح تحته، فلا غلاء أسعار يحركه، ولا تنامي الحكرة يضجره، ولا النهب المنظم لموارده الطبيعية يجعله يحتج، ولا الإعتقالات التي شملت معتقلي الحركة الثقافية الأمازيغية ترفع صوته… والناشطون الأمازيغ من حقهم أن يصيبهم الإحباط الشديد حين يرون أن كل تحركاتهم وبياناتهم لا تلقى صدى في المجتمع »بغض النظر عن القصور الذاتي للنشاط المدني الأمازيغي المعارض«، ولا تحرك ساكناً ولا يلتف حولها أحد. وسيجدون أن نشاطهم وسنين عمرهم في النضال والإعتقالات والإغتيالات لم تترك أثراً في الحراك المجتمعي، بل ويعجب المرء من الحماس الشديد في تأييد الأنظمة القائمة من غالبية الأمازيغ على ما توحي بذلك تعليقات “الفاعلين” في الندوات واللقاءات الصحفية.
لقد زرعت الأنظمة القائمة بتمازغا، عبر تاريخها الممتد في إرهاب الأمازيغ “ومواشيهم حتى” ما أسميته “ثقافة الخوف” ويبدو لي أن الأمر لم يأت اعتباطاً؛ بل خضع لدراسة معمقة في علم الموارد البشرية، وأكاد أن أقول أن نظم إدارة الموارد البشرية استخلصت نظرية ”القرود السبعة” من آليات تعامل الأنظمة القائمة بتمازغا مع ”الشعب الأمازيغي” وقد أضحت نظرية شهيرة في علم إدارة الموارد البشرية الحديث نسبياً. ونظرية القرود السبعة لمن لا يعرفها هي باختصار:
أحضر سبعة قرود وضعهم في قفص، في منتصف القفص، قم بتعليق عنقوداً من الموز، ضع تحته سلما. قف جانباً وراقب القرود وبيدك »خرطوم« ماء. سيسارع قرد من المجموعة لاعتلاء السلم محاولا الوصول إلى الموز. ما أن يضع يده على الموز؛ أطلق رشاشاً من الماء البارد على القرود السادسة الباقية في أرض القفص! بعد قليل سيحاول قردٌ آخر أن يعتلي السلم ليصل إلى الموز، كرر نفس العملية، رش القرود الباقية بالماء البارد. بعد تكرار العملية عدة مرات ستجد أنه ما أن يحاول أي قرد اعتلاء السلم للوصول إلى الموز ستقوم المجموعة بمنعه خوفا من الماء البارد.
الآن، اترك الماء جانباً؛ واخرج قرداً من السبعة إلى خارج القفص، وضع مكانه قردا جديدا لم يعاصر ولم يشاهد رش الماء البارد. سيسارع القرد الجديد إلى السلم لقطف الموز! حينها ستهب مجموعة القردة المرعوبة من الماء البارد لمنعه، وستضربه بشدة إن لم يمتثل للأمر فوراً. بعد أكثر من محاولة سيدرك القرد الجديد إن محاولة قطف الموز تعني هجوم باقي المجموعة عليه وضربه
اخرج قردا آخر ممن عاصروا أيام رش الماء البارد، وادخل قردا جديدا بدلاً عنه. ستجد أن نفس المشهد السابق يتكرر من جديد. سيحاول الصعود إلى »سلم الموز« فتهب القردة الباقية منهالة عليه ضربا لمنعه. بما فيهم القرد الجديد الذي دخل قبله ولم يعاصر رش الماء، ولا يدري لماذا تم ضربه في السابق، كل ما هنالك أنه تعلم أن محاولة قطف الموز تعني ضرباً شديداً له على يد المجموعة. لذلك ستجده يشارك، ربما بحماس أكثر من غيره بكيل اللكمات والصفعات للقرد الجديد الذي جاء بعده!
استمر بتكرار عملية إخراج القرود ممن عاصروا رش الماء البارد، وكلما وضعت قردا جديدا سيتكرر نفس المشهد. كرر هذا الأمر إلى أن تستبدل كل المجموعة القديمة ممن تعرضوا لرش الماء بقرود جديدة.. أصبح لديك مجموعة قرود لم تعاصر رش الماء اخرج قرداً منها وادخل قرداً جديداً سيتكرر نفس المشهد… تنهال القردة ضربا على كل من يجرؤ على الاقتراب من السلم. لماذا؟ لا أحد منهم يعرف السبب! لكن هكذا أصبحت المجموعة تدريجيا.وهكذا أصبح المجتمع الأمازيغي بعد أعوام من حفلات رش الموت والتغييب والسجون و… التي مارستها الأنظمة القائمة بحقه، للدرجة التي أصبح الجميع يوكل اللكمات والصفعات، لكل من حاول أن “يناقش حتى”موضوع الأمازيغ وأنظمة الحكم القائمة بتمازغا…
والحال أنه، عبر تاريخ تمازغا، دخل إليها الكثير من الملوك والسلاطين والرؤساء، واعتلى عرش الحكم فيه الكثير ، وكل من اعتلى العرش فيها جعل إذلال الإنسان واحتقاره وسلب كل حقوقه منجزه التاريخي الأول، خلافاً لنظرية الحكم في كل بقاع الأرض، وتوهم ورأى نفسه بأنه الإله المطلق الواجب الطاعة والمطلق الظلم، ويجب أن تذل له الرقاب، وتلك قرون قد انقضت ولحد الآن وفيروس الألوهية ينخر في عقول الحاكمين لشمال أفريقيا، لم نر ولم نسمع عمن حكمها وصان فيها كرامة الإنسان وأدرك بأنه جاء ليخدم، لا لأن يكون مخدوماً ويتحول البشر في ظل حكمه إلى عبيد من نوع رخيص، وهذه آفة اجتماعية، قبل أن تكون سياسية، فغريزة السلطة وحب المال والإستعلاء في الأرض، كانت صفة ولا زالت ملازمة لكل من حكم تمازغا (مارسها الأمويون والملوك العلويين المؤدلجين قومياً ودينياً)، ولو لم يكن الأمر كما نطرح، فليدلينا أحد على حاكم حكم المغرب أو الجزائر أو ليبيا أو تونس…، وعيناه تذرفان دمعاً على “الرعية”، أو حاكم حكم هذه البلدان، وقد ترك بيننا في أحد متاحفنا ذكراً أو أثراً طيباً، فمتاحفنا التي تحتفظ بتراث الحكام لا تتعدى السيوف القاطعة للرقاب وآلات القتل أو مقتنياتهم التي تدل على حالة الترف التي كانوا يعيشونها، وبالمقابل نرى أرض تمازغا متحفاً كبيراً لرؤوس مقطوعة وهياكل عظمية تظهر آثار السيوف والخناجر والرصاص على كل أجزائها وهي أجساد الضحايا بالطبع.نعم هكذا حكموا تمازغا، حيث عاثوا في الأرض فساداً وأوغلوا في القتل والخراب ولا زالت آثارهم لاتتعدى (قصور الشعوب الجائعة) ونصب هنا وآخر هناك يمجد القتل وقهر البشر، بالإضافة إلى تراثهم الفني الذي سخر له الفنانين والأدباء والكتاب والتي لم تزدنا إلا بلاء وأشبعتنا ثقافة التدمير والقتل البطئ.
أزيحت الوفاة السريرية الطغاة منهم وأثبتت الأحداث أن بيوتهم كانت أوهن من بيوت العنكبوت، كما بيوت كل الذين سبقوهم … فماذا عن العهد الجديد…؟!
الفساد سمة العهد الجديد في المغرب والجزائر وليبيا…، وعلى كل المسارات … الفساد المالي والإداري، انهيار الشباب وانجرافهم نحو الإنتحار بسبب العوز والحرمان الحالي وتراكمات ثقافة سلطة العلويين والجنيرالات وسياساتهم، انهيار العملية التربوية وشيوع ثقافة جيش حملة شهادات الدكتوراه، نزوح الملايين خارج الحدود لتغدو إثر ذلك المغاربية بضاعة رخيصة بأيدي الذئاب البشرية في الدول المحيطة بنا والشقيقة جداً لنا في القومية والدين …! الفساد ينخر في جسد البلدان من أقصى شمالها إلى أقصى جنوبها. فمن يتحمل مسؤولية الفساد، أليس الحاكمون، أليس أولياء الأمور، الصراعات التي نشهدها بين المتصارعين على السلطة والمال أحد أهم أسباب الفساد، والكارثة لا تكمن في ذات الصراع، بل تكمن في الخطاب السياسي لأطراف الصراع، فكل يتباكى على المغاربية والشعوب المغاربية وكل يدعي الذوبان في حبها، في وقت ينهش الكل من جسدها، ويحاول الحصول على أكبر لقمة.
هل الصراعات الحالية على السلطة والاتهامات المتبادلة بين الأطراف “الحاكمة” و”المعارضة” وحالات تعليق العضوية في برلماناتنا الثرية والإنسحابات من حكومتها البيروقراطية وحالات التراشق الكلامي والناري أيضاً، كلها تصب في خدمة الشعوب المغاربية …؟ من كان واثقاً من نفسه، ليقل لنا نعم أن هذه الصراعات تخدم تمازغا … سنكون سذجاً، لو صدقنا بأن الديمقراطية هي حالة من الصراع المستديم والتنافر الواضح، بل هي حالة من الصراع الحضاري والتقارب الإيجابي …والحال أنه ليست هناك في العالم ديمقراطية على غرار ديمقراطية البلدان المغاربية التي تتجلى في حالة التصفيات والإغتيالات والإستحواذ على الثروات.
ولتقريب الرأي العام من طبيعة هذه الإغتيالات التي تعرض لها بعض المقاومين المغاربيين، نقترح التحقيق التالي، يشتمل على ملفات سبق أن تم نشرها بجريدة “العالم الأمازيغي” ومقالات مصاحبة تم نشرها في جرائد أخرى أو في مواقع إلكترونية، وذلك من خلال التجميع والربط بين هاته المواد.