يوميات مقاومة مغتالة لـ سعيد باجي (الحلقة 2)

المقاوم محمد لخضير الحموتي ما علاقته بالثورة الجزائرية؟

من، ولماذا، وكيف، دبر اغتيال المقاوم محمد لخضير الحموتي؟

الإجابة عن هذه الاسئلة هي التي دفعتنا إلى التفكير في الكشف عن مصير محمد لخضير، وذلك من خلال طرح الأسئلة إياها، وكتابة سيرة المقاوم الفذ الذي لم يجد خصومه وسيلة أخرى للحد من زحف قناعاته سوى القيام بهذه الجريمة القذرة. لعل يوم 11 نونبر عام 1964، يوم اغتيال الرجل بالجزائر، كان شبيها بأيام استشهاد كل من المقاوم الأمازيغي القبايلي عبان رمضان بإحدى المزارع بتطوان المغربية، عباس لمساعدي المغربي، صالح بنيوسف التونسي، محمد بوضياف، كريم بلقاسم، مولود معمري، معتوب لونس، كرماح ماسنيسا الجزائريين، على اختلاف أجيالهم… لأن رصاصات التطرف العروبي، أخرجت من غمدها مرة أخرى، لتسقط أرواحا جددا وتسيل الكثير من الدماء “غير العربية”.

من يكون ابن العائلة الريفية المغربية، حتى يحتاج خصومه إلى تجنيد شبكات استخباراتية تتعقب خطواته منذ وصوله أسابيع عن حادث اختطافه، ثم تفجير جسده بقنبلة بعثية الصنع، إلى مدينة وهران الجزائرية وهو في مهمة رسمية للتباحث مع أصدقائه الجزائريين والمغاربة المقيمين هناك، حول مشكل حرب الرمال، التي سيلت فيها دماء أبناء الشعبين الجارين، منذ أكتوبر 1963؟

مثل هذه الأسئلة، هي التي جعلتنا نعود حوالي 70 سنة إلى الوراء، وبأقصى شمال المغرب بمنطقة من أشهر المناطق مقاومة للإستعمارين الفرنسي والإسباني، وهي بلدة قبوايا بالناظور، حيث رأى محمد لخضير النور, وعلى مدى 28 سنة كانت السنوات تمر بسرعة وكأن أيادي الزمن تدفع به إلى ذلك الموت الرهيب، حيث لا وجود لقبره. اكتشف محمد لخضير محيطه السياسي المغاربي، في سن مبكرة من عمره وتدريبه على حمل السلاح، لم يزده إلا تشبثا بالسلم والسلام، ولم يستوعب في آخر أيام من حياته، كيف تحولت رصاصات الاسلحة التي هربها من الإسبان إلى معاقل جيش التحرير الجزائرية، إلى رصاصات غادرة لتستقر في أجساد مجندون مغاربة فيما يسمى بحرب الرمال. وسافر إلى الجزائر سعيا في إخماد نيران هذه “الحرب الأهلية”، إلا أن جهات تخلصت من الشهيد محمد لخضير كانت لها أهداف سياسية، ولأن مساعي الشهيد كانت تهدد مشاريعهم العدائية.

سيرة محمد لخضير الحموتي، هي أيضا تقاطع  لسير العديد من رفاقه الذين اقسموا معه لحضات المقاومة وأولئك الجزائريين الذين نسجوا معه علاقات اجتماعية حميمية، أمثال محمد بوضياف، جعلتهم يعرفون عن قرب ويشهدون بوفائه وجرأته وصراحته وذكائه، لذلك فإن مصير محمد لخضير هو أيضا  كان مرتبطا بمصير جميع رفاقه الذين جمعتهم مبادئ التحرر المغاربي وفرقتهم غياهب المعتقلات والإغتيالات… ظل الإغتيال السياسي لمحمد لخضير، من التصفيات الجسدية غير المشهورة في البوادر الأولى لتولية الحسن الثاني حكم البلاد، وحصول الجزائر على الإستقلال، برئاسة أحمد بن بلة. وبالضبط في فترة الإقتتال بين الجيشين النظاميين المغربي والجزائري حول الحدود بين البلدين، وهو الإقتتال الذي كانت له تداعيات سياسية ودبلوماسية خطيرة ساهمت إلى حد كبير في تفكيك وحدة الشعوب المغاربية، بعدما كانت قد اتخذت طريقها نحو التشكل والبناء، عهد تشكيل جبهة التحرير المغاربية، بداية نهاية أربعينيات القرن الماضي. وهو ما تحول إلى عداء، طفى على السطح وبقوة أكبر، منذ ظهور دويلة أخرى، على الحدود المتنازع حولها.

في هذا التحقيق الصحفي الذي قمنا به، سنسلط الضوء على جريمة مغربية ارتكبت في الأراضي الجزائرية. أيكون لأعضاء الإتحاد الوطني للقوات الشعبية، بزعامة المهدي بنبركة اليد الطولى فيها، بموافقة النظام الجزائري؟ أم أن الميلشيات الإتحادية الوالية للمعارضة المغربية المقيمة بالبلد الجار، هي التي قامت بتنفيذ العملية في شهر رمضان من عام 1964، دون علم نظام أحمد بن بلة بذلك؟ وما هي الأسباب التي أدت إلى عدم تطرق القصر المغربي إلى هذا الموضوع، خصوصا بعد أن ساءت علاقته بالقيادة الجزائرية وبالنظام الحاكم في البلاد؟ ولماذا لم يعلن في بلاغ رسمي عن هذا الإغتيال؟ ولماذا لم يعلن القادة الجزائريون، أصدقاء الجندي الإفريقي، عن الحدث ذاته، خصوصا محمد بوضياف، باعتباره أعز أصدقاء المغتال، إلى حد أن أحد أبنائه سمي ببوضياف، في عقيقة حضره جل القادة الجزائريين بمدينة الناضور؟.

صحيح أن هناك عدة جهات كان من مصلحتها تصفية محمد لخضير، بسبب خبرته في مجال تهريب السلاح واطلاعه على أسرار قادة مغربيين وجزائريين، بدءا من المعارضة المغربية الموالية للمهدي بنبركة، مرورا بأحمد بن بلة، وصولا إلى الهواري بومدين، سيما وأن المغتال قد سبق له أن رفض طلب الإنضمام إلى الحكومة الجزائرية المؤقتة نهاية الخمسينات مع حصوله على الجنسية الجزائرية. مقابل تعيينه، فيما بعد، في الديوان الخاص للحسن الثاني، بعد أن أسندت إليه  مهام دبلوماسية. أتكون العلاقة التي ربطت الرجل بالقصر، وعزم الحسن الثاني منحه منصب سفير لدى الجزائر، بحكم علاقته وخبرته بسياسة حكام البلد ذاته، هي العامل الدافع الأساسي لاغتياله، أم أن الحادث يتجاوز هذه التخمينات.

وعودتنا لكشف حقائق التصفيات الجسدية التي تعرض لها رجال المقاومة وجيش التحرير، من خلال البحث في قضية اختطاف ثم اغتيال، محمد لخضير، الجندي الأفريقي، أحد رجالات جيش التحرير بكل من المغرب والجزائر، ومالك سفينتين، كان يهرب بهما السلاح من مضيق جبل طارق، إلى جبهة جيش التحرير المغربي والجزائري، وذلك لاطلاع الرأي العام، على مضامين المعلومات الجديدة التي حصلنا عليها بشأن هذه الجريمة، والتي ما يزال الغموض يلفها، ولم تتجرأ الأقلام التاريخية على إثارتها، بل تجهلها أو تتجاهلها.

السياق العام

منذ التشكلات الأولى للحركة التحريرية المغربية والجزائرية، صعدت القوى الإستعمارية الفرنسية من ملاحقة قادة هذه الحركة، وشنت ضدهم عمليات القمع والإضطهاد وقرارات النفي والإعتقال، ما جعل الشعوب الشمال أفريقية تسعى إلى توحيد صفوفها التنظيمية، مستغلة بذلك اختلال موازين القوى الإستعمارية، حيث حضيت فرنسا في مقابل إسبانيا بهيمنة اقتصادية وسياسية وفكرية على الدول المغاربية، في فترة التهدئة، ولم تلبث سنوات الخمسينات تحل، حتى تباينت المصالح بين الإسبان والفرنسيين، في وقت تمتنت فيه أواصل الروابط بين الجيل الثاني من المقاومة المغاربية، وتوحدت الآراء والمطالب والميكانيزمات النضالية والسياسية لزعماء المقاومة المسلحة، حيث تم التوقيع على ميثاق اللجنة التحريرية المغاربية برئاسة محمد بن عبد الكريم الخطابي بالقاهرة، في 6 يناير 1948، القاضي، إلى حين الإستقلال التام لكل من المغرب والجزائر وتونس، معتبرا أن قضية الأقطار الثلاثة، قضية واحدة، مع وجوب مواجهة الإستعمار متحدين ومتساندين. كان الزعماء الجزائريون من قبيل محمد بوضياف والعربي بلمهيدي…، قد استقر رأيهم، على اتخاذ المناطق الريفية، منذ نهاية العقد الرابع من القرن العشرين، ملجأ لهم، كانت منطقة قبوايا ببني انصار من بين هذه المعاقل، وهناك تعرف محمد بوضياف على عائلة لخضير الحموتي.

من هو الجندي الأفريقي؟

هو محمد لخضير حمو الطاهر الحموتي، المزداد يوم 1 فبراير 1936 بقبيلة قبوايا ببني أنصار بمدينة الناظور، رقم بطاقة التعريف 07207 بتاريخ 19 أكتوبر 1964، أب لخمسة أطفال، كاميليا، جميلة، لخضير، رشيدة وبوضياف، أعتقل عن سن يناهز 22 سنة، يوم 22 نونبر 1955، ولم يطلق سراحه إلا يوم 10 ماي 1955، بعد قضائه الحكم الصادر في حقه، من طرف المحكمة العسكرية الحربية رقم 32 بمليلية، بدعوى تهريب السلاح من المدينة ذاتها إلى جبهة جيش التحرير المغربي والجزائري، وهو عضو بالجيشين معا، عينه الحسن الثاني ملحقا بديوانه الخاص، وتولى مهام دبلوماسية عام 1963، أختطف بالجزائر يوم 11 نونبر 1964، عن سن يناهز 28 سنة، واغتيل في ظروف غامضة. هناك العديد من المعطيات التي تؤكد أن الرجل تربى في بيئة مناضلة، وكبر في وسط اجتماعي متميز، وبين احضان أسرته الميسورة الحال، رغم قلة العناصر المعروفة عن المرحلة الأولى من حياته، في إسبانيا، مصر، والجزائر وتونس… كان لا يعرف بنفسه كإبن تلك القبائل الكبرى للريف التي قاومت، حتى نهاية زحف القوات الإسبانية. كان بشاربه الأسود، وجسمه النحيف، يظهر بساطة الرجل وصرامته وكرمه، وصدق مبادئه وسمو أخلاقه.

يوميات مقاومة مغتالة لـ سعيد باجي (الحلقة 1):  من هنا

اقرأ أيضا

مكاسب تمغربيت وسمعة المغرب سنة 2022

رغم كل ما لحق المغاربة من معاناة جراء تدهور الأوضاع الاقتصادية والجيوسياسية على الصعيد العالمي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *