أخبار عاجلة

الأمازيغية بين الوجود الثقافي والمغالطة الطبقية.. رد على مقاربة مادية اختزالية

بقلم: محمد الموساوي

في مناقشة المقال المعنون ب “علاقة الامازيغية بأنماط الإنتاج التقليدية (الرعي، الزراع، التجارة)” لصاحبه علي بلمزيان، الذي يحاول إخضاع الأمازيغية -لغة وثقافة وهوية- لمنطق المادية التاريخية الحصري، يتعين أولا التنبيه إلى مغالطة مركزية يتضمنها هذا الطرح، وهي اختزال الثقافة في مجرد انعكاس “للبنية التحتية” المادية، وكأن الوعي الجمعي لا يمتلك قوة فعل مستقلة، ولا يساهم في إعادة تشكيل الواقع. إن قراءة كهذه، بالرغم من طابعها النقدي الظاهري، تعيد إنتاج منظومة فكرية مركزية لم تستطع يوما فهم خصوصيات المجتمعات غير الأوروبية، ولا استيعاب تاريخية نضالاتها، ومنها النضال الأمازيغي.

فمن الخطأ اختزال الأمازيغية في بعدها الطبقي فقط، أو ربطها بشكل حصري بأنماط الإنتاج التقليدية كالرعي والزراعة والتجارة. فهذه المقاربة، رغم تبنيها لأدوات تحليلية مستمدة من فكر ماركسي، تتجاهل السياق التاريخي الفعلي للأمازيغية والأمازيغ، كضحايا لقرون من التهميش والتذويب القسري في إطار مشروع الدولة المركزية، سواء في نسختها السلطانية المخزنية أو الكولونيالية أو ما بعد الكولونيالية. ما يستدعي مساءلة السياسات الرسمية التي مارست تهميشا لغويا وثقافيا وهوياتيا ممنهجا، وهو ما لا يمكن تفسيره فقط من زاوية الصراع الطبقي، بل من زاوية هيمنة ثقافية وإيديولوجية تعبر عن بنية استبدادية متعددة الأوجه.

ثم إن اتهام الحركة الأمازيغية بأنها مجرد واجهة “ثقافوية” أو أداة توظيف ناعم داخل أجندات النظام النيوليبرالي، يعد تجنيا اختزالا فجا، يتغافل عن تاريخ طويل من النضال الميداني، والتضحيات التي قدمها مناضلون ومناضلات في مواجهة القمع والإقصاء. فهذه الحركة، التي انطلقت من قلب الهامش ومن داخل المعاناة، ليست خطابا نخبويا مزيفا، بل تعبير أصيل عن مقاومة ثقافية وسياسية ضد سلطة مركزية حاولت طمس التعدد اللغوي والهوياتي باسم وحدة زائفة. وهي أيضا تعبير عن مقاومة مستميتة ضد أطراف وتنظيمات استكانت لمقولات إقصائية ذات منشأ شرقاني متعالي عن الواقع الحي للمجتمع المغربي وتعدديته الثرية.

إن الطرح الذي يطالب بـ”تحرير الأمازيغية” فقط إذا اقترنت بتحرر طبقي شامل، هو طرح يجمد كل إمكانيات التغيير الراهن، ويؤجل المطالب اللغوية والثقافية والهوياتية إلى أجل غير معلوم، بل يعيد إنتاج خطاب سلطوي بشكل غير مباشر، لأنه يخضع النضال الثقافي والهوياتي لهرمية معيارية تعلي من شأن الصراع الطبقي على حساب باقي أشكال التمييز والاستغلال. في حين أن النضال من أجل الأمازيغية بمختلف تجلياتها هو في جوهره نضال من أجل العدالة، المساواة، وتكافؤ الفرص، وهو لا يتناقض مع النضالات الاجتماعية، بل يعانقها ويثريها من موقع التعدد والاختلاف.

لقد أثبتت تجارب كثيرة -من قبيل كتالونيا وكردستان- أن النضال الثقافي والهوياتي يمكن أن يكون حاملا لمشروع تحرري جذري باعتباره بالأساس نضالا سياسيا، وأن مقاومة التذويب ليست بالضرورة جزءا من خطاب برجوازي مموه، بل قد تكون تعبيرا عن وعي جمعي بالكرامة والحق في الاعتراف. الأمازيغية، في هذا السياق، ليست فقط “رمزا” بل هي أيضا واقع حي، وهوية حية، وثقافة مقاومة تسعى للاستمرار رغم محاولات التصفية والتهميش.

لا يمكن الحديث عن “اليسار الراديكالي” دون مساءلة علاقته هو الآخر بالأمازيغية، وكيف أنه كثيرا ما أعاد إنتاج مركزية لغوية وثقافية عربية، رغم تبنيه لشعارات التحرر والعدالة. إن التحرر الحقيقي لا يمكن أن يكون أحادي البعد، بل يجب أن يكون شاملا، متقاطعا، يدمج بين الاجتماعي والثقافي، بين الطبقي والهوياتي، وبين اللغة والأرض.

لذلك، فإن الدفاع عن الأمازيغية ليس ترفا ثقافيا ولا تماهيا مع أجندات نيوليبرالية، بل هو نضال أصيل من أجل إعادة الاعتبار لمجتمع جرد من تاريخه ولغته وهويته. ومن دون هذا الاعتراف، سيظل أي مشروع تحرري ناقصا، وأي خطاب طبقي أجوفا، لأن التحرر لا يجزأ.

اقرأ أيضا

المديرية الإقليمية للمياه والغابات بتارودانت تخلد اليوم الوطني للتحسيس بمخاطر حرائق الغابات

تخليدا لليوم الوطني للتحسيس بمخاطر حرائق الغابات، نظمت المديرية الإقليمية للمياه والغابات بإقليم تارودانت، الخميس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *