مع اقتراب استحقاقات 2026، المتعلقة بالانتخابات التشريعية، يتجدد طرح السؤال الجوهري حول مكانة الأمازيغية ضمن أجندات النسيج الحزبي الوطني، وما هو الحيز الزمني الذي ستشكله الأمازيغية ضمن البرامج الانتخابية للأحزاب؟
السؤال يتكرر قبل كل موعد انتخابي. ولكن مع الأسف سرعان ما يطويه النسيان بعد مرور الانتخابات..
لقد تعاملت أغلب الأحزاب السياسية،باستثناء حزب أو حزبين، بنوع من “الانتهازية” مع الأمازيغية خلال الانتخابات السابقة، حيث كان الاهتمام موجها أساسا نحو الدعاية الانتخابية للأمازيغية، وليس الترافع الحقيقي لصالحها، وذلك بهدف كسب أصوات وتعاطف الأمازيع عموما، ونشطاء الحركة الأمازيغية خصوصا، وليس من باب القناعة السياسية والفكرية والأيديولوجية، لذلك فإن ” الدفاع” عن الأمازيغية لم يكن يتعدى السياق الظرفي المرهون بالانتخابات، ثم سرعان ما تُطوى الصفحة ويتم نسيان موضوع الأمازيغية، بعد انتهاء العملية الانتخابية.
إن القضية الأمازيغية تفرض نفسها بقوة على الفاعل السياسي ، في ظل استمرار معيقات إدماجها في الحياة العامة وفي المنظومة التربوية، رغم مرور ما يقرب من عقد ونصف من ترسيمها الدستوري. لقد أصبح الدفاع عن القضية الأمازيغية رهانا مركزيا، في ظل استمرار البطء في التنزيل الفعلي لطابعها الرسمي، فإدماج الأمازيغية في منظومة التربية والتكوين يشوبه بطء شديد، كما إدماجها في الحياة العامة.
والمحصلة أن الأمازيغية لم تجد بعد مكانتها في المجتمع كلغة رسمية، بل ما تزال مهمشة على هذا الصعيد، ما يعكس تدني موقعها في السياسات العمومية ويفرض بالتالي على الفاعل السياسي التزاما سياسيا وأخلاقيا للترافع من أجل القضية الأمازيغية ، التي تعتبر ، لغة و ثقافة وحضارة، ملكا لكل المغاربة.
وتشكل المحطة الانتخابية المقبلة مناسبة سانحة للترافع بقوة لصالح الأمازيغية والمطالبة بالإنصاف في استعمالها كلغة رسمية في كل مجالات الحياة العامة ، كما ينص على ذلك الدستور، عوض الإبقاء عليها لغة هامشية و تابعة.
ما تزال العربية والفرنسية هي لغتا الإدارة. وفي الإدارات والمؤسسات، يتواصل مسلسل تهميش الأمازيغية في المراسلات والمعاملات الإدارية، وفي التواصل مع المرتفقين والرأي العام الوطني. الانتخابات المقبلة فرصة لتصحيح الاختلالات ، من حيث التزام الفاعل السياسي بالتنزيل الفعلي للشعارات الداعمة للأمازيغية، والتعامل بالجدية والمسؤولية المطلوبتين مع القضية الأمازيغية، بهدف الارتقاء بها لغة وثقافة، وفرض مساواة لغوية حقيقية، يجعل الأمازيغية في نفس مرتبة العربية، بقوة الدستور.
إن التعامل مع القضية الأمازيغية بشكل موسمي لم يعد مقبولا بعد الاعتراف الرسمي بها، ولهذا يُفترض في الأحزاب السياسية أن لا توظف القضية على سبيل الشعارات والعناوين البارزة لحملاتها الانتخابية، دون الالتزام بتفعيل مضامين هذه الشعارات وتنزيلها على أرض الواقع.
على الأحزاب السياسية أن تًدمج الأمازيغية ضمن أولوياتها وبرامجها، فهي ورش منوط بالفاعل السياسي، لأن الأمر يتعلق أولا وأخيرا، بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وهي مسؤولية الأحزاب والحكومة.
وتيرة إدماج اللغة الأمازيغية في الحياة العامة تتمبز بالبطء الشديد والتردد .
فبعد مرور أزيد من عقدين على البدء في تدريسها ، فإن المحصلة خجولة ولا ترقى إلى مستوى الانتظارات. الانتخابات المقبلة فرصة لتدارك التأخير الحاصل في هذا المجال، عبر مضاعفة جهود ووتيرة الترافع لصالح تعميم الأمازيغية في الحياة العامة وفي المنظومة التربوية، إنه رهان حقيقي يتطلب إرادة الفاعل السياسي.
والانتخابات المقبلة يمكن أن تشكل منطلقا جديدا لتجديد الإرادة في الارتقاء بالأمازيغية إلى مستوى لغة رسمية كما يقر بذلك الدستور. كما أن الانتخابات المقبلة فرصة للقطع مع التردد والبطء اللذين واكبا تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية والذي تسبب في تعطيل مسار ترسيمها الفعلي.
جمال بورفيسي