أخبار عاجلة

حفيظ بوجداين: الأغنية الأمازيغية ذاكرة وهوية.. وبين نغمة اللحن وسطور القصيدة تنبض الأمازيغية

حفيظ بوجداين: الأغنية الأمازيغية ذاكرة وهوية.. وبين نغمة اللحن وسطور القصيدة تنبض الأمازيغيةفي زمن تتسارع فيه الإيقاعات وتتوارى الهويات خلف ضجيج الحداثة، يظل صوت الفن الريفي الأمازيغي الملتزم صامدا، حاملا ذاكرة جماعية وهوية ثقافية ضاربة في الجذور.

في هذا السياق، تحاور جريدة “العالم الأمازيغي” الفنان والشاعر حفيظ بوجداين، أحد الأصوات الريفية الأصيلة التي اختارت أن تجعل من القصيدة والنغمة وسيلتين للتعبير، فنان يرى الفن رسالة، والأمازيغية حياة وهوية تستحق أن تغنى.

من طفولة بسيطة في قلب الريف المغربي إلى مسيرة فنية نحتت ملامحها بصبر وصدق، يحكي بوجداين عن البدايات، عن الشغف بالفن، عن القصائد التي تحولت إلى أغان تنبض بالانتماء، وعن التحديات التي واجهها في سبيل الحفاظ على الكلمة واللحن الأمازيغيين.

الأغنية الأمازيغية ذاكرة وهوية.. وبين نغمة اللحن وسطور القصيدة تنبض الأمازيغية

مرحبا بك على صفحات جريدة “العالم الأمازيغي”، بداية وبعيدا عن التعريفات الجاهزة، من هو عبد الحفيظ بوجداين؟

اسمي حفيظ بوجداين، من مواليد سنة 1965 بمدينة العرائش، لأسرة ريفية الجذور. كنت في الخامسة من عمري حين قررت أسرتي العودة إلى مسقط رأسها بدوار أيت تعبان، التابع ترابياً لجماعة أزلاف بإقليم الدريوش حاليا (والناظور سابقاً).

مع بلوغي سن التمدرس، التحقت بالمجموعة المدرسية الابتدائية بدوار بوحولة، ضمن تراب نفس الجماعة. وبعد حصولي على شهادة السنة الخامسة الابتدائية، انتقلت إلى مدينة الرباط لمتابعة دراستي بالسلك الثانوي، غير أنني اضطررت للتوقف عن الدراسة بعد سنتين، لأسباب خاصة.

كيف بدأت رحلتك مع الفن والشعر؟ وهل كانت البداية شعرا ثم غناء، أم أن المسارين تداخلا منذ البداية؟

نشأت وترعرعت في أحضان الريف وسط أسرتي، مثل باقي الأطفال، متشبعا بعادات وتقاليد المنطقة، ومتشربا لطقوسها وأعرافها منذ نعومة أظافري.

عشت طفولة بسيطة، مررت خلالها بكل المراحل التي يعيشها أبناء جيلي، نصنع ألعابنا بأيدينا ونمارس مختلف أنواع اللعب بكل عفوية وبراءة.

كنت أستمتع بالاستماع إلى الفتيات وهن ينشدن «إزران» أثناء عودتهن من الاحتطاب، وإلى الرعاة وهم يعزفون ألحانًا تقليدية، كما كانت قصائد الحصاد التي ينشدها الفلاحون في فصل الصيف تترك أثرا عميقا في نفسي، مما زرع بداخلي حب الفن والموسيقى بجميع أشكالها.

ومع بروز بعض المجموعات الغنائية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وجدت فيها مصدر إلهام كبير، سمح لي بتكوين رصيد ثقافي محترم في الميدان الموسيقي الأمازيغي، وازداد حبي للفن والموسيقى وكل ما يتعلق بالثقافة الأمازيغية.

في بداية الثمانينات، انتقلت إلى إقليم الحسيمة، الذي كان يعرف نهضة موسيقية لافتة بين الشباب. وهناك، تعرفت على مجموعة من الفنانين، من بينهم الأستاذ حسن الفارسي، المعروف فنيا باسم «حسن ثيذرين»، الذي كان له بالغ الأثر في مساري الفني، فقد فتح لي آفاقا جديدة وعلمني قواعد الموسيقى وضوابطها، وله في ذلك فضل كبير.

بدأت كتابة الشعر قبل أن أتوجه إلى الموسيقى، وكان أستاذي حسن ثيذرين أول من شجعني على نشر كتاباتي في عدد من الجرائد المحلية، مثل جريدة الخزامى، كواليس الريف، أݣراو، وتاويزا. ومن بين أهم أعمالي الشعرية قصيدة «ثامژا» أي «الغولة»، والتي أدرجت – على حد علمي – ضمن مقررات المستوى السادس من التعليم الابتدائي من طرف وزارة التربية الوطنية.

ما الدور الذي لعبته البيئة التي نشأت فيها في تشكيل رؤيتك الفنية والالتزام الذي يميز أعمالك؟

البيئة التي نشأت فيها كان لها أثر بالغ في تشكيل رؤيتي الفنية، سواء من حيث الإلهام أو من حيث التحديات. انحداري من عائلة الشرفاء البوجداينيين، المعروفة بطابعها المحافظ، جعل أولى خطواتي في عالم الموسيقى محفوفة بالعراقيل، إذ كانت هناك نظرة تقليدية تحمل الفن ما لا يحتمل، وتضعه أحيانا في خانة الترف أو الانحراف. بعض أفراد عائلتي، للأسف، اختاروا أن يقطعوا علاقتهم بي، فقط لأنني اخترت أن أسير في طريق الإبداع والتعبير الفني.

لكن ذلك لم يضعف عزيمتي، بل زادني إصرارا، لم ولن يكون الانتماء إلى بيئة محافظة حاجزا أمام حلم أؤمن به بصدق، لأن الفن بالنسبة لي ليس ترفا، بل رسالة، والفنان هو ذاكرة حية لمجتمعه، يحفظ تراثه، ويمنحه صوتا في عالم يتغير بسرعة.

أنا أرى في الفن، خصوصا الفن الأمازيغي بالريف، جزءا من هويتي ومن مسؤوليتي، لذلك لم ألتفت كثيرا إلى الرفض، لأنني وجدت في موهبتي أداة للتعبير ووسيلة لإيصال رسالتي إلى الأجيال القادمة، بكل حب وقناعة.

هل هناك طقوس معينة ترافقك أثناء الكتابة؟ وهل تنطلق من قصائد مكتملة، أم من فكرة تتطور إلى أغنية؟

في الحقيقة، الكتابة عندي ليست فعلا ميكانيكيا، بل هي لحظة إلهام تنبع غالبا من شعور داخلي عميق، أو من معاناة تلامس الوجدان. لا ألتزم بطقوس محددة، لكن حين يزورني الإلهام، أجدني أكتب بشكل تلقائي، وكأن الكلمات تفرض نفسها علي.

غالبية قصائدي تأتي على وزن «رالا بويا»، وهو الوزن الذي أرتاح له كثيرا، وغالبا ما أكتبه منذ البداية بقصد تحويله إلى عمل غنائي، أحيانا أنطلق من فكرة بسيطة، تتبلور تدريجيا إلى قصيدة متكاملة، ثم تتحول إلى أغنية.

في المرحلة الحالية، أتشرف بالتعاون مع الشاعر عبد الرحيم فوزي، الذي يمتلك قدرة مميزة على تحويل فكرة خام إلى نص شعري غني وقابل للتلحين، وأؤمن أن للشاعر دورا محوريا حتى في مرحلة التلحين، لأنه الأقدر على الحفاظ على روح النص. أحيانا نعود إليه لنقترح حذف بيت أو إضافة آخر، فيكون هو من يقرر، لأنه يعرف جيدا ما يخدم المعنى ويحافظ على المضمون الفني للقصيدة.

أصدرت سنة 2008 ألبوم “إمغناس”، وهو عمل يحمل دلالات نضالية واضحة، ما الذي ألهمك لنسج هذا الألبوم؟

ألبوم «إمغناس» لم يكن مجرد تجربة موسيقية، بل كان بمثابة موقف فني تجاه مرحلة مشحونة بالتوترات، إذ كانت سنتا 2007 و2008 حافلتين بالأحداث، خصوصا على المستوى النضالي الأمازيغي، حيث تصاعدت الصراعات بين التيارات المدافعة عن الهوية الأمازيغية من جهة، ومجموعة من الأطراف التي حاولت إقصاء هذا الصوت، سواء من مستعربين متخفين وراء لافتات حزبية أو من طرف منظمات حقوقية.

تلك المرحلة كانت مؤلمة، إذ شهدنا حملات قمع واعتقالات طالت نشطاء ومثقفين فقط لأنهم عبروا عن انتمائهم وثقافتهم. هذه الأحداث أثرت في بعمق، وكان من الطبيعي أن أنقل ذلك إلى فني، لأن الفن، بالنسبة لي، هو وسيلة للتعبير والمقاومة. ألبوم «إمغناس» جاء ردا رمزيا وهادئا، لكنه صادق، على ما كان يحدث، وجاء محملا برسائل لا تزال راهنية إلى اليوم..

كيف تصف الهوية الموسيقية لهذا الألبوم؟ هل كانت هناك رغبة في التجديد أم في الحفاظ على الأصالة؟

في الحقيقة، أنا أؤمن بأن الهوية الفنية لا تبنى على طرف واحد، بل على توازن بين الجذور والانفتاح، لذلك تجد في كل ألبوماتي، بما في ذلك ألبوم «إمغناس»، حضورا واضحا لنفحات التراث، إلى جانب لمسات عصرية تمنحه حيوية وتجعله قريبا من كل الأذواق.

على سبيل المثال، أغنية «ثايري» ضمن ألبوم 2008، هي في الأصل قطعة من التراث الشعبي، لكنني عملت على تطويرها موسيقيا من خلال إدخال آلات حديثة وأسلوب توزيع معاصر، دون أن أفقدها روحها الأصلية. الهدف كان واضحا وهو الحفاظ على جوهر التراث، لكن بلغة موسيقية قادرة على مخاطبة الجيل الجديد، وفي نفس الوقت تحترم ذوق المستمع التقليدي.

بعد “إمغناس”، طرحت ألبوم “تماكيت” ليعمق رسالتك الفنية والإنسانية، ما السياق الذي ولد فيه هذا العمل؟ وهل يعكس بحثا عن الذات أم دعوة للاعتراف بالهوية الأمازيغية؟

ألبوم «تماكيت» هو امتداد طبيعي لما بدأته في «إمغناس». بعد تلك الخطوات الأولى التي لم تسعفنا الظروف لتحقيقها بالكامل، جاء هذا العمل ليحمل تساؤلات أعمق حول هويتنا الأمازيغية، وخصوصا تلك الأسئلة التي تظل تراودنا: من نحن؟ ما هي جذورنا؟ وما هو إرثنا الذي يجب أن نتمسك به في مواجهة التحديات؟

العمل يعكس، بلا شك، بحثا عن الذات واعترافا بالهوية الأمازيغية، لكن من زاوية أعمق: هو رفضنا لما هو غريب عنا، لما لا يتماشى مع تقاليدنا وعاداتنا. نحن نؤمن بأنه يجب أن نعيش كما نحن، ونفرض وجودنا بأصالتنا، دون التأثر بما يحاول الآخرون فرضه علينا.

للإشارة، كما قال الشاعر ميمون المختاري في إحدى قصائده التي قمت بتلحينها للفنانة سليا الزياني بعنوان «ثارياست إريفين»:

Aṣemmiḍ i dayi iksin yuḥel zzayi issares
Tayyut xafi ixeyḍen ur dayi tenɣi bu tefras
D amaziɣ zi lebda s idammen d yiɣes
Aselham n midden ur xafi dyusi εemmaṛṣ

هذه الكلمات تلخص جوهر العمل، فالتأكيد هنا هو على أن هويتنا لا تتماشى مع ما هو دخيل علينا، ونحن فخورون بما نحن عليه.

“qber ma tfaded” أحدث إصداراتك الغنائية، ما الذي دفعك لاختيار هذا العنوان بالذات؟ وهل له دلالات رمزية؟

«Qber ma tfaded» هو عنوان يحمل في طياته عمقا فلسفيا، وأعتقد أن الأغنية نفسها تتجاوز مجرد كونها عملا موسيقيا لتصبح بمثابة وصية، أو حتى تحذير. في جوهرها، الأغنية هي رسالة من أب محب إلى أبنائه وأحفاده، يحاول من خلالها نقل مفهوم الحفاظ على الجذور والتراث الذي نشأنا عليه، والتمسك بالقيم التي تعزز الهوية وتضمن الاستمرارية.

الرسالة الأساسية تكمن في عدم الإهمال أو اللامبالاة بما هو أصيل، لأن أي تراجع عن هذا قد يؤدي إلى ضياع الذات والانقراض الثقافي. فالاستمرارية في الحياة، سواء على المستوى الشخصي أو الجماعي، مرتبطة ارتباطا وثيقا بالحفاظ على ما هو عميق وأصيل فينا. هذا هو المعنى الذي أردت أن أرسله من خلال هذا العمل، سواء على مستوى الكلمات أو النغمة.

في زمن يطغى عليه الاستهلاك السريع للمحتوى، هل تعتقد أن هناك مكانا لفن ملتزم يحمل همّا ثقافيا ونضاليا؟

بالطبع، التراجع الذي نلاحظه في الأغنية الملتزمة الأمازيغية له عدة أسباب، وأحدها هو جمود الجمعيات الثقافية الأمازيغية التي كانت تلعب دورا حيويا في الحفاظ على الفن والثقافة والموسيقى الأمازيغية بشكل عام. تلك الجمعيات كانت بمثابة الحافز الأساسي في نشر الرسائل الثقافية والنضالية من خلال الفن.

لكن، إذا أردنا للأغنية الملتزمة أن تجد مكانا لها في الساحة الفنية المعاصرة، لابد أن يتوافر دعم حقيقي من الإعلام الرسمي. الإعلام هو الجسر الذي يصل الفنان بجمهوره، وهو الوسيط الذي يستطيع تقريب الصورة وتوضيح الرسالة. للأسف، في غياب هذا الدور الإعلامي الفعال، قد يصعب على الفن الملتزم الوصول إلى جمهور واسع، وهو ما يعرقل انتشاره. الفن لا يطلب فقط بل يعزز ويوصل من خلال وسائل إعلامية تؤمن بقيمته، وتقدمه في السياق الصحيح.

إلى أي مدى يمكن للأغنية الأمازيغية أن تلعب دورا في الدفاع عن اللغة والهوية، إذا توفرت لها الوسائل والدعم؟

الأغنية الأمازيغية، منذ السبعينات وحتى بداية الألفية الثانية، لعبت دورا حاسما في توعية الشباب الأمازيغي، رغم التحديات والعقبات التي اعترضتها بين حين وآخر. لقد كانت بمثابة صوت صامد ضد محاولات التهميش، وحاملة لرسالة ثقافية ونضالية عميقة. بفضل إبداع الفنانين، استطاعت الأغنية الأمازيغية أن تتجاوز جميع التيارات والإيديولوجيات المتضاربة، وأن تحقق انتشارا كبيرا، لتصبح أداة فعالة في الدفاع عن اللغة والهوية الأمازيغية.

إذا توفرت للأغنية الأمازيغية الوسائل والدعم اللازمين، من خلال الإعلام والتوعية المجتمعية، يمكنها أن تلعب دورا أكبر بكثير في تعزيز حضور اللغة الأمازيغية وحمايتها من الانقراض. الدعم الحقيقي ليس فقط في الدعم المادي، بل أيضا في تقدير الفن الأمازيغي كجزء لا يتجزأ من هوية البلاد، وهذا يحتاج إلى تضافر الجهود على جميع الأصعدة.

ألا تفكر في خوض تجارب فنية مشتركة مع فنانين آخرين، سواء من المشهد الأمازيغي أو من مشارب فنية مختلفة؟

بالفعل، مررت بتجارب فنية سابقة مع عدد من الفنانين، مثل مجموعة «تواتون»، «تيفيور»، والفنانة سيليا الزياني. هذه التجارب كانت غنية بالتعلم، كما يقول المثل: «من الخطأ يتعلم الإنسان». فقد اكتسبت من خلالها العديد من الدروس التي ساعدتني في تحديد مساري الفني، مما دفعني في النهاية إلى اتخاذ قرار بالاستمرار في العمل بمفردي.

حالياً، لا أفكر في التعاون مع فنانين آخرين، رغم أنني لا أرفض الفكرة بشكل قطعي في المستقبل. لكن في الوقت الراهن، أركز على ما أستطيع تقديمه بمفردي، وفقا لإمكانياتي وظروفي. لا تشغلني مسألة الشهرة أو النجومية بقدر ما يهمني إيصال رسالتي الفنية التي أؤمن بها، وأعتقد أن الفن يجب أن يكون وسيلة للتعبير الحقيقي عن الذات والهوية.

ما هي مشاريع عبد الحفيظ بوجداين المستقبلية؟ هل هناك ألبوم جديد أو تجربة فنية مختلفة؟

مع بداية شهر ماي 2025، سيكون هناك عمل جديد سيطرح أمام الجمهور الكريم. كما أن لدي أعمالا جاهزة، من بينها أناشيد للأطفال من إبداع الشاعرين المقتدرين عبد الرحيم فوزي وعبد الحميد اليندوزي. وكما أشرت سابقا، أُبدع دائماً بما يتناسب مع إمكانياتي المتاحة وأسعى لتقديم الأفضل.

ما الرسالة التي تود توجيهها من خلال هذا الحوار؟

لا أوجه أي رسالة في الوقت الراهن، أما جمهوري الكريم أترك له مفاجأة في الأغنية القادمة هذا الشهر من السنة الجارية، والتي أتمنى أن تكون خير تعبير عن أفكاري ومشاعري في هذه المرحلة.

حاوره: خيرالدين الجامعي

حفيظ بوجداين: الأغنية الأمازيغية ذاكرة وهوية.. وبين نغمة اللحن وسطور القصيدة تنبض الأمازيغية

اقرأ أيضا

عبد الوهاب حداشي: اللغة الأمازيغية مادة غنية للأدب بشرط أن يكون النقل أمينا ويخدم الأمازيغية والوطن

ضمن كل عمل إبداعي، تكمن قصة تحمل بين طياتها رؤية وأفكارا تتفجر من أعماق الكاتب، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *