حول تسمية “تافراوت” بهذا الاسم

بقلم: محمد بنيدير

1) تحديد ووصف المجال:

تحمل الاسم الجغرافي “تافراوت” جماعة ترابية تنتمي إداريا إلى إقليم تيزنيت من جهة سوس ماسة. تحدها جماعات “أملن” شمالا و”تارسواط” جنوبا و”تاسريرت” شرقا و”إريغ ن تهالا” غربا. وتبعد عن مدينة تيزنيت بحوالي 110 كلم عبر الطريق المارة من تاهالا، وبحوالي 130 كلم مرورا “بأمانوز”. كما تبعد عن مدينة أڭـادير بحوالي 170 كلم عبر الطريق المارة من “أيت باها”( ).

ويقع مركز هذه الجماعة بجبال الأطلس الصغير، في حوض ضيق محاط بتلال ڭرانيتية، يمتد طوليا من الجنوب إلى الشمال، وله ثلاثة منافذ؛ منفذان منفتحان نحو الجنوب، أحدهما يؤدي “أمانوز” والآخر إلى “تاهالا”، ومنفذ منفتح نحو “أسيف وّامّلن” أي وادي أملن في جهة الشمال.

وتخترق حوض تافراوت ثلاثة أودية رئيسية وروافدها( )؛ اثنان منهما يعبرانه طوليا، وهما: “أسيف ن تفراوت” أي وادي تافراوت، و”أسيف ن تزڭي” أو وادي تيزڭي، النافذان إليه من جهته الجنوبية؛ أولهما من المنفذ المنفتح نحو “أمانوز” وثانيهما من المنفذ المنفتح في إلى “تاهالا”.

ويتقاطع هذان الوادان عند نقطة معينة من هذا الحوض وتجري مياههما في اتجاه الشمال نحو “أسيف وّامّلن”. أما الوادي الثالث وهو “أسيف ن تيفراضن” النابع من نواحي “تاغزوت ن أيت أوسيم”، فإنه يقطع جزئيا حوض تافراوت عند مشارف حدوده الشمالية حيث يلتقي بالوادين المذكورين فتجري مياهه مع مياههما في اتجاه “أسيف وّامّلن” المذكور عبر موقع “سيدي يعقوب”.

وتغطي حوض تافراوت في مجملها تربة رملية ذات حبيبات غليظة، تبدو هزيلة الخصوبة. والغطاء النباتي فيه يتكون من أشجار الأرڭان واللوز والنخيل والزيتون وبعض أنواع النباتات الشوكية القصيرة وما إليها، غير أن كثافته ضعيفة( ).

2) كلمة “تافراوت” لغويا:

اسم مفرد مؤنث قد يجمع على “تيفراوين” أو “تيفرْوين”. ومفرده المذكر هو “أفراو” والذي قد يجمع على “إفراون” أو “إفروان”.

ويطلق اسم تافراوت حسب ما أتيح لنا جمعه من المعطيات ذات الصلة على ستة أشياء:

– ورقة الشجر( ).
– جناح الطير( ).
– الحوض أو الصهريج الذي يتم بناؤه لتجميع وتخزين المياه ( ).
– خشبة محفورة في شكل نصف الدائرة المستطيلة توضع على جانبي وِهدة أو مسيل كقنطرة صغيرة أو جسر صغير لربطهما قصد تسهيل مرور المياه من أحد الجانبين إلى الآخر( ).
– خشبة يحفر وسطها طولا مع ترك حاجزين في رأسيها، تستعمل لسقي البهائم أو علفها( )، وأيضا لغرس بعض الزهور المنزلية( ).
– الميزاب الذي يُركّب في سطوح المباني لصرف مياه الأمطار عنها، بشكل يمنع سيلانها على واجهات جدرانها( ).

3) تافراوت في الاصطلاح الطوبونيمي:

يصنف اسم تافراوت من بين الأسماء الجغرافية التي تطلق على المجمعات المائية( )، ولقد وقفنا له على ست دلالات ذات الصلة بالاصطلاح الطوبونيمي، وهي:

– النطاق الصغير المخضر كيفما كان غطاؤه النباتي أو الشجري( ).
– المساحة العارية من النبات وسط الغابة بأعلى الجبال( ).
– المجال المنزرع داخل الغابة( ).
– المنخفضات الطولية وسط التضاريس العالية حيث تتجمع فيها مياه المسيلات النازلة من المرتفعات المحيطة بها( ).
– القمة الحادة التي تتساقط منها المياه كما تتساقط من ميازيب السطوح( ).
– المواقع المشابهة للميزاب، والتي هي عبارة عن ممرات طبيعية ضيقة حفرتها عوامل التعرية بين جدارين متوازيين( ).

4) عن تسمية “تافراوت” بهذا الاسم:

بناء على هذه المعطيات سنحاول مقاربة اسم المكان المعروف بتافراوت، للوقوف على دلالته في علاقته بالمكان الذي يحمله كما حدد أعلاه، وذلك من خلال الأسئلة التالية:
– هل ما يزال هذا الاسم يستعمل في اللغة المحلية؟
– ما الذي يناسب تافراوت من بين المعطيات التي تقدمها الاصطلاحات الطوبونيمية الواردة أعلاه؟
– لماذا تتم إضافة تافراوت إلى “إيزورن” وإلى “أملن”؟

أ) تافراوت:

إن كلمة “تافراوت” ما تزال مستعملة لدى ساكنة المنطقة، وتطلق كما أكد لنا بعض من تحدثنا معهم في الموضوع على ميزاب صرف المياه عن سطوح المباني، وعلى الخشبة المستطيلة المحفورة في وسطها والتي تستعمل كجسر بين جانبي وهدة أو مسيل لتمرير المياه بينهما، وكذا على حوض غرس الأزهار المنزلية الذي يصنع بنفس الشكل الذي يصنع به الجسر المذكور( ).
فهل سميت تافراوت بهذا الاسم نظرا لشبه بين موقعها الجغرافي وبين الأشياء المذكورة التي تسمى محليا تافراوت؟
إن موقع تافراوت هو عبارة عن منخفض طولي ممتد جنوب – شمال، محصور بين كتلتين صخريتين عاليتين إحداهما ممتدة طوليا على جانبه الشرقي والأخرى على جانبه الغربي. وهو ملتقى لثلاثة أودية، اثنان منهما (وادي تافراوت ووادي تيزڭي) يخترقانه على امتداد طوله من الجنوب نحو الشمال( ).
هكذا يبدو موقع تافراوت مشابها للميزاب وللجسر الخشبي الصغير ولحوض الأزهار؛ التي يحمل كل منها اسم تافراوت محليا؛ من حيث شكلها، وبالخصوص منها الميزاب والجسر الخشبي اللذين يشبههما هذا الموقع من حيث شكلهما، وكذا من حيث جريان ومرور المياه بهما طوليا، وربما دون أن تتوقف تلك المياه أو تتجمع في وسطهما.

ربما هكذا أطلقت كلمة تافراوت على المنطقة، وذلك من باب ملاحظة الشبه وتطابق الأسماء على مسمياتها، كما جاء في كتاب “تافراوت ومدرستها العتيقة”( ). ومما يعزز هذا الافتراض ويعضده، تعريب “تافراوت” في العقود القديمة، التي وقفنا على نماذج منها، بـ”المزابة” تصحيفا لكلمة الميزاب العربية( )، وكذلك نسبة سكان المنطقة إليها باسم “المزابي” أو “الميزابي” المقصود به “التافراوتي” أي المنتمي إلى أرض أو بلاد تافراوت( ). وإضافة إلى ذلك، أورد صاحب ديوان قبائل سوس( ) اسم “ميزاب السطوح” عند ذكره لـ”تافراوت”، وهي أيضا تسمية من تسمياتها.

ب) عن تسميتها بتافراوت يّيزورن:

إضافة إلى ورود “تافراوت” في ديوان قبائل سوس تحت اسم “ميزاب السطوح” الذي هو تعريب لـ”تافراوت يّيزورن”، وجدنا أيضا نفس الاسم في بعض ما اطلعنا عليه من عقود معاملات خاصة ببعض سكان المنطقة. هذه التسمية إذن كانت تطلق على المنطقة قبل أو إلى جانب الاسم “تافراوت” الذي أصبحت تعرف به الآن منفردا. وبما أن أسماء الأماكن لم تكن تطلق على مسمياتها هكذا اعتباطا، فإنه لابد وأن لتسمية المنطقة بالاسم المذكور دلالة ينطوي عليها.

يبدو وكأن الساكنة المحلية من خلال إطلاقها لاسم ” تافراوت يّيزورن” على المنطقة، تريد أن تبين أنها سمَّتها بذلك على تافراوت التي بمعنى الميزاب، وليس على تافراوت الخاصة بعلف الماشية مثلا أو غيرها من الأشياء الحاملة لاسم “تافراوت” والتي ذكرت آنفا، وبذلك تبدو هذه التسمية كتأكيد على افتراض ذلك.

وربما تكون هذه التسمية قد أطلقت على المنطقة باعتبار أن تافراوت، هذا المنخفض الطولي، هو بمثابة الميزاب الذي من خلاله تُصرف مياه المرتفعات الممتدة على جانبيه، والتي يمكن نعتها بـ”إيزورن” أي السطوح لاشتراكها في صفة العلو والارتفاع.
كما أنه من الممكن أن تكون تسمية “تافراوت يّيزورن” قد أطلقت على هذا المكان بالنظر إليه من زاوية “أسيف وّامّلن” أو وادي أملن الذي تجري مياهها نحوه. إذ يبدو هذا الجريان من زاوية النظر هذه، كتدفق المياه من ميزاب يصرفها عن سطوح أو “إيزورن” قد ينعت بها حوض تافراوت لارتفاعه عن وادي أملن.

ج) عن تسميتها بتافراوت وّامّلن:

باسم “تافراوت وّامّلن” كانت تُعرف المنطقة لدى أهالي المناطق المجاورة لها، وحتى البعيدة عنها. وبها كانوا يميزونها عن غيرها من الأماكن المعروفة التي تحمل نفس الاسم، قبل أن تُعرف هي حاليا على الصعيد المحلي والوطني والدولي باسم “تافراوت” وتنفرد به.
فلماذا تضاف “تافراوت” إلى “أملن”؟

هناك من يرى أن ذلك هو فقط لمجرد تمييزها عن غيرها من الأماكن المعروفة التي تحمل نفس الاسم. وهناك من يعتقد أنها أضيفت إلى “أملن” نظرا لكونه المكان الذي توجد به، ومفسرا ذلك بـ “امتدادها من أڭرض غربا إلى أن تطل على وادي أملن شرقا”( )، وإن كان هذا التحديد خاطئا لأن “أڭرض أوضاض” يوجد جنوب “تافراوت” و”أملن” يوجد شمالها.

وإلى جانب هذين القولين، نفترض أن إضافة “تافراوت” إلى “أملن” هي من قبيل إضافة الجزء إلى الكل أو الفرع إلى الأصل. فربما دلت هذه التسمية على أن تافراوت كانت في ما مضى فرعا من فروع “أملن”.

ولإثبات هذا الافتراض أو نفيه، لابد من تمحيصه على ضوء ما عرفته المنطقة من أحداث ووقائع تاريخية، ينبغي البحث عنها فيما خلفه الأجداد من موروث ثقافي ما يزال ينتظر الالتفات إليه من طرف الباحثين. ومرة أخرى نجدد النداء إلى هؤلاء للاهتمام بالبحث في تراث المنطقة.

شاهد أيضاً

تقرير رسمي.. “المجلس الوطني لحقوق الإنسان”: تدريس الأمازيغية يسير بوتيرة بطيئة والحيز الزمني في الإعلام “ضيق”

أكد المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن “هناك تحديات مرتبطة بتعميم تدريس اللغة الأمازيغية، والتأخر في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *