“زلزال الحوز”: حين تتحول البطاقة الوطنية إلى أداة إقصاء

منتصر إثري

حين تضرب الكوارث الطبيعية، فإنها لا تستأذن أحداً، ولا تميّز بين ضحية وأخرى. غير أن الكارثة الحقيقية تبدأ أحياناً بعد الكارثة، لا خلالها. ذلك أن ما يُضاعف من معاناة المنكوبين ليس فقط فقدان البيوت والأحباب، بل الشعور بالإقصاء والتهميش في لحظة يفترض أن يتساوى فيها الجميع في الحق والكرامة. هذا ما تعانيه، اليوم، أسرٌ عديدة تضررت من “زلزال الحوز”، خاصة في جماعة وقيادة أسني، حيث تحوّلت وعود التعويض إلى سراب، والعدالة إلى استثناء.

من أكبر مظاهر الظلم التي تعرضت لها هذه الأسر هو إقصاؤها من التعويضات بسبب عناوين بطائقهم الوطنية، التي تتضمن المدن التي يعملون فيها. رغم أن العديد منهم لا يملكون سوى منازلهم التي دُمرت جراء الزلزال في المناطق المتضررة، إلا أن هذه الأسر حرمت من التعويضات بحجة أن بطائقهم الوطنية مسجلة في أماكن عملهم بالمدن.

هذا الإقصاء الإداري يعد جرحا جديدا يُضاف إلى جراح هذه الأسر التي فقدت الكثير، إذ لا يقتصر الضرر على خسارة الممتلكات فحسب، بل يمتد ليشمل حرمانها من الدعم الذي من المفترض أن يخفف من آثار الكارثة عليها. كيف يعقل أن تُحرم أسرة كاملة من تعويض تستحقه، فقط، بسبب عنوان في بطاقة التعريف الوطنية؟! وفي المقابل، استفادت أسر أخرى تسكن في منازل مهجورة وفي إسطبلات الحيوانات؟

إن هذه السياسة الإقصائية تُبرز مدى هشاشة منظومة التعويضات وغياب العدالة الاجتماعية في توزيع الدعم. كما تؤكد على قصور فهم الجهات المعنية لواقع الأسر المتضررة، التي تتنقل بين أماكن العمل والسكن، وغالبًا ما تعمل في المدن بسبب غياب فرص الشغل في القرى والمداشر.

على الجهات المسؤولة أن تدرك أن حجم المأساة لا يُقاس فقط بعنوان البطائق الوطنية، بل بالحالة الإنسانية التي تعيشها الأسر المتضررة وبمدى المعاناة التي تواجهها على أرض الواقع. منازل انهارت بالكامل، وأسر باتت مهددة بالتشرد، وأفراد فقدوا مأواهم وكرامتهم؛ هذه هي الحقيقة التي يجب أن تستند إليها السياسات الحكومية.

لقد آن الأوان لإعادة النظر في معايير الاستفادة من التعويضات، بما يضع حدا للاختلالات التي تجعل من القيد الإداري حاجزا في وجه حق إنساني لا يقبل التقييد أو الانتقاء. إن تعميم التعويضات ليشمل كافة المتضررين دون إقصاء أو تمييز ليس ترفا، بل التزام أخلاقي وقانوني. ويتعيّن على الجهات المعنية اعتماد معايير مرنة وواقعية، تستحضر خصوصيات الأسر المنكوبة وظروفها الاجتماعية، لاسيما تلك التي اضطرتها الحاجة إلى النزوح نحو المدن بحثا عن لقمة العيش.

إن معاناة هذه الأسر لا تُختزل في كونها مآسي فردية، بل تمثل جرحا جماعيا يُعري اختلالات منظومة التعويض، ويُبرز الحاجة الملحّة إلى مراجعة شاملة لآلياتها. فتكريس مبدأ العدالة الاجتماعية ليس مجرد شعار، بل هو أساس كل مجتمع يحترم كرامة أفراده. والتعويض عن الأضرار لا يُعد منة ولا امتيازا، بل هو حق أصيل يجسد مدى التزام الدولة تجاه مواطنيها، وحرصها على ضمان الحد الأدنى من العيش الكريم لكل من تضرر بفعل الكوارث.

أنقاض منزل كاتب هذه السطور

وتبقى هذه المعاناة دعوة ملحة للمسؤولين من أجل اتخاذ قرارات تُسهم في تحقيق الإنصاف وتسوية الملفات العالقة للأسر المقصية والمحرومة من التعويضات. فلا يعقل أن تتحوّل الكارثة إلى مناسبة لتعميق الفجوة بين المواطنين، بدل أن تكون حافزًا لتكريس المساواة. إن استمرار التجاوزات والتأخّر في الإنصاف لا يزيد المتضررين إلا إصرارا على الترافع و”النضال”، خاصة وأن الكوارث لا تفرّق بين الناس، بينما الظلم والتمييز يضاعفان آثارها ويفاقمان تداعياتها النفسية والاجتماعية.

فكاتب هذه السطور ما يزال، حتى اليوم، يطارد أثر بطاقة إقامة في قريته التي فقد فيها منزله بالكامل؛ منزل شيده حجراً فوق حجر، بجهده وعرقه، ونسج بين جدرانه أحلامه وتفاصيل حياته. ورغم هول المأساة وفداحة الفاجعة، تم استبعاده من لوائح التعويض، وجُرّد من أبسط حقوقه في السكن اللائق، بمبرر “عنوان بطاقته الوطنية”، وكأن الزلزال سأل الضحايا عن عناوينهم قبل أن يهدم بيوتهم!.

اقرأ أيضا

علي صدقي أزايكو المفكر الذي سبق زمانه

أستغرب كيف يجرؤ البعض على التشكيك في مكانة الدكتور المرحوم علي صدقي أزايكو. إن هذا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *