ظاهرة بوجلود – بيلماون بسوس أو “ربع عجام وايزم اوكرثيل” بالأطلس المتوسط “أنموذج قبائل ايت اسكوكو”

بقلم: اكضى الحسين – باحث في التاريخ والتراث

كلما حل عيد الأضحى طفت على السطح ظاهرة بوجلود – بيلماون بسوس كظاهرة احتفالية وفرجوية انتقلت فيما بعد إلى كرنفال يجول دروب بعض المدن بالجنوب المغربي (الدشيرة، ..) ظاهرة أنجزت حولها مجموعة من الدراسات التاريخية والانتربولوجية والسوسيولوجية (ادوارد فيستمارك، ادموند دوطي، عبد الله حمودي..) وعديد من المقالات بالجنوب المغربي أو شماله (وزان) بحيث لم يكتب لي الحصول يوما على أي دراسة لهذا الموضوع بوسط المغرب.

ولكن بالعودة الى تاريخ الذهنيات نجد أن الإنسان الامازيغي بالأطلس المتوسط مازالت ذاكرته الجماعية تختزن مجموعة من أنواع التراث اللامادي الذي يحتاج إلى من يحمل المعول للنبش والحفر والتنقيب عليه.

فظاهرة “ربع عجام وأ وايزم اوكرثيل” أو ما يسمى بيلماون أو بوجلود بسوس أصيلة لدى الامازيغ، وليس مستوردة أو دخيلة على ثقافتهم كما يتوهم بعض الجمهور من المستلبين بل هي جزء من عادات وتقاليد الامازيغ، وتختلف بعض طقوسها واحتفالاتها من مجال إلى أخر، ولكن اغلب الباحثين يربطونها بالمناسبة الدينية (عيد الأضحى) عكس ذلك ما ذهبت اليه الأستاذة والمحافظة على التراث الامازيغي فاطمة توفيق من قبائل ايت اسكوك ومريرت حيث قالت “ان هذه الظاهرة الاحتفالية كان يحتفى بها بقبيلة ايت موسي بايت اسكوك وبمنطقة فلات في فصل الخريف بعد نهاية كل موسم فلاحي وخاصة بعد حصاد الذرة في أواخر القرن 20م، حيث يجتمع أهل الفبيلة في حفل بهيج، وبهذا اليوم تظهر شخصية بهلوانية يتنكر في لباس جلدي مزكرش يشبه النمر (ثاهيثورث اوغلياس) يطوف حول الخيام المخصصة لهذه المناسبة، يضحك الأطفال ويفزعهم في أن واحد ويدخل وسط الخيام ويردد مع الشيوخ  أهازيج أمازيغية من مثيل “اداي نيني نبي ايك ولوين واربي ثشمعيث …..سيدني ايدمار اشكينث ثيلاس – بدرت بدرت ماكنان ديكون سيدي نبي اداسيكس القنض ايولو….) اذن هي شخصية زائفة وغير حقيقية تخلق الفرجة وسط جمهور القبيلة.

أما العودة إلى ظاهرة بوجلود المرتبطة بعيد الأضحى والتي هي ظاهرة تراثية قائمة بالأطلس المتوسط إلى أواخر التسعينات من القرن 20م والتي يطلق عليها العديد من الأسماء “ربع عجام و” او “ايزم اوكرثيل ” فه وتراث لامادي امازيغي كان ينظمه شباب  ويافيعين من كل قبيلة أو دوار (اسون) في ليلة يوم العيد أو الموالية لها، ويتخذون اكسسوارت هذا الحفل اغلبها من بقايا الأضحية من مثيل الجلد سواء كان للمعز والغنم والقرون، يضاف إليها حصير مزكرش (اكرثيل بولقيضن) ويختار شاب من الدوار (اسون) ا والقبيلة على أساس موصفات يجب ان تتوفر في شخصيته كالشجاعة وإتقانه للتمثيل والضحك وفصاحة اللسان وكثرة المرح وتوضع له لحية من شعر المعز وقرون من الشاه ويصبغ وجهه بالفحم ويلبس له الحصير على شكل سلهام، وينتظرون غروب الشمس لانطلاق الكرنفال يتقدمهم “ازم اوكرثيل” اي أسد الحصير في ظلام دامس ينتقلون من خيمة إلى خيمة أو من دار إلى أخرى، وتستمر قافلة الهرج والمرح أمام جميع اسر القبيلة، وعندما يصلون إلى أمام سكن أو خيمة ما، يتم ترديد كلمة جماعة “الربع عجام و “بأصوات مختلفة، وهي إشارة الى ربع من الأضحية وهذا ما أدى إلى تسمية هذه الظاهرة بهذا الاسم (ربع عجامو) لدى أوساط قبائل ايت اسكوك و (ايت سيدي احمد احمد انموذجا) ونفس الوقت يخلق “ازم اكرثيل” عروض مسرحية فنية يضحك ويخلق مشاهد من الفرجة يمرر رسائل يحث من خلالها صاحب الخمية والمنزل (كان رجل امراة) التفاعل الايجابي معهم بقطع ربع من الأضحية لهم فهي من نصيبهم، وفي حالة تحقيق هذا التفاعل يزداد التهريج  والفكاهة والدعاء لصاحب الخيمة  ولأسرته أو التنويه به والتكبير به (اخام اكسواث، لالاوخام) وهكذا ينتقل الكرنفال إلى المنزل المجاور، عند التفاعل السلبي مع مطلب الكرنفال يتسلل احد مساعد “ايزم اوكرثيل” إلى داخل المنزل أو الخيمة ويخلق نوع من الشغب وتكسير بعض الأعراف الاحترام لإظهار له قوة الشباب وليصل الرسالة أن ذلك المطلب (ربع من الأضحية) حق للشباب ويافيعين القبيلة وواجب على صاحب المنزل أو الخيمة بمنحه، وفي حالة وصولهم إلى باب منزل أو خمية وأهلها في نوم عميق يتسلل احدهم إلى المطبخ (المسي) بشكل سري، ويأخذ رأس الأضحية من (الكدرة) الذي غالبا يطبخ ليلا للفطور به، وعندما ينتهي الكرنفال الذي جال جميع الأسر الخاضعة لمجال القبيلة أو الدوار، في النهاية بحيث يحصلون كميات وافرة من اللحوم ومن لوازم أخرى، فقبل انتشار كل واحد منهم الى منزله أو خيمته يتفقون على محل احدهم “كان سابقا يجتعمون مباشرة عند محل امغار القبيلة” الذي سوف تنظم فيه ليلة الوليمة تكون ليلة يحضر فيها مجموعة من أفراد القبيلة شيوخا وأطفالا ونساء ليلة تستعرض فيها فنون أخرى (شعر، احيدوس، حكايات..) وهي مناسبة يتذكرون فيها مغامرات “ايزم اوكرثيل ومساعديه”.

ونسجل أن هذا التراث الأمازيغي اللامادي لم يتم الحفاظ عليه في سياق التحولات التي عرفتها القبائل بالاضافة الى ما كان يتعرض له التراث الامازيغي من تحقير وتهميش واساءة من طرف تجار الدين والمستلبين شانه ذلك شان مجموعة الاعراف الامازيغية الايلة للزوال، قيس على ذلك تنكر اغلب سكان الاطلس المتوسط لكل عاداتهم وتقاليدهم واصولهم ولغتهم كلما هاجروا من القبيلة عكس أهل سوس الذين يهاجرون مع ثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم كلما حلوا وارتحلوا.

شاهد أيضاً

«مهند القاطع» عروبة الأمازيغ / الكُرد… قدر أم خيار ؟!

يتسائل مهند القاطع، ثم يجيب على نفسه في مكان أخر ( الهوية لأي شعب ليست …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *