قراءة في ديوان “أسكلو إمغين غوزرو ” للشاعرة الأمازيغية فاطمة الزروقي

Exif_JPEG_420

نبذة من حياة صاحبة الديوان:

قبل الولوج إلى عالم الديوان وما يحمله من قضايا وثيمات، نشير إلى أن الشاعرة فاطمة رزوقي، ابنة أكرنان جماعة غسات، أول تلميذة درست وسط التلاميذ الذكور في السلك الابتدائي لمنع السكان التحاق الفتاة  بفصول الدراسة كالذكور، سافرت لمتابعة دراستها في المدينة دون رفقة أبويها في القسم الداخلي، وتعتبر  أول بنت تعمل مع أول فوج المستخدمين من جمعية آفاق لذوي الاحتياجات الخاصة. حاصلة على شهادة الكتابة بلغتين، مسيرة ومسوقة منتوجات أربع وثلاثين  جمعية بمركز تسويق المنتوجات النسوية لمدة سبع  سنوات ، أول بنت أسست جمعية نسوية بتالوين اكرنان، وهي حاملة مشاريع محوة الأمية وما بعد محو الأمية…فاعلة جمعوية بامتياز، شاركت في لقاءات تواصلية وتكوينية حول قضايا المرأة وحقوقها، وهي شاعرة وباحثة في التراث الأمازيغي.

ـ صورة غلاف الديوان:

لوحة فوتوغرافية تتصدر مفرداتها شجرة متشابكة الغصون بجذع يشق الحجر، ويتحدى صلابته، وهي صورة مباشرة تترجم العنوان، وتعكس فحواه. وتغري بقراءة قصائد الديوان.

عنوان الديوان “الشجرة النابتة في الحجر”

في كل قراءاتي لدواوين الشعر الأمازيغي وغيره، ألح على أخذ أهمية العنوان بعين الاعتبار لأهميته في الدفع بالقارئ إلى الانخراط في قراءة المكتوب، فالعنوان هو لب الديوان أو صلبه الذي يجسد معالمه وموضوعات تعبيراته…

والعنوان الجيد في اعتقادنا هو العنوان الذي يضم إيحاءات عامة حول أجواء العمل الإبداعي، كاشفا لبعض ما يعتمل في الأجواء التي يرسمها الشاعر بمشاعره ضمن قوالب إبداعية خاصة به.

لأجل ذلك احتل العنوان في الدراسات النقدية السيميائية ونظريات التلقي مكانة بارزة منحته مركزية السلطة التي تؤسس لطاقة توجيهية هائلة وحيل بلاغية مكثفة تستوقف الذهن وتنشط خياله بشحنات الانزياحية الغثة، وللعنونة طاقة فنية جمالية آسرة تنتهج أفعال المراوغة والاختلاف والإرجاء في استدراج ُمحاورها وإكراهه على الرضوخ لفتنتها الآخذة وللعناوين أيضا قواعده الاختصارية التي تضمن سرعة استجابة الآخر من دون منحه زمناكافيا للتفكير كما أن لها جانبها المعرفي المثري لوعي القارئ والمدعم لمكتسباته الثقافية.

من هنا تتكفل هذه الدراسة بالوقوف على أهمية العنوان في النص الأدبي مع الإشارة إلى وظيفته ومكانته، مبرزة في ذلك جانب الإغواء والإثارة، فالعنوان علامة لسانية، و يتشكل من دال ومدلول، ودور القارئ والجمهور هو الربط بينهما لتحقيق الدلالة التي يستدل بها لإدراك محتوى النص، فهو يركز على وظائف ثلاث : (التعيين- تحديد مضمون النص- التأثير على الجمهور.1.

وعنوان الديوان المستهدف بالدراسة والمراجعة جاء جملة اسمية ” الشجرة النابتة في الحجر” محذوفة الخبر، وهذا الحذف يجعلنا ننخرط في تأويلات تقديره، وهي تأويلات يتحكم فيها المعنى والمضمون الذي تحمله الجملة.

فالعنوان يوحي بالتحدي، بالتضحية، بالصبر المثمر، بالصلابة الشديدة…فالشجرة عادة يحتاج نموها إلى تربة جيدة نقية خالية من الأعشاب الضارة، وتكون مزيجا من التربة الرملية والطينية، مع اختيار نوع الشتلة الجيدة والمحققة للنمو السريع ، وغرسها بالشكل المطلوب وفق تعليمات خبراء الإنبات، علاوة الري والمحافظة على رطوبة التربة…

ونادرا ما نجد الأشجار تنبت في قلب الصخر والحجر، وإن وجدت هذه الأشجار بأسمائها فهي نادرة، مثل شجرة “القنفر” في الإمارات العربية، وشجرة” أجكال” المكتشفة في تيزنيت ، ومنها شجيرة “الفرفار” التي تتحدى وتنبت في التربة الصخرية، وتوجد بِدُبي…

فعنوان النص آخذ من هذه النذرة في التحدي والاختراق لعوامل المنع والحد من تحقيق المراد.

قصائد الديوان

يتألف الديوان من 42 صفحة من الحجم المتوسط، ويتضمن القصائد الآتية:

ـ صرخة معاق = تغويت نمسعدر.

ـ الزهور التي لا تذبل = إجديكن أوريتسلاون.

ـ أصابع اليد الواحد = إضودادن نيان أفوس.

ـ القمر= أيور.

ـ جمعيتي/ تامسمونت إينو

ـ بلدتي “أكورنان”

ـ بنت بلدتي = أولتمزيرتينو.

ـ اللغة الامازيغية=أوال ن تمازيغت.

ـ بعض أطفال هذا الزمان = كرا ن تاروا ن غيلا.

ـ إلى من أنتسب؟ وين ما د كيغ.

ـ أينك يا أمي؟ = ما نزاكم آييمي؟.

وبعض عناوين القصيدة تعكس بصورة أو بأخرى ما يوحي إليه العنوان، ويمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام هي:

1 ـ عناوين تدل دلالة مباشرة على نوع من الاحتجاج والرفض والتحدي، وهي :صرخة معاق، والزهور التي لا تذبل.

2 ـ عناوين تدل على طلب العطف والتخليص وهي : أمي ـ  إلى من أنتسب ـ بعض أطفال هذا الزمن.

3 ـ عناوين لها علاقة بالانتماء: بلدتي اكورنان، بنت بلدتي، اللغة الأمازيغية.

عنوان الديوان وعناوين القصائد ترسم لنا التوقع المضموني والتعبيري لمحتويات الديوان. وعليه اعتمدنا على هذا التقسيم الثلاثي لقراءة قصائد الديوان قراءة ثيماتية موضوعاتية فحسب.

1 ـ ملمح التحدي في الديوان:

تحت هذا العنوان الذي اخترناه ضمن  تصنيفنا لنصوص الديوان، قصائد بها ما يدل على التحدي والتصدي لوهن النفوس، وهو تحد كثيرا ما يأتي من قبل محتقر مهمش يريد إثبات قدرته على فرض نفسه كالآخرين.ولقد قدر الله عز وجل على بعض خلقه نقصان شيء من أجسادهم مختلفين عن الأصحاء، نقصان يتحول إلى ميزة تدفعهم إلى الكد من أجل إظهار النجاح في مجالات  يعجز كثير من الاصحاء على النجاح فيها.

في قصيدة صرخة معاق، تعبر الشاعرة عن انخناقها وانحباسها بعيدا عن يد تساعدها في التخلص من هذا القيد في وقت فيه راعيها تحاصره الأمواج، ولا تستطيع الوصول إليه، وهي بذلك بمثابة طائر بلا ظل في حقل… وهنا تتعاظم ماساتها وهي بعيدة عن مرادها سبب رعايتها…وهي بذلك تروم حقوقها، في بيئة ترى فيها إهمالا ، ومع ذلك تبعث في نفسها أملا في النجاة والوصول إلى بر الأمان، وهي تؤكد عدم الإصغاء إلى طلباتها، فصرخاتها مهما كانت مدوية لن تجد لها من يستقبلها ويستوعبها ليستجيب لها…وفي ذات القصيدة تتفاءل وهي ترى الفضل لملك البلاد والدستور، حيث تسطير الحقوق وفتح الأبواب لتحقيق ما يراد ويبتغى.

وذات التحدي نجده في قصيدة “الزهور التي لا تذبل” تتحدث الشاعرة عن تحدي فتاة اليوم،ليصير لها تواجد مكثف في المجتمع المغربي بصفة عامة، فامرأة هذا الزمان دركية طبيبة ممرضة سائقة قاضية مقارنة بامراة بلدتها التي ما تزال المحتطبة ، الحاملة لأطفالها و الحاصدة في الحقول، لكنها المربية للرجال…وهي تشير إلى مكانتها، تشير إلى فضل ملك البلاد في ما وصلت إليه من التمتع بحقوقها.

2 ـ ملمح  الانتماء والهوية:

خصصت الشاعرة بعضا من قصائدها للتعبير المباشر عن انتمائها وهويتها الأمازيغية التي تزهو بها وتتعلق بها تعلق الابن بأبويه، وتعلق الفرع بأصله، نجد ذلك مثلا في قصيدة ” لغتي أمازيغية”

وفي القصيدة تشير إلى علاقتها الحميمية بلغتها الامازيغية، فهي تسري في ذمها وشرايينها ، تعتز بها مشيدة بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي جعلها تحقق كثيرا من غاياتها، بل أصبحت لغة للتدريس والقراءة والكتابة.

قصيدة فتاة البلدة أو تمازيرت

ترى فيها الفتاة القروية وهي تتحمل مسؤوليتها اليومية بفرح ولذة، هذه الفرحة والسعادة التي ترى الشاعرة كونها لا تقتصر على الأموال والقصور، وإنما تنبع من النفس، من الاعتزاز بالأعمال التي نمارسها.

قصيدة جمعيتي “آفاق”

فيها امتداح للجمعية لما تقوم به من أنشطة تربوية وترفيهية وحرفية لفائدة ذوي الاحتياجات الخاصة…جمعية محتضنة متعددة الفوائد والإيجابيات.

قصيدة بلدتي ” أكورنان”

تمتدحها وتثني عليها وتشيد بها، وتجعل حبها  في مستوى حب الوالدين، مشيرة إلى مزايا فتيانها وفتياتها وكل أهلها المعروفين بالحياء والمروءة، ولم تنس الإشارة إلى الحرف الأمازيغي المقاوم للزمان ليخلد حتى يصير له وجود ملموس في حياتنا.

في قصيدة ” أصابع اليد الواحدة” تناولت الشاعرة الحديث عن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، المهتم بالثقافة الأمازيغية دراسة وترجمة وتوثيقا، حفاظا عليها وتطويرا لها، معتبرة المغاربة مواطنين بغض الطرف عن لغة حديثهم، فهم بمثابة أصابيع اليد الواحدة متحدين متحملين مسؤولية التقدم بالبلاد مع حمايته من كل مكروه.

والشاعرة لا تكاد تخلو قصائدها من تمسكها بوطنيتها وبدينها، وباعتبارها من ذوات الاحتياجات الخاصة فهي تطمئن نفسها، بإيمانها بقدر وقضاء وحماية الله تعالى، كما في قصيدة أيور ، وفيها تعتبر هذا الأخير بعيدا صعب المنال أمام الحاقدين، ورفعته من خالقه عز وجل، رفعة لا أحد يستطيع سلبها منه، وبأي حال من الأحوال.

ير وسيلة للتعبير.

3 ـ ملمح الشعور بالحرمان والشوق إلى الماض:

إن الشعور بالتحدي في ديوان الشاعر لا يخفي ولا يبعد شعورها بالنقص العاطفي والحرمان من الرعاية بمواصفاتها التامة، علاوة على نظرة شبه انتقادية لما يجري أمامها من تصرفات تصدر من جيل هذا الزمان. وفي قصيدة ” إلى من أنتسب؟”

ترى الشاعر انها لم تختر أبيها ولا أمها، وجدت نفسها فوق الأرض كباقي الناس، وتشير الى معضلات من ينشأ في أيد غريبة بدل أيدي والديه، حيث الحرمان من الرعاية والأمن والتقدير…

قصيدة ” أينك يا أمي”:

وفيها تعاتب الشاعرة الأم المتلهية عنها بالتلفاز أو الأعمال اليومية، في الوقت الذي ترى نفسها المستحقة للاهتمام والتقدير بالدرجة الأولى.

أما في قصيدة بعض “فتيان هذا الزمن” فتقارن بين فتيان وتلاميذ هذا الزمن والزمن الفائت، الفتاة لا تبالي، ولا تستقر في بيتها تعين في أعماله ، والفتى متمرد محتج…الشاعرة تتحسر وهي تعيش في فضاء جيل يخالف جيلا سابقا في كل التصرفت والتفكير والتوجهات.

نظرة عامة حول الديوان:

إن ديوان الشاعر فاطمة، رغم قلة قصائده مؤشر على امتلاكها موهبة يمكنها أن تزيد من صقلها عبر مزيد من الكتابة، بحثا عن كل القوالب الفنية والتعبيرية التي تمكنها من تعميق تجربتها الإبداعية، علما أن كل مهارة تتحقق بالتراكم والممارسة المتواصلة.

ويبقى ديوانها تجربة لها خصوصياتها، وتجربة تنضاف إلى تجارب الشعراء المعبرين باللغة الأمازيغية بورزازات ونواحيها وبكل ربوع المغرب.  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هامش :

ـ 1ـ   مجلة أمارات في اللغة والأدب والنقد المجلد:05 العدد:02 السنة:2021 ص:151.

بقلم :لحسن ملواني ـ كاتب مغربي

اقرأ أيضا

علي صدقي أزايكو المفكر الذي سبق زمانه

أستغرب كيف يجرؤ البعض على التشكيك في مكانة الدكتور المرحوم علي صدقي أزايكو. إن هذا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *