أخبار عاجلة

ميلاد ربيع أمازيغي جديد

منتصر إثري

اختفى الفعل الاحتجاجي الأمازيغي من الشارع لما يقارب خمس سنوات، ما زرع الشك في نفوس مناضلين ومناضلات كانوا، على مدى عشر سنوات، يصدحون في الشوارع، ملأت حناجرهم الساحات والميادين صراخًا، وتلألأ العلم الأمازيغي واليافطات والشعارات والمطالب المرتبطة دائمًا وأبدًا بهموم الإنسان الأمازيغي البسيط.

تجربة “تاودا” سنة 2012 شكّلت انطلاقة شبابية لجيل جديد تشرب أمازيغيته واقتنع بها، وأظهرت للنخبة التي ناضلت وقاومت طيلة سنوات في معارك فكرية ومحاججات ثقافية، وواجهت كل الأفكار والتصورات الاختزالية لقضايا الهوية والثقافة، أن هذا الجيل المتكتل الجديد قوة قادرة على قيادة السفينة بعزيمة وثبات، وتيقّنت أن المشعل لن ينطفئ.

مبادرة “تافسوت مراكش” يوم 20 أبريل 2025، لم تخرج عن هذه السيرورة والدينامية الشبابية، بروح من المسؤولية والالتزام والاقتناع بخطاب الحركة الأمازيغية، المتشبع بقيم الحرية والحداثة والنسبية والعقلانية. فتجندت كوكبة من المناضلات والمناضلين، وتسلّحوا بروح المسؤولية والرزانة، لتخليد هذا الربيع في مدينة مراكش. شباب وشابات معروفون بنضالهم وتضحياتهم، أغلبهم خريجو الحركة الثقافية الأمازيغية ونشطاء الحركة الأمازيغية، تجردوا من كل الحسابات، واتفقوا على أرضية وتصور وسياق يفرض العودة إلى الشارع، في مكان لم يكن اختياره عبثًا، مع تبني ملفات اجتماعية حارقة، أبرزها معاناة ضحايا الزلزال، ونزع الأراضي، والاعتقالات.

وهكذا كان. نقاشات ولقاءات، وروح من المسؤولية، اتفق الشباب على أرضية جامعة وشاملة، وانطلقوا في طريق العودة إلى الشارع والتطبيق العملي. تقاطرت البيانات والبلاغات من مختلف التنظيمات والهيئات الأمازيغية، ومن تنسيقيات وجمعيات المجتمع المدني، في مشهد يعكس انخراطًا أمازيغيًا مسؤولًا ومتحمسًا في المبادرة. وفي الجهة المقابلة، برز شباب متمرّسون في النضال الأمازيغي، أبانوا عن رصانة وحنكة تؤكد أن القضية ما زالت في أيادٍ وفية ومؤمنة بخطها الميداني. فكانت “مسيرة تافسوت” بمراكش، في ربيع 2025، كطائر الفينيق، تنهض الحركة الأمازيغية من رماد الركود والاستغلال السياسوي الضيق لقضيتها، ومن محاولات تقزيمها ومحاصرتها كأنها قضية هامشية، لا قضية هوية ووجود.

صباح الأحد 20 أبريل، تهيأ الجميع، وبدأت الأعلام الأمازيغية تغطي شوارع المدينة الحمراء، والحناجر تصدح وتصرخ ضد الإقصاء والتهميش، وترفض استمرار المعاناة التي يعيشها الأمازيغ جراء الانتهاكات الحقوقية التي تمسّ مختلف مجالات الحياة، خاصة ضحايا الكوارث الطبيعية، وعلى رأسهم ضحايا زلزال الحوز، الذين يعانون في الخيام، وإقصاء عدد كبير من الأسر المتضررة من الدعم والتعويضات، إضافة إلى ضحايا الفيضانات ونزع الأراضي.

صرخ المتظاهرون في وجه الإرادة السياسية للدولة، في ظل تشريعات تُشرعن التهجير، وتكرّس نزع الأراضي، وتُقنّن سلب الحريات… كما شجبوا المقاربة السلطوية في التعامل مع ضحايا الكوارث الطبيعية، وعدم جدية الدولة في إدماج الأمازيغية في مناحي الحياة العامة. واستحضروا تغييب اللغة والثقافة الأمازيغيتين في المحافل الدولية، وكأن الأمازيغية لم ترتقِ بعد لتكون سمة مميزة للبلاد، بل تُعامل كملف داخلي مزعج يُدار حسب المناخ السياسي.

مسيرة “تافسوت” بمراكش ستكون لها تبعات، وفرصة جديدة للتكتل والوحدة، مع ضرورة وضع خطط عمل واستراتيجية محكمة تحصّن الفعل الاحتجاجي الأمازيغي، وتضمن سيرورته واستمراريته، باعتباره ورقة ضغط حقيقية، بعيدًا عن “بورصة السياسة” و”التناول السياسوي الضيق” للقضية الأمازيغية.

وقوة الحركة الأمازيغية تكمن في هذا الاختلاف والتنوع في الآراء والأفكار والتصورات والأولويات، وفي العمل المشترك، كما هو جليّ في المجهود الكبير الذي قام به المبادرون إلى مبادرة مراكش. إنها انطلاقة جديدة، وربيع أمازيغي آخر لقضية تتمرد على كل من يحاول احتكارها أو اختزالها أو حتى استغلالها لأهداف لا تخدمها، ولا تُكرّسها كقضية هوية ووجود.

اقرأ أيضا

بقلم: الحسين بوالزيت - صحفي وباحث في التاريخ

التحوُّل في الآداب العالمي: غريغور سامسا في رواية الاديب التشيكي فرانز كافكا ولوسيوس بطل رواية الجحش الذهبي لافولاي.

تدور أحداث الرواية حول شخصية غريغور سامسا، وهو موظف بسيط في شركة للأسفار، يستيقظ ذات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *