آنين مواطن غير مُقيم

منتصر إثري

بمجرد ما انطفأت محركات الكاميرات، وتوقفت القوافل التضامنية التي حجت في مشهد إنساني منقطع النظير إلى المناطق المنكوبة، مباشرة بعد ليلة الثامن من شُتنبر الماضي، يوم باغث “زلزال الحوز” القرى الهادئة والآمنة في سلسلة جبال الأطلس الكبير وخلّف فيها دمارًا هائلًا وقتلى بالـألاف، وحوّل ما تبقى من سكانها إلى مُشردين يبحثون عن مأوى يَقيهم من الظروف المناخية الصعبة التي تشهدها المنطقة، ولم يجدوا في الأخير إلا “خيام” أغلبها تبرع بها “محسنون”، ومعها اعتقدوا بأن الأزمة لن تطول وبأن التفاعل الرسمي الفوري سيكون في مستوى التفاعل الشعبي ويأتي عليهم بالخير والنفع وينسيهم هول الكارثة التي ألمت بهم، حتى وجد أغلب المتضررين أنفسهم يواجهون مصيرهم بأنفسهم، يتسارعون ويتصارعون من أجل التأكد من وضعيتهم ومكانتهم إن تواجدت ضمن المستفيدين من دعم الدولة لأجل العمل على إعادة إعمار منازلهم المُدمرة.

كان الطريق الرابط ما بين تحناوت، عاصمة إقليم الحوز، والقرى والبلدات المدمرة من جراء زلزال عنيف لم يشهده المغرب منذ أزيد من قرن، على مدى الأيام والأشهر الماضية، ولا يزال، مسرحا يشهد نشاطا غير مألوف، أبطاله متضررون بالمئات، ينتقلون عبر مجموعات إلى مقر العمالة التي جعلوا من ساحتها الأمامية موعدا يوميا. يتساءلون ويبحثون وينتظرون أجوبة، هي أجوبة فضفاضة وغير مقنعة في كل الأحوال، بشأن مصير ملفاتهم التي تأخرت أكثر من اللازم.

في باب العمالة يَستقبلونك بعد التأكد ما إن كانت زيارتك مرتبطة بأسئلة أو شكاية بشأن الزلزال، بأنهم غير معنيون وبأن عامل الإقليم أوصاهم بعدم تلقي الشكايات، وعلى المشتكين العودة بشكاياتهم إلى مقر قيادتهم. دون الحديث عن التعامل الفج لبعض الموظفين مع المتضررين. وإن كنت محظوظا ووصلت إلى مكاتب اللجان المعنية، فأبوابها تستقبلك بلافتة معلقة في كل باب على حدة مكتوب عليها “ممنوع الدخول”!! ولكم أن تتخيلوا مكاتب معنية بمشاكل المتضررين، تطالبك بعدم الدخول إليها. أما بعض هؤلاء الموظفون الذين يتلقون أجرتهم الشهرية وتعويضاتهم من أموال الشعب المغربي ودافعي الضرائب، يتعاملون مع البسطاء هناك وكأنهم في منازل أو ضيعات خاصة بهم وليس في إدارات ومؤسسات عمومية ملزمة بالرد على شكايات وتساؤلات المواطنين والتفاعل مع مطالبهم.

وهنا لا بد من تذكير هؤلاء بمقتطف من نص الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح البرلمان بتاريخ 14 أكتوبر 2016، عندما قال أمام من المفروض أنهم يمثلون هذا الشعب داخل مؤسسات الدولة، لكن غابوا تماما بعد الفاجعة ولم نجد لهم أثرا إلى حدود اليوم، حيث قال “من غير المقبول، أن لا تجيب الإدارة على شكايات وتساؤلات الناس وكأن المواطن لا يساوي شيئا، أو أنه مجرد جزء بسيط من المنظر العام لفضاء الإدارة. فبدون المواطن لن تكون هناك إدارة. ومن حقه أن يتلقى جوابا عن رسائله، وحلولا لمشاكله، المعروضة عليها. وهي ملزمة بأن تفسر الأشياء للناس وأن تبرر قراراتها التي يجب أن تتخذ بناء على القانون […] “.

لكن مع الأسف، أغلب الإدارات المغربية تضرب كل التعليمات والالتزامات الملكية عرض الحائط، وتتجاهل القانون والدستور، وتستعرض عضلات الشطط على المواطنين البسطاء، وهذا الأمر يجري تماما مع ضحايا الزلزال بمختلف الأقاليم المعنية، فجل ما جاء في التعليمات الملكية توقف بمجرد سكون هدير “محركات الكاميرات” وتحولت بوصلة الرأي العام الوطني والعالمي اتجاه ما يجري من مجازر يندى لها جبين الإنسانية في فلسطين، وبالتالي تُركت الآلاف من الأسر تواجه مصيرها في خيام تنعدم فيها أبسط شروط العيش الكريم، ووسط جبال تشهد ظروفا مناخيا قاسية في هاته الفترة على وجه الخصوص.

فما يعيشه المتضررون من الزلزال في خيّامهم بسلسلة جبال الأطلس الكبير، أسوء بكثير من “10 ثواني” التي مرّت عليهم يوم 08 شتنبر المُنصرم، والظروف القاسية مع هذا البرد والظروف المناخية، والتعذيب النفسي المُمارس على البسطاء هناك من جراء التأخير الحاصل في الاستفادة من “دعم الدولة” المعلن عنه، وما يشعرون به من “الحكْرة” و “الحرمان” و “الإقصاء” يُضاهي ليلة فقدان منازلهم، أهلهم، ذويهم ومواشيهم.

وهذا ما يبرز الفشل الكبير جداً للسلطات المحلية والإقليمية في تدبير تداعيات الزلزال على مستوى المناطق المنكوبة، وقد أبانت هذه السلطات عن فشل ذريع في التعامل مع معاناة المُتضررين الذين يواجهون المصير المجهول. فجل المسؤولين تحولوا إلى “ظواهر صوتية” يُرددون جُمل متقطعة غير مفهومة ويجتهدون في ممارسة سياسة الهروب إلى الأمام، ويُبررون إقصاء الآلاف من الاستفادة من دعم الدولة المُعلن عنه “بكلام خشبي” لا سند قانوني ولا رسمي له!

فالصورة الجميلة التي قدمها المغاربة إبّان كارثة 08 شتنبر والتفاعل الرسمي الفوري، “مرغها” تعامل السلطات المعنية مع مطالب وشكايات الضحايا ما بعد الكارثة مما يُنذر بانفجار شعبي يطبخ على نار هادئة. إذ كيف يُعقل أن يرفض هذا المسؤول التفاعل مع شكايات المتضررين؟ ويمنع الأخر كُتاب الضبط من تلقي شكايات المواطنين؟ وبأي معيار يتم إقصاء أسر بكاملها من الاستفادة؟ في المقابل تستفيد أخرى تشبههم في نفس المعاناة من فقدان المنزل والعيش في الخيام و…؟ هل يُعقل أن يتم إقصاء أسر منازلها بها “شقوق مٌتدهورة وغير قابلة للسكن” بشهادة لجان الإحصاء؟!  وبأي منطق يتم إقصاء أناس فقدوا منازلهم بالكامل لمجرد أن “عناوين بطائقهم الوطنية” تحمل عناوين مقر عملهم بالمدن؟ هي أسئلة كثيرة تخامر المتضررين دون أن يجدوا لها أجوبة مقنعة حتى بعد مرور أربعة أشهر على الفاجعة التي قلبت حياة البسطاء رأسا على عقب وفتحت أمامهم أبواب المصير المجهول، خصوصا وأن أغلبهم فقراء وبسطاء ليس لهم أي مصدر دخل لمواجهة قسوة الزمن، زد على ذلك إعادة بناء منازل ورثوها عن أجدادهم.

والمثير للغرابة مع الدهشة والاستغراب بعد كل هذه المعاناة، هو عندما يلجأ متضرر من أبناء تلك الجبال والقرى المدمرة، وقد فقد كل ممتلكات أجداده وأهله وتحول منزله الشخصي والرئيسي إلى أنقاض، للبحث عن مصير ملفه، ليّتفاجأ بجواب مَفاده “أنت غير مقيم بصفة دائمة” !

شاهد أيضاً

«مهند القاطع» عروبة الأمازيغ / الكُرد… قدر أم خيار ؟!

يتسائل مهند القاطع، ثم يجيب على نفسه في مكان أخر ( الهوية لأي شعب ليست …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *