آيث بورمانة المجاهدة وجماعة أمجاو، فك العزلة أم تعميق التهميش؟

بقلم عبد الواحد حنو

تعتبر آيثبورمانة جزءا مهما من جماعة أمجاو إحدى الجماعات الأربع لقبيلة آيثسعيذ بإقليم الدريوش، يفصلها عن البحر الأبيض المتوسط سلسلة من التلال و الجبال، أبرزها جبل بوزيزا. وتمتاز بينابيع مائية خلابة (ثارا ن حنون، إغزار أوراغ، المصارات، ثارا ن بوزيزا…) هذه الينابيع التي تعتمدعليها الساكنة لسقي مغروساتها، بطرق عرفية ورثوها عن الأجداد (النوبث).

وفي الجنوب توجد سفوح وسهول شاسعة تسمى “يارث” تمتد إلى هضاب “الكارة” و “شارواط”. هذه الأراضي التي كانت مصدر رزق للكثير من الفلاحين الموسميين، أصبحت الآن مجرد أراض يابسة تحتضن نباتات شوكية، بعد أن هجرها المحراث إثر توالي سنوات الجفاف، وأيضا بسبب عامل الهجرة الداخلية و الخارجية، هذا العامل الذي بسببه أضحت دواوير بأكملها مهجورة من السكان بشكل كامل (نموذج دوار إمسعوذن و دوار بوجنيبا).

وتضم آيثبورمانة عدة دواوير منها: إصلحيونولكديرة و ماورو و إعرواننوإخارباشن و ثوجويران… كانت تجتمع بشكل أسبوعي في سوق الجمعة الذي يعتبر من بين أقدم الأسواق الأسبوعية في الريف، هذا السوق الذي كانت تحج إليه أيضا كل يوم جمعة العديد من القبائل كآيث وريش و آيث سيذال و آيثبويحيي…

وتعتبر آيثبورمانة إحدى المعاقل المهمة للمقاومة الريفية للاحتلال الاسباني في عهد المجاهد الشريف محمد أمزيان الذي استقر بمنزل المجاهد عمر أمنصور الإدريسي لما اجتاحت قوات الاحتلال الاسباني قبيلة قلعية، واتخذه محلة لقيادة الجهاد [1]، وأمر بترميم مسجد جناذة، وإعادة بنائه، وهو المسجد الذي يعتبر معلمة تاريخية بامتياز وتحفة إسلامية مهمة أقيمت فيها صلاة الجمعة في عهد السلطان الحسن  الأول سنة 1306 هـ/حوالي 1887م. [2] لذلك، كان من الأجدر المحافظة عليها وترميمها لتبقى ذاكرة تاريخية للأجيال عوض تركها عرضة لآلات الحفر التي أتت على آخر حجر فيها وجعلتها في خبر كان.

وقد عرفت هذه المنطقة بشهدائها الذين قدموا دماءهم في سبيل هذه الأرض، وقاوموا الآلة الحربية الإسبانية ببندقياتهم البسيطة، ونذكر من بين الشهداء: جدنا الشهيد اموح ابن الطيب بن عمرو، الذي استشهد في معركة مع جنود الاحتلال الاسباني في السنوات الأولى من القرن العشرين، ودفنت جثمانه الطاهرة في “إشمرارن ن وذرار” بالقرب من مليلية المحتلة. إضافة إلى الشهيد المعاش والشهيد اموح بن قدور الذين استشهدا في دوار إصلحيون في تبادل لإطلاق النار مع الجنود الإسبان في صيف 1921، بالموازاة مع انهزام الإسبان في معركة أنوال.[3]

ويذكر أن الشهيد المعاش و محمد أزغوغ كانا قد هاجما الجنود الإسبان الذين كانوا بالمحاذاة من واد صغير بالقرب من سوق الجمعة، بغية الجهاد و الحصول على الغنائم من أسلحة ومعدات العدو، هذه الحادثة التي استشهد على إثرها المعاش، وخرج منها محمد أزغوغ سالما، لكنه اغتنم بندقية وبعضا من علب الرصاص، وانسل إلى أسوار سوق الجمعة ليحدث تبادل لإطلاق النار، آنذاك، هجم السكان على الأعداء وقتلوهم دون أن يتركوا أحدا على قيد الحياة.[4]

لكن هذه المنطقة المجاهدة، أضحت الآن معزولة بالكامل، إذ أن الطريق المعبدة الوحيد التي تربط ماورو بالطريق الساحلى تكون مقطوعة كلما صبت بعد القطرات المطرية التي على إثرها يرتفع صبيب واد كرت المعروف حسب النطق المحلي ب ” إغوار ن شارظ”. وغياب القنطرة على واد كرت تجعل سكان آيتبورمانة ومعهم بعض الدواوير في بني سيدال لوطا في عزلة تامة.

أضف إلى ذلك، فبعد التقسيم الإداري لسنة 1992، والذي بموجبه أضحت أمجاو جماعة ترابية مستقلة عن دار الكبداني، وبغض النظر عن الصراع الذي كان قائما حول مقر الجماعة بين آيثبورمانة و ساكنة “أمجاو ن وذرار”،فإنه وجبت الإشارة إلى أن معاناة آيثبورمانة تفاقمت بهذا التقسيم، بحكم بُعد مقر الجماعة عنهم وانعدام وجود مسالك طرقية نظرا لوجود جبال وعرة تفصل بين آيثبورمانة و “أمجاو ن وذرار”.

فالمواطن الذي كان يقطع حوالي 13 كلم لقضاء أغراضه الإدارية من جماعة دار الكبداني قبل التقسيم الإداري الجديد، يضطر الآن ليذهب إلى دار الكبداني ومنها يقطع مسافة 15 كلم إضافية لكي يصل إلى مقر جماعة أمجاو، هذا أمام غياب وسائل النقل وخطورة المسالك..

بالإضافة إلى ذلك، فإن ظاهرة الهدر المدرسي مرتفعة جدا خصوصا في صفوف الإناث، أمام غياب الثانوية الإعدادية، مع العلم أن الثانوية الإعدادية التي أقيمت بالمحاذاة من مقر جماعة أمجاو لن تفيد أبناء آيتبورمانة في شيء، ولن تساهم البتة في الحد من ظاهرة الهدر المدرسي وفي تجاوز مشاكل تنقل أبنائهم بعيدا من أجل متابعة الدراسة.

هذه المشاكل، لن يتم تجاوزها إلا بإقامة ملحقة إدارية في سوق جمعة ماورو تكون تابعة لجماعة أمجاو لتسهيل المأمورية أمام المواطنين الذين يعانون الويلات من أجل الحصول على وثائقهم الإدارية، ولن يتم إلا ببناء ثانوية إعدادية تساهم في الحد من ظاهرة الهدر المدرسي وحرمان ابناء المنطقة من متابعة دراستهم، ولن يتم إلا عبر بناء قنطرة على واد كرت من شأنها أن تفك العزلة التي تعاني منها ساكنة العشرات من الدواوير..

وفي انتظار ذلك، لك الله يا آيثبورمانة..

الهوامش:

[1] د.مصطفىالغديري، ـ “الريف: موضوعات وقضايا”، مطبعة الجسور، وجدة

[2] نفسه

[3] رواية شفوية ل” شعيب بن حدو بن اموح بن الطيب بن عمرو” ، أحد أحفاد الشهيد اموح بن الطيب بن عمر

[4]رواية شفوية لجدي المرحوم حمو بن محمد أزغوغ، وهو أحد المشاركين في الحرب الأهلية الإسبانية.

 

شاهد أيضاً

الجزائر والصحراء المغربية

خصصت مجموعة “لوماتان” أشغال الدورة السابعة لـ “منتدى المغرب اليوم”، التي نظمتها يوم الخامس من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *