أبناء السبانيول، أو قاموس المرجعية العياشية اللاوطنية

بقلم: خديجة ايكن

من بين الإهانات التي تلفظ بها العياشة (الذين تبنووا الحقد المخزني تجاه الريف) نعتهم الريفيين بأبناء السبانيول، يعني أبناء إسبانيا، تمعينا في جرح شعورهم بالرغم من أنف نخوتهم التاريخية، هل لدى هاته الضواري البرية شيئا لتخجل منه. طبعا، ماذا سنأمل بعد عقود من الإستقلال!، فقد تكون لدينا جيل يجهل تاريخه، منفصل ومنسلخ عن نفسه، هذا التاريخ الذي لم ندرسه قط في المدرسة، لكي لا تكون لنا نخوة، ولا عزة، ولا كرامة، لكي نستحسن الظلم ونرضاه، لكي نبتسم لجلادنا كما تبتسم القطعان. لهذا لم يدرس تاريخنا و لهذا صار عندنا جهلة صعاليك، لا أصل ولافصيلة لهم، يتجرؤون على أحرار هذا البلد، هذا ما نجحت في تحقيقه السياسة التعليمية لما بعد الإستقلال، نجحت في طمس الهوية والتاريخ، في سلخنا الممنهج في مختبرات التعريب والتهجين الإيديولوجي والثقافي آلقسري كأننا تلك القطعان، لقد قال أحدهم يوما “إن أردت أن تهين شريف قوم فسلط عليه أنذل جاهل تعرفه”، هذا ما حصل مع الريف العزيز، سلطت عليه تلك الفراخ الجاهلة، وليدة تلك العقود من التمسيخ في مختبرات الطمس. تطاول على الريف جهلة عن قصد وإصرار، لأن الجهل ليس عيبا مادام صاحبه يعلم نفسه، ويرتقي بنفسه إلى مدارك إنسانية مشرفة تنزهه عن البهائم العمياء السارحة على غير هدى، لكن حينما يكون الجهل عديم الخلق، عديم الضمير، عنصري بغيض، حينئذ تكون طامة البلاء التي ٱبتلي بها المغاربة جميعا والريف العزيز خاصة هي طامة ذووا المرجعية الثقافية المخزنية، هؤلاء الذين تمخزنوا أكثر من المخزن، حتى صار المخزن بوجودهم يفقد معناه، إنهم العياشة.

هؤلاء الذين رفعوا شعارات حقودة على الريف العزيز، من بين المصطلحات الغليظة لقاموسهم الحقود، أثار ٱنتباهي وصفهم للريافة بأبناء الإسبان، لم إذن لا نكسر الصمت عن تاريخ الريف والإسبان، لم لا نكسر الصمت عن الريف الذي تبرأ من ٱتفاقية الحماية التي وقعها سلطان ذاك الوقت مع الأجانب، الريف الذي رفض الحماية الإستعمارية، الريف الذي أعلن الجهاد، الريف الذي أعد جيشه الريفي، وبادر بإنشاء علمه الخاص تعبيرا عن رفضه للإنضمام إلى زمرة عبيد وحشم الإستعمار، الريف الذي لا يركع حينما ركع غيره، الريف الذي لا يحتاج أن يحدثنا عن نفسه، فجباله ناطقة، هواءه ناطق، أمجاد الريف ثقيلة في ميزان التاريخ، والوطنية في الريف لا تختزل في قطعة قماش ولا في شكل قلب نتباهى به في أغاني تجارية بلا روح ولا فعل.

في يوليوز 1920 يقرر الأمير عبد الكريم الخطابي مواجهة الإستعمار، كان على رأس الجيش الإسباني الجنرال مانويل فرنانديز سلفستر، يقود جيشا قويا من 60 ألف جندي، بينما كان جيش الأمير الخطابي يتكون من قبائل آيت وارياغل، آيت توزين، آيت غنو، وتمسمان…، يوم 21 يوليوز 1920 ٱنهزم القائد الإسباني هزيمة ساحقة في هذه المعركة التي سميت أنوال، خسر 12 ألفا من جنوده، لم يتحمل العار فٱنتحر في 22 يوليوز 1920. بعد هذه الهزيمة، سيتخلى الإسبان عن الريف، لكنها ستقوم بإرسال جيش آخر لمحاربة عبدالكريم الخطابي الذي حاول تحرير مدينة مليلية، ستكون حربا ضروسا سيقتل فيها مرة أخرى القائد الإسباني وسترسل إسبانيا قائدا آخر، سيكسب ٱنتصارا على جيش الأمير الذي لم يستسلم لهذه الهزيمة، فٱستعد لحرب أخرى بعد معارك ثلاثة قوية، لكن إسبانيا هذه المرة ستضرب بقسوة في صيف 1924 حيث ستنتقم من الريف بإلقاء القنابل الكيماوية المحرمة دوليا.

بدأ القصف الكيماوي وفقا للسيرة الذاتية لقبطان الطيران الإسباني هيدالغو دي سيسنيروس في صيف عام 1924، حيث ذكر بأنه كان هوأول من أسقط قنبلة من 100 كجم من غاز الخردل الذي أنتجه للسلاح الإسباني الألماني هوجو ستولتزينبيرغ. ألقت 530 طائرة على الريف 407 طن من الغاز الكيماوي المحرم دوليا٠ قتل السكان في بيوتهم وفي كل مكان من الريف، أحرقت جلودهم، وكانت الأرض مليئة بجثث الريفيين نساء ورجآلا وصغارا، حتى الحيوانات ماتت وتضررت المياه والتربة لعقود طويلة.

أبناء الريف ـ أبناء السبانيول في القاموس العياشي اللاوطني ـ الذي عانى من هذه الحرب الكيميائية من خلال جمعيات مدنية رفعوا دعاوي ضد إسبانيا وشركة شنايدر الفرنسية و ستولتزينبيرغ الألمانية التين أنتجتا خصيصا هذا السلاح بطلب من إسبانيا لضرب جيش التحرير الريفي.

هكذا لقن الريف درسه التاريخي للإسبان، ولأنه درس مؤلم فهكذا أيضا ٱنتقم الإسبان من الريف، وهكذا تفرخ العياشة في برامج التمسيخ لأجيال ما بعد الإستقلال، وهكذا بدى العياشة بألسنتهم اللئيمة أقزاما،

شاهد أيضاً

الجزائر والصحراء المغربية

خصصت مجموعة “لوماتان” أشغال الدورة السابعة لـ “منتدى المغرب اليوم”، التي نظمتها يوم الخامس من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *