أخنوش، الأمازيغية وآخرون

بقلم: الحسين أبليح

دأب المتحمسون للشأن الأمازيغي بالمغرب غداة تعيين أي مسؤول سياسي على رأس جهاز من أجهزة الدولة على طرح السؤال التليد لدى عموم إيمازيغن، “ماذا يمكن لهذا المسؤول أن يقدمه للأمازيغية؟”، ولم يستثن من الوجوه السياسية حتى أولئك الذين لا تعني لهم الأمازيغية شيئا، لا بحكم الهوية ولا حتى بحكم الانتماء، من ذلك مثلا المانشيط العريض لجريدة العالم الأمازيغي؛ والذي صدر أياما بعد تولي إدريس جطو-التكنوقراط الدكالي- حقيبة الوزارة الأولى في حكومة 2002، وهو الرجل الذي اقترن حكمه بالخروج عن المنهجية الديمقراطية، كما اقترن بدجاج الأنفلونزا والكثير من الأشياء ليست من بينها الأمازيغية للأسف.

إيمازيغن انتظروا الكثير من محمد حصاد الذي ولي حقيبة الداخلية في حكومة ابن كيران الثانية سنة 2013 إلى الحد الذي استبشروا فيه بقرب زوال الحظر المفروض على أسماء المواليد الأمازيغ. فلا ضباط الحالة المدنية ارعووا عن منع الأسماء الأمازيغية ولا إيمازيغن صرفوا النظر عن انتظار المعجزات من حصاد الذي لم يعد يذكره حتى أهل بلدته تافراوت!. كما أن سياسيين آخرين باتوا نسيا منسيا في عرف أبناء مداشرهم كأبو أيوب وإدريس لشكر وسعيد أمسكان وعبد الله أزماني وعبد الرحمن بوفتاس، هل لأن هؤلاء استبدلوا أغاراس بالأوطوروت وبهيمة الأنعام بالأودي واستعاضوا عن تاكلا بالكافيار؟ أم أن هؤلاء السياسيين الذين رَطَّبَهُم العيش المخملي لم يعودوا يشبهون سحنات إيبودرارن وإمجاض ولاخصاص التي كشطتها مياه الغْدير ونال من وسامتها زمهرير كردوس.

بعض الأمازيغ لم يقنطوا حتى من إيمازيغن الجيل الثالث والرابع فانتظروا الفتوحات من رشيدة داتي – وزيرة العدل الفرنسية في عهد ساركوزي- كما لم ييأسوا من رَوْح نجاة فالود بلقاسم – وزيرة التربية الوطنية في عهد هولاند-، بل من الأمازيغ من انتظر الانتصار للأمازيغية من لدن هولاند نفسه لا لشيء إلا لأنه حيَّى الفرنسيين بتحية “أزول”.. ذات خطاب.

بظهور ظاهرة أخنوش -كما أسماها أحمد الدغيرني- وطفوها على الساحة السياسية، عاد اللمز والهمز إلى الواجهة مجددا بصدد ما يمكن أن يقدمه الرجل للأمازيغية، سيما وأنه لا يمكن قياسه بتيرمومتر حصاد أو أبو أيوب أو أمسكان أو أوريد.

انتظارات إيمازيغن هاته المرة مضاعفة مرفوعة إلى الأُسّْ إِنْ (n)؛ هل لأن الرجل، بالرغم من كَازَاوِيَته التي لا يخفيها، فهو لم يغادر جبة أبيه أحمد والحاج السوسي أخنوش، أم لأنه (الأمازيغي) المجاهر بأمازيغيته في حدائق الملك جنبا إلى جنب مع عالي الهمة (العروبي) والفاسي الفهري (الفاسي الفهري)؟.

قد يلعب التاريخ مع أخنوش دورته الحلزونية، فيعيد رسم الدور الذي رسمه من قبل لعبد الكريم الخطيب بتعميده عَيْنًا للقصر على الحركة الإسلامية وعَيْنًا للحركة الإسلامية على القصر، أو ذات الدور الذي لعبه بَعده عبد الواحد الراضي، عَيْنُ القصر على الاشتراكيين وعَيْنُ الاشتراكيين على القصر. هكذا، يمكن الحديث، باستعمال القليل من الخيال السياسي – بتعبير محمد الساسي -، عن أخنوش عين القصر على الحركة الأمازيغية مع اختلاف بسيط هاته المرة، ويتعلق بما إذا كان سيكون عينَ الحركة الأمازيغية على القصر !.

يزيد من تعقد مسألة ظهور أخنوش، بالنسبة للأدوار التي يمكن أن يلعبها على الركح الأمازيغي تحديدا، استمرار تحركات حسن أوريد الذي روج منذ بداية تلكم التحركات لورقة السرعة السياسية للأمازيغية في الوقت الذي انتفض فيه رفاق الدغيرني ضد قرار منع وإبطال الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي بتحريك المشاريع السياسية التي يعج بها الأرخبيل الأمازيغي باتجاه تشكيل حزب تامونت للحريات يلملم الشمل الأمازيغي المتفرق بين القبائل الحزبية والتنظيمية التي تنهل من القومية العربية والحركات الإسلامية.

بَيْدَ أنَّ دَوْرَ أوريد منذور للامتقاع نظرا لانصرافه إلى تبييض ماضيه اللاَّ-أمازيغي المُضَمَّخ بدعوته التاريخية إلى اعتماد اللغة العربية لُحْمَةً للمغاربة، مرورا بمُسَاءَلةِ أدائه عبر المناصب السامية التي تقلدها ومدى ما قدمه للأمازيغية.

ثمة تحاليل سارعت/تسرعت بذكر مناقب أخنوش الأمازيغية، بل من التحاليل ما حاول أصحابها لَيَّ عمل الرجل الحكومي في إطار تنزيل رؤية المخطط الأخضر للوزارة التي يشرف عليها نحو التصادي مع مفهوم “أغراس.. أغراس” الذي نحته كلازمة اقترنت بظهوره على الساحة الأمازيغية، ومنها اعتبار عبد الله بوشطارت تدشين أخنوش لمشروع تعبيد طريق تيزكاغين بجماعة مستي مظهرا من مظاهر عودة الروح الأمازيغية.

ومنها ما ذهب إليه بوبكر أنغير من استقراء لافتات مهرجانات تم توطينها بتافراوت وتيزنيت وأكادير والمنتمية مجاليا لسوس ماسة، ونذكر منها مهرجان تيميتار بأكادير وتظاهرة إيض ن إيناير السنوية المنظمة بتيزنيت من لدن تايري ن وكال ومهرجاني تيفاوين واللوز الذين تحتضنهما تافراوت؛ والتي تحمل علامة مجموعة أكوا وافريقيا غاز التي يتحيل رأسا على هولدينغ أخنوش وحرمه.

هذه المذاهب التي تسعى إلى تأصيل أصول أخنوش الأمازيغية أو بالأحرى تسعى إلى دَرْءِ وصمة أشلحي ن السربيس عن جبينه، لا تخدم في شيء التحليل السليم الذي تحتاجه هاته المرحلة الملتبسة أكثر من أي وقت مضى. إنها تعيد رسم المناخ الفانتاستيكي الذي سبق للمخرج الشيلي “أليخاندرو آمينبار Alejandro Amenábar” أن أتحفنا به في فيلمه “الآخرون les autres”، والذي يحكي معاناة “غريس” مع ولديها المصابين بمرض استحالة تعرضهما للضوء، فحافظت على عتمة غرف بيتها، إلى أن أتى “الآخرون”/ الغرباء والذين صَعَقُوا “غريس” بحقيقة أنها والولدين ميتون، وأن عليها أن تقبل بالعيش في حياة ما بعد الموت حيث يفرض الآخرون الضوء، مثلما يفرض “الآخرون” اليوم على أخنوش النزول إلى الساحة الأمازيغية من أجل ألا يشبههم.

إن ظهور أخنوش الآن وهنا، استجابة لإحداث التوازن في الكيمياء السياسية بالمغرب، إذ يمكن رصد نذور عاصفة نيو-تحالفية تقطع مع استتباب الفاسيين الفهريين المدعومين من المورسكيين الأندلسيين سليلو جنوب اسبانيا في الحكم، بقدح انبعاث الفَيْنَق الأمازيغي بالسماح بظهور العنصر الريفي والإمساك بدفة حزب الأصالة والمعاصرة والوصول إلى احتلال المرتبة الثانية في التشريعيات الأخيرة وترأس الغرفة الثانية للبرلمان المغربي؛ وهو ما يمكن أن يكون خميرة ظهور أهل سوس وصعودهم على الساحة السياسية بترجيح تحالف عزيز أخنوش، “من خلال جزولة”، مع محمد ساجد، من إغرم إداوكنسوس، وبتطعيم من إدريس لشكر المنحدر من “تاغجيجت” و امحند العنصر من الأطلس المتوسط.

غير أن التفاصيل توشك أن تزج بعناصر هذا التحليل في مأزق، فإذا كان التحالف الفاسي-الفهري-المورسكي الذي حكم الأمازيغ ردحا من الزمن أقعد عرشه على أُقْنٌومَيْ العروبة والإسلام، فهل سيستطيع التحالف الجزولي-الكنسوسي-الأطلسي بقيادة عَرَّابه أخنوش المَتْحَ من المنظومة الفكرية الأمازيغية المتكئة على الإنسان والأرض واللغة بإعمال مبادئ النسبية والحداثة والديمقراطية والعلمانية وهي ذاتها المبادئ التي تتقاطع مع المنظومة الكونية لحقوق الإنسان؟؛ وهل سيستطيع ذلكم التحالف الذود عن حياض الأمازيغية في مواجهة الآلة القومية/الإسلامية التي تمتد أذرعها لمعانقة الفكر الشرقاني بكل ما يحيل عليه من رُهَابِ البيان والعرفان مدعوما بالبترودولار؟.

من زاوية مغايرة، هل يعي أخنوش هول قضية الأمازيغية التي عرضها القصر على جهاتٍ أبت أن تحملها وأشفقت منها، وهل سيظل على مسافة من بنية تكوين الحزب السياسي الأمازيغي، أم سيواصل عمله من داخل المجتمع المدني بتكريس أمازيغية المهرجانات وتنمية الإنسان والمجال بتنزيل الاستراتيجيات القطاعية الحكومية التي تدور في فلك خلق التعاونيات وتعبيد بضعة أشطر من الطرقات هنا وهناك؟.

عقد الأمازيغ آمالهم على الكثير من الأمازيغ – المازغة والمستمزغة -، بيد أن بروز أخنوش على الركح الأمازيغي مختلف عن ظهور سابقيه، وبالتالي تختلف الآمال المعقودة على الرجل بتميز زمان ظهوره.

ففي ظل مشهد سياسي تدبيري تحكمه الأحكام السلطانية بامتياز، ويتم فيه حكم الشعب بواسطة G14 تارة، وبمستشاري الملك وأصدقائه تارة أخرى، أو بمؤسسات نافدة تجترح لها السلطات والصلاحيات التي ترتئيها، باتت الأعين الأمازيغية التي ترقب فك معضلة ملف الأمازيغية مشرئبة نحو لحظة إعلان سيادية ملف الأمازيغية، ومن ثم ربطه مباشرة بأمازيغية الملك، وهي ذات اللحظة التي يدخل فيها أخنوش كعنصر وسيط في هاته الكيمياء.

شاهد أيضاً

الجزائر والصحراء المغربية

خصصت مجموعة “لوماتان” أشغال الدورة السابعة لـ “منتدى المغرب اليوم”، التي نظمتها يوم الخامس من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *