أخنوش ثري أمازيغي يفتخر بهويته.. ويشكل الحكومة المغربية رقم 32

الحسين ادريسي

يعتبر عزيز أخنوش أحد رجالات ثقة الملك محمد السادس، شغل الناس منذ صعد رئيسا لحزب التجمع الوطني للأحرار في 2016. وظل وزيرا منذ 2007، إلى أن عينه الملك يوم 10 شتنبر 2021 ليشكل ويرأس الحكومة الثانية وثلاثين منذ الاستقلال.

فاز أخنوش بمقدمة سباق تشريعي محموم يوم 8 شتنبر الجاري، ودفع بغريمه حزب العدالة والتنمية خارج المضمار، وبذلك يكون قد رمى وأصاب حمامتين بحجر واحد.

جل حيزت له الدنيا، وقالت له اعمل صالحاً، إذ جمع بين الجمال والمال وزاد السلطة ثالثة.
 
– ما كل طفل أمازيعي يولد فقيراً:

قصة نحاج عزيز أخنوش، بدأت من يوم ومكان مسقط رأسه عام 1961 بدوار أكَرض أوضاض (اسم الدوار يعني “عنق الأصبع”)، لكون الدوار يقع في شعبة من شعاب تافراوت، هذه البلدة التي يولد فيها الأفداد والناحجون.

نذكر منهم اول العظماء بتافراوت المرحوم الحاج حماد أوكدورت ابن الشيخ الملقب بمؤسس وباني هذه المدينة.
كان مقاوما بمدينة الرباط والدار البيضاء، كان يستورد القطاني ويخبئ بها الأسلحة.

ذكر أبناء تافراوت لا يكاد يستفيم دون الإشار الى هذا الرجل الذي كانت أول طلقة رصاص ضد الاستعمار في العاصمة الرباط تخرج من مسدسه الخاص.

اعتقل عدة مرات و تم نفيه الى تافراوت وبعد الاستقلال عينه المغفور له محمد الخامس قائدا على قبائل تافراوت ونواحيها وفي سنة 1959 قام  محمد الخامس بزيارته عربونا للمحبة بين الرجل والسلطان.

نذكر الأديب المعروف محمد خير الدين، والحاج الطاهر بيمزاغ، صاحب “كتبية هولدينغ” العملاق في تصنيع وتصدير اللحوم. تافراوت هي أيضا مولد المقاوم الشهير، سعيد بونعيلات، ووزير الداخلية الأسبق محمد حصاد، وغيرهم..

يصدق في حالة عزيز أخنوش أن نقول: ما كل طفل أمازيغي يولد في وسط فقير.

أخنوش رأى النور، وفتح أيضا عينيه وهو صغير إلى جانب أبيه، على الأموال.

من تافراوت انتقلت الأسرة الى حاضرة أكادير، في 1961، التي ولد فيها، وهي ذات السنة التي ضرب فيها الزلزال عاصمة سوس. وفقد عزيز شقيقا له في تلك الكارثة الوطنية.

نجا عزيز من موت محقق، رعاه أبوه وأحسن رعايته.

كان أبوه حكيما. وفي هذا السياق، لا يمكن الحديث عن الإبن عزيز بمعزل عن الأب احماد. فهذا الشبل من ذلك الأسد.

– حقيقة الوسط التربوي لاخنوش

كتب عبد الله كيكر واصفاً والد عزيز في كتاب عنوانه هكذا “حماد أولحاج أخنوش المجاهد والمناضل والزعيم والرمز”. نادراً ما تجتمع في شخص كل هذه الخصال القليلة.

تطرق كيكر لجوانب مشرقة في حياة أخنوش وحياة عائلته، بما يشكل الصورة الحقيقية لأسرة وطنية مقاومة، تشبعت بالقيم الدينية والتمسك بالعادات والتقاليد المغربية، مما يبين كيف تربى الرجل على حب الوطن.

يعطي الدكتور أمرير دليلا آخر عن وطنية والد عزيز، من خلال تصدي أخنوش الأب لتغلغل التجارة الأروبية لمنافسة تجار سوس من خلال تجربة شركة تجارية أجنبية تحت اسم “لصاما”، قررت العودة بعد الاستقلال لغزو سوق المواد الغذائية، ومنافسة البقال السوسي البسيط، والتي كانت تجارة ترسخت في عموم الذهنية المغربية ثقافة تجارية سوسية وطنية.

قرر أحماد أولحاج أخنوش مواجهة المتاجر الأجنبية بـ”مخطط بديل” يستمد عناصر نجاحه من ضرورة قيام التجار السوسيين، بعمليتين متكاملتين أولهما: تطوير المزايا العريقة لـ”الثقافة التجارية السوسية”، وثاني العملية تلقيح تلك الثقافة الأصيلة بالطرق العصرية الجديدة، التي ظهرت بها المتاجر الأوربية الحديثة، وبذلك يمكن خلق”ثقافة تجارية سوسية عصرية”. وهو ما نجح فيه أحماد أخنوش، حين بادر التجار السوسيون، إلى تطوير الأساليب العتيقة لمتاجرهم السابقة.

عرف أخنوش الأب كيف يخلخل عقلية الشركة الغازية الدخيلة، وكيف يواجهها بنفس أسلحتها وإغراءاتها للزبناء المغاربة.
رجل بكل هذه المواصفات، لا يمكنه ألا أن يعتني بنجله، وفعلا لما بدأ يشتد عود عزيز، ويواصل الدراسة بتفوق، خطر على بال الأب الحكيم، أن يحسن توجيهه الدراسي.

أرسل ابنه بعيدا إلى أمريكا الشمالية. ومن جامعة شيربروك بكندا تخرج عزيز أخنوش وعاد ليسير شركات والده منذ 1986.

لم يكتف عزيز بالتدبير وهو المتخصص أكاديميا في التسيير، بل خاض ونجح في تجربة تنمية الثروة من خلال إنشاء شركات وإضافة أنشطة وخدمات غير التي ورثها.

خلال مدة قصيرة، بدأت تكبر ثروة أخنوش وأصبحت غابة، كما لو أنه كان يغرس شجرة، فتخرج من جذورها عشرات الشجيرات تواصل النمو والنماء.

من شركات المحروقات والغاز، دخل أخنوش في استثمارات أخرى ذات كلفة أقل، وبهامش ربح أوفر: مجال الاتصالات نموذجا.

يقال إن “إمبراطورية أخنوش المالية” تستمد قوتها من اللحمة العائلية، إذ ركزت عائلة أخنوش على العلاقات العائلية للحفاظ على الثروة مجتمعة، كما أن شبكة أفرادها وفروعها المصاهراتية لا تنتهي عند هذه الحدود. هكذا يرى البعض، بينما التجار وكبار رجال الأعمال في سوس لا يؤمنون الا بالعمل وليس غير العمل، والانتاج. ولهذه الفئة من التجار خصص الدكتور أمَرير مؤلفا آخر لهم تحت عنوان “العصاميون السيوسيون في الدار البيضاء”. في إشارة الى الشباب السوسي الذين بدأ جلهم حياتهم من الصفر. معتمدين على أنفسهم وإمكانياتهم الذاتية، ومواهبهم الشخصية.

– أخنوش ثري لا يأخذ من الدولة

مما يشجع على تناول موضوع أخنوش والحديث عن ثروته، أنه لم يكونها من حرام، ولا من مال عام.

وُلدت ثروة أخنوش قبل مولده. إننا أمام إرث عائلي ضخم. شركات تعمل في مجالات لها علاقة بمواد أساسية في حياة المغاربة: الوقود والبنزين والغاز. ومن دون هذه المحروقات، يتوقف شريان الدورة الاقتصادية في أي بلد.

أسس مجموعة “أكوا” الاقتصادية التي تستحوذ على حصة مهمة من سوق المحروقات وغاز البوتان، والغاز النفطي المسال، وهذا ما يجعل الصحافة تطلق عليه لقب “إمبراطور المحروقات” و”الملياردير”.. وما الى ذلك من الألقاب.

أخنوش منذ تلقد مهام وزارة الفلاحة في 2007 في حكومة عباس الفاسي، تنازل خلاف زملائه عن تقاضي راتبه، كما يأخذه بقية الوزراء مقابل مهامهم داخل الحكومة.

طيلة 14 سنة والرجل لا يأخذ من المال العام راتبه المستحق عن 168 شهرا من العمل الحكومي.

لم يخف أخنوش للصحافة هذا الأمر، أي عدم حصوله على أي أجر أو تعويض من الدولة، منذ توليه مهامه وزيرا للفلاحة.

في مقابلة له مع مجلة “جون أفريك”، قال إنه “لا يكتفي فقط بالتنازل عن راتبه، بل إنه يتكفل بجميع مصاريف تنقلاته في إطار مهامه باعتباره وزيرا، هذا إلى جانب مصاريف تنقلات مساعديه وفريقه الحكومي”.

وهكذا نكون أمام حالة فريدة ونادرة بوجود وزير مغربي لا يكلف الحكومة درهما واحداً، بل هو من يؤدي رواتب بقية الفريق العامل معه من مستشارين وكاتبات وأعوان وسواق من ماله الخاص.
يعرف عن أخنوش دعمه للجمعيات، ومساعدته للأشخاص في حالات حرجة.

لعمري لهذه هي النخوة الأمازيغية التي لا توجد في أي بقعة من الأرض خارج شمال أفريقيا.

لم يقتد أخنوش بزهد الزهاد في الحياة، لكونه وُلد ثرياً وهذا قدر الله فيه.

لن يجد المتصيدون للعثرات، ما يقولون يوما من قبيل أن اخنوش رئيس الحكومة وظف أحد ابنائه الثلاثة في هذه المؤسسة أو تلك. لسبب أن أخنوش لا يأخذ من الحكومة. كما أن صغار النسور تحلق عاليا.

في اطار أنشطة أخرى، ينخرط أخنوش في بعض المؤسسات المدنية والمهنية، كالاتحاد العام لمقاولات المغرب، وقد ترأس في وقت سابق تجمع النفطيين في المغرب، كما يعد واحدا من أعضاء “مؤسسة محمد الخامس للبيئة”، إلى جانب “مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء”.

– أخنوش متواضع يواجه الصعاب باسماَ

حتى في قمة الضرر الذي لحق بصورة أخنوش خلال حملة المقاطعة الاقتصادية الشعبية التي انطلقت من مواقع التواصل الاجتماعي سنة 2018 وخرجت إلى الواقع، وشملت 3 علامات تجارية كانت من بينها شركته الخاصة بتوزيع المحروقات. ظل الرجل متماسكاً، وأحياناً كان يبدو غير آبه.

كان يفكر في نفس الوقت في صمت كيف يخرج نفسه من ورطة الخصوم، سياسيين كانوا أو غيرهم. وفي تلك الأزمة التي استمرت لشهور، ظهرت شركات جديدة بأسماء جديدة، آزرت أفريقيا وتحملت عنها ضغظ المقاطعة.

وما لبث مناضلو ومناضلات الحركة الأمازيغية أن هبوا في مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة فايسبوك، لمؤازرة أخنوش، وتداركوا أصل اللعبة، لما رأوا أن في استهدافه مبالغة وصلت حد تغليف العنصرية بلفافة المقاطعة. وهكذا كسر الأمازيغ في مختلف ربوع المغرب طوق المقاطعة عن أخنوش.

ويعول الأمازيغ اليوم على خلاف رئيسي حكومات العشرية الأخيرة، أن يقوم بإجراءات ملموسة وميدانية تحت سقف الدستور المغربي، من أجل تفعيل الأمازيغية في الحياة العامة، وإعادتها للمدرسة وفق استراتيجية تضمن لها قيمتها بحكم أنها لغة رسمية للبلاد الى جانب العربية.

كانت الإشارة واعدة، يوم أعلن رئيس الحكومة أخنوش عن أغلبيته، وقف زعماء الأحزاب الثلاثة أخنوش وهبي وبركة وخلفهم لافتة كبرى مكتوبة بلغتين فقط، العربية والأمازيغية. لأول مرة تغيب الفرنسية. ببساطة، لأنها ليست وطنية ولا هي دستورية في المغرب.

لا تفارقه الابتسامة، وصفه حسن حلحول محامي بهيئة الرباط، قائلا فيه وعن علاقته بالمغاربة الذين صوتوا عليه “هذا الرجل الودود استطاع أن يخطف قلوبهم بهدوئه وتواضعه ورزانته وبساطته ولباقته ولطفه وأخلاقه”. وهو نفس المزاج الذي ظهر به يوم صعدت مسؤولة في السلطة بدرجة باشا واقتحمت منصة كان يلقي عليها أخنوش خطابا أمام جمع من الناس في عز الحملة الانتخابية، وطالبته بفض اللقاء بذريعة انه لا يحترم التدابير الاحترازية ضد كورونا، فلم يتعامل معها إلا باللطف المطلوب، سيما أنه فطِن الى “مصدر” تلك الإشارة السيئة، وعرف كيف يحولها إعلاميا لصالحه.

تعامل مع هذا الطارئ بلطف وحكمة، ولم يركبه الغرور، وقد كان واثقا من زحفه نحو كسب سباق 8 شتنبر، وهو ما حصل بالفعل.

– أخنوش يرأس الحكومة 32 بعد الاستقلال

تقدم عزيز أخنوش يومه 7 أكتوبر أمام الملك محمد السادس مع فريقه الحكومي.

كان متوقعا أن يشكل حكومته في ظرف زمني عادي. رجل عملي يعرف أن تضييع الوقت يعادل تضييع للمال، هكذا يقيس رجال المال والأعمال قيمة الزمن.

بمجرد خروجه من الاستقبال الملكي له بقصر فاس يوم 10 شتنبر الماضي، انطلق رأساً في مشاورات مع الأحزاب التي رأى أنها تتوافق مع حزبه “من أجل تشكيل أغلبية منسجمة ومتماسكة لها برامج متقاربة”. هكذا صرح للصحافة.

خلال مدة 12 يوما، راعى فيها عامل الوقت، وركز في استقبالاته على هدفه، خرج يوم الأربعاء 22 شتنبر وأعلن عن تشكيل أغلبية رشيقة، غير مثقلة، تتكون من ثلاثة أحزاب، تبدو بالفعل منسجمة، على مستوى الرؤية والبرامج والأهداف.

وقال عقب الإعلان عنها بطريقة مبتدعة، إنه “تمكن بفضل الله ثم بفضل مسؤولية والتزام الأحزاب الثلاثة، من تشكيل الأغلبية الحكومية في وقت وجيز حفظا للزمن السياسي واستحضارا لتحديات المرحلة”.

بقيت أمام عزيز أخنوش أهم مرحلة تسبق إعلان الفريق الحكومي. يتعلق الأمر بترشيحات الأحزاب الثلاثة لتولي المناصب الوزارية حسب القطاعات. وهو ما نجح فيه دون استعصاء أو بلوكاج. وشكل حكومة تتكون من 25 وزيرا. إذ لأول مرة يرى المغاربة هندسة حكومية رشيقة غير مهلهلة. لأن الرجل لم يراع ارضاء الخواطر.

في عهد الحكومات السابقة، كانت هذه الفترة تستنزف الوقت، إذ كلما كانت مكونات الأغلبية كثيرة، يصعب إرضاؤها. لقد اختلف الأمر مع أخنوش هذه المرة.

كانت انصبت مرحلة ما بعد الاعلان عن الاغلبية، على تحديد هيكلة الحكومة والتشكيلة الوزارية، لتقديمها أمام أنظار جلالة الملك وتعهد بـ”اقتراح أسماء تتحلى بصفات الكفاءة والمصداقية والأمانة”.
وعلى محك “الكفاءة والمصداقية والأمانة” سيواكب المغاربة حكومة أخنوش وهم يتوقون للتغيير وتحسن أحوالهم المعيشية..

اقرأ أيضا

الإحصاء العام: استمرار التلاعب بالمعطيات حول الأمازيغية

أكد التجمع العالمي الأمازيغي، أن أرقام المندوبية تفتقر إلى الأسس العلمية، ولا تعكس الخريطة اللغوية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *