بعد صراع طويل مع الإقصاء وبعد الهزيمة النكراء التي انهزم فيها أصحاب الفكر الأحادي المتمثل في أعداء الحقيقة، أعداء التنوع الثقافي واللغوي، أعداء التاريخ وأعداء حقوق الإنسان.. أولائك الذين يصدرون فتاوى في مواضيع لا يفهمون منها الشكل والمضمون، إذ قالوا والتاريخ شاهد على ذلك أن إدماج الأمازيغية في التربية والتعليم سيخلق ذلك تشويشا للعربية وتقدمها، والواقع حاليا يقول عكس ذلك علما أن مشاكل العربية والمواد الأخرى لا علاقة لها بالأمازيغية، كلهم في فلك يسبحون.. وكل مادة تقوم بدورها ولا صراع يذكر في الميدان بل فقط في جماجم بعض المجانين. ثم أضافوا أن بدسترة اللغة الأمازيغية ستنقسم الأمة إلى قسمين والواقع أيضا يقول عكس ذلك بل وأصبح المغرب بلدا يضرب به المثل في التدبير اللغوي والثقافي مما زاد قوة ومصداقية مضافة لحقوق الإنسان بالمغرب.
بعد كل هذا، وبقلوب مطمئنة استقبلنا خبر إدماج اللغة الأمازيغية في المدرسة المغربية منذ سنة ألفين وثلاثة إلى أن أصبحنا اليوم نستقبل خبر إقبارها يوما بعد يوم.. صباح مساء.
أيضا، بعد كل الأشواط والمراحل التي مررنا منها والمكتسبات التي تحققت في هذا الصدد، وبعد القرار المفصلي الحاسم الذي ينص على مشروعية مطلب دسترة الأمازيغية في أعلى قانون المملكة، وهي خطوة للقطع مع الماضي البئيس. وبعد المذكرات الوزارية والقواننين التنظيمية الخاصة بالأمازيغية أصبحنا وأصبح الملك لله أمام مهزلة بكل المقاييس وبكل التفسيرات.
إن آخر من يناقش شأنه في المؤسسات التعليمية والمديريات الإقليمية والأكاديميات هو أستاذ/ة الأمازيغية، وكل سنة جديدة يزداد الموضوع والملف سوء وتعقيدا : إن الأمر لا يتعلق بالمادة المدرسة ولا بصعوبة تدريسها ولا مضمونها ولا درجة ارتباط المتعلمين والمتعلمات بها بل بظروف العمل لدى مدرسيها ومحنتهم في إيجاد مكانهم بين جدران المؤسسات، فلا غلاف زمني محدد ومؤطر بالقانون ولا مقررات كافية وهي مقصية أصلا من مبادرة مليون محفظة، ولا حصص منظمة ولا تكوينات في المستوى ولا قاعة مستقرة.
فالغلاف الزمني لهذه المادة تؤطره مذكرة وزارية عقيمة وجامدة لم تواكب التغيرات والتطورات التي وقعت في منهاج السلك الإبتدائي وفي بعض الأحيان قد تجد تناقضا صريحا وواضحا بين تلك المذكرة والواقع لذا يصعب العمل بها وتطبيقها. وقد نتج ذلك حصصا متذبذة لا تستجيب للبعد التربوي والبيداغوجي وحتى النفسي للأستاذ والمتعلمين، حصص من ساعة تارة وحصص من نصف ساعة تارة أخرى وحصص من خمس وأربعين دقيقة كذلك. الشيء الذي يضع الأستاذ أمام إشكالية عدم تناسق وتراتبية الأنشطة والمكونات التي يحتوي منها درس اللغة الأمازيغية.
أما فيما يخص قضية الكتاب المدرسي فحدث ولا حرج: في بعض الأحيان قد تجد كمية غير كافية للكم الهائل من الأفواج المسندة للأستاذ وقد لا تجد ولو نسخة واحدة، وقد تجد مقررات جديدة لم يتلقى فيها المدرس ولو تكوينا واحد، ما عليه إلا بالإجتهاد وتصريف المحتوى وفق مايراه مناسبا، عكس زملائه في التخصصات الأخرى الذين يتلقون تكوينات ولقاءات تربوية بشكل شهري في بعض الأحيان.
أما من ناحية حجرة الدراسة ومع احترامي وتقديري لك يا بائع النعناع فلا بأس أن أذكرك أن أستاذ اللغة الأمازيغية له مهمة أخرى مثلك بل وأنت تتجول في الشارع العام ولك نصيب فيه أما مدرس الأمازيغية يتجول طيلة أيام الأسبوع بين ست إلى ثماني قاعات حاملا على ظهره أمتعة ثقيلة كمثل (…) يحمل أسفارا.
لم يقف اليأس عند هذا الحد بل وصلت درجة الجهل والوقاحة والاحتقار والعنصرية في بعض المديرين إلى التهميش و الشطط في استعمال السلطة وفرض استعمالات الزمن على الأساتذة وفق مزاجهم وهواهم دون اعتماد مقاربة تشاركية ترضي الجميع وتستجيب للمراجع القانونية والتربوية، كما لجأ البعض من المديرين إلى نعت المدرسين بنعوت لا قانونية ولا أخلاقية لم تصل بعد إلى مستوى تعامل إطار تربوي أو إداري بزمليه في العمل والقطاع.
المحارب بدون بندقية هو أستاذ/ة اللغة الأمازيغية إن صح التعبير فهو المدرس الوحيد في العالم الذي يشتغل في ضبابية تامة وفوضى عارمة في ظل غياب الظروف والشروط التربوية والتعليمية التي تحفز الإنسان ليقدم ما لديه من معارف ويجدد خلاياه الفكرية ويستقبل معرفة أخرى.
إن الملاحظ لوضعية أساتذة اللغة الأمازيغية سيقف إجلالا وتقديرا لهؤلاء الأشخاص الذين يشتغلون في هذه الإزدواجية والضبابية المعقدتين، والكل يشهد على هؤلاء أنهم يعملون بصبر ومسؤولية وروح وطنية قوية، غيورين على مستقبل أبناء الشعب والوطن. والعلاقة الودية المبنية على الإحترام والعقل والقانون التي تربط بين المتعلمين والأساتذة خير دليل وشاهد على ذلك.
ضف على ذلك أن الملاحظ لهذه الوضعية سيندهش من صمت الوزارة تجاه ملف تدريس الأمازيغية علما أن المذكرات والتوضيحات والبلاغات التي تصدرها الوزارة تتجاوز العشرين وثيقة كل شهر تقريبا… وهنا نتساءل : هل اللغة الأمازيغية قرآن منزل منذ سنة ألفين وثلاثة، لا مذكرة جديدة ولا بلاغ ولا توضيح ؟ ألا يحق لنا أن نتساءل من المسؤول عن هذا الملف مادامت الوزارة لا تتدخل ولا تتجاوب مع معاناة الأساتذة ؟ أليس منطقيا أن تدريس الأمازيغية بهذه الصيغة مضيعة للوقت والجهد في ظل هذا الصمت والتجاهل المفرط ؟ أليس الحل هو إدماجها في السلك الإعدادي بتوقيت واستراتيجية مستقلتين ؟
الحديث طبعا في هذا الموضوع طويل جدا، فقد حان الوقت أن تتكثل كل القوى الديمقراطية بما فيها :. الفاعلين الحقوقيين، الجمعيات، الهيئات، المنظمات، المحامين، الإعلاميين، المفتشين والأساتذة وجمعياتهم الجهوية والمحلية وكل الأصوات الحرة لوضع حد لهذه المشاكل والتفكير في حل جديد يعطي الكرامة للمادة ولمدرسيها على حد سوا
* أستاذ تخصص أمازيغية
الرباط