“أسريض ن تمازالت” في مدونة الأسرة: خطوة نحو إنصاف المرأة وتقدير لشقائها

ابن الشيخ أمينة أوكدورت

تثير التعديلات الجديدة على مدونة الأسرة المغربية حفيظة البعض من المحافظين ذوي الفكر الذكوري الذين يرون في هذه الإصلاحات تهديداً “للثوابت الأسرية”. لكن في الواقع، هذه التعديلات تعكس رؤية تقدمية تراعي الواقع الجديد الذي أصبحت فيه المرأة فاعلة ومنتجة، ليس فقط خارج المنزل، بل داخله أيضاً.

من بين أبرز هذه الإصلاحات حق المرأة في “الشقاء أو الكد والسعاية”، وهو حق يُعترف فيه بمساهمة المرأة في بناء الثروة المشتركة بين الزوجين، سواء عبر العمل داخل المنزل أو خارجه. هذا المفهوم يستند إلى أحد أعرق الأعراف الأمازيغية، المعروف في الثقافة القانونية الأمازيغية بـ “أسريض ن تمازالت”، الذي يكرس إنصاف المرأة من خلال تقدير جهودها اليومية في الحفاظ على استقرار الأسرة وتنميتها.

الاعتراف بهذا الحق هو خطوة شجاعة نحو تحقيق العدالة، حيث كانت المرأة في السابق تُحرم من أي تعويض أو نصيب عادل في حالة الطلاق، رغم سنوات من العمل الشاق داخل المنزل أو خارجه. إن التعديلات الحالية تعيد الاعتبار لهذا الجهد كعمل مساهم في الثروة المشتركة، مما يعزز روح الإنصاف ويُكرم التضحيات التي تقدمها النساء، سواء في تربية الأبناء أو إدارة شؤون الأسرة.

الاشتغال على هذا الموضوع ليس وليد اللحظة، فقد أتيحت لي فرصة بحث قضية “الكد والشقاء” منذ عام 1994 في إطار إعداد بحث لنيل ديبلوم الإجازة في الحقوق، شعبة القانون الخاص. وقتها سلطت الضوء على هذا الحق كجزء من التراث القانوني الأمازيغي، وأشرت إلى ضرورة دمجه في النصوص القانونية المغربية لتحقيق عدالة اجتماعية أوسع. التعديلات الحالية تمثل ترجمة فعلية لما كان يُعتبر حينها مطلباً حقوقياً، واليوم بات واقعاً يكرس مساواة حقيقية.

هذه الإصلاحات ليست فقط تكريساً للعدالة الاجتماعية، بل أيضاً تأكيداً على أن المغرب، بفضل تراكماته الثقافية والتشريعية، قادر على تقديم نموذج متوازن يحترم التقاليد، وفي الوقت نفسه يواكب العصر. فقانون “أسريض ن تمازالت” ليس مجرد عرف أمازيغي، بل هو إرث مغربي يعكس قيم التعاون والتكافل داخل الأسرة، ويعطي نموذجاً يحتذى به في تحقيق الإنصاف بين الجنسين.

على الأصوات المعارضة أن تدرك أن هذه التعديلات ليست ضد الأسرة أو قيمها، بل هي في صلب الحفاظ على تماسكها واستقرارها. الاعتراف بحقوق المرأة في الكد والسعاية هو انتصار ليس فقط للنساء، بل للمجتمع ككل، لأنه يُؤسس لعلاقات أسرية قائمة على المساواة والاحترام المتبادل. وهذا هو الطريق نحو مجتمع أكثر عدلاً وتقدماً، مجتمع ينصف المرأة كمحور أساسي للتنمية والازدهار.

اقرأ أيضا

مباراة توظيف استثنائية لأساتذة التعليم الابتدائي تخصص اللغة الأمازيغية

أعلنت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة عن إجراء مباراة ولوج مسلك تأهيل أساتذة التعليم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *