أسطورة أفافا ينوفا الأمازيغية أول سندريلا في التاريخ

كثيرة هي القصص والمحاجيات التي ترويها الجدات، قبل النوم، تهدهد بها عيون الأطفال الناعسين، تبدأ دائما بـ”حاجيتك ماجيتك”، لكن أسطورتنا ليست لونجة بنت الغول، أو بقرة اليتامى، إنما عن “روفا”، فتاة أمازيغية، تطرب الدنيا على أنغام خلخالها… “الشروق العربي”، تتبع خطواتها، في ليلة شتاء حالكة، في قمم جبال جرجرة، والوحش ليس ببعيد.

الكل دندن في يوم من الأيام أغنية إيدير العالمية، “أفافا ينوفا”، التي ترجمت إلى العديد من اللغات… محاجية دافئة، رواها الكاتب محمد بن حمدوش، قرب كانون من نار، استوحاها من مذكرات الجدات وحكاوي الأجداد… ولكن، من هي غريبة في هذه الأغنية؟ وماهي قصتها؟…

غريبة… سندريلا في زمن الخرافة                  

تتناقل ذاكرة الأساطير نسختين مختلفتين عن قصة أفافا ينوفا، فالأولى، تروي معاناة “غريبة”، أول سندريلا أمازيغية، التي تعمل طول النهار في حقول الزيتون، وفي عصارات الزيت، وتعود في جنح الليل، واجفة من ظلال الأشجار، كل هذا العناء، كي تسد رمق والدها، الشيخ الطاعن في السن، وإخوتها الصغار… وتتفق مع والدها على أن ترج أساورها الفضية، كي يفتح لها الباب، خوفا من الوحش المفترس، الذي يترصد الصغار… وفي كل مرة، يواجه الأب نفس المعضلة: هل يفتح الباب أم لا؟ قد لا تكون غريبة، بل الوحش؟ يفتح أخيرا، وترتمي ابنته، المنهكة من مشقة العمل، بين أحضانه معاتبة: “لمَ لمْ تفتح لي الباب؟ إنني أخاف وحش الغابة؟”. ويرد بحزن شديد: “أنا أيضا، يا ابنتي”… جمالية هذه النسخة من الحكاية، تكمن في مطابقتها للواقع، وتعكس واقع المرأة الجزائرية، على مرور العصور.. كما تجبرنا على مراجعة حياتنا، حين نكون في مفترق الطرق، كإينوفا، والد غريبة، وتعيدنا إلى البساطة، في زمن كان الشيخ يتلفف في برنسه، وابنه، المهموم بلقمة العيش، جالس بقرب الكانون، والعجوز، التي تنسج على المنول أو المغزل، والأطفال من حولها يحلمون بالربيع.

روفا ووحش الغابة

النسخة الثانية من الأسطورة، مختلفة تماما وأكثر فانتازية وخيالا من الأولى، وتحكي قصة روفا، البنت المدللة، التي تتوسط أربعة أخوة، بقوى خارقة، منهم مَن بصرُه أحدُّ من بصر زرقاء اليمامة، ومنهم من قوته تفوق قوة شمشون، ومنهم من خفته تجعله يسرق بيض الحجلة الحاضنة دون أن تدرك ما حدث، ومنهم من لديه سمع أحد من السيف… وحدث أن كان والدها يتحدث في تاجماعت، وهو مجلس الشورى أو اللوردات آنذاك، فانطلقت منه رائحة كريهة، فخجل من نفسه إلى درجة أنه انعزل عن القرية وعائلته، وأصبح يعيش في كوخ في الغابة… وكانت روفا هي من تحضر له الطعام، كل يوم، ولا يسمح لها بالدخول إلا بعد أن ترج أساورها الفضية.. وذات مرة، سمع وحش الغابة، وهو مستذئب (أي شاب يتحول إلى ذئب عند اكتمال القمر)، ما دار بينهما من حديث… وتقول الأسطورة إنه ذهب إلى أمغار، وهو حكيم القرية، كي يصبح صوته رقيقا كصوت روفا، فأرشده الحكيم إلى أكل دماغ الخروف، وأن يفتح فاه قرب مستعمرة نمل فيأكل كل ما تراكم على أحباله الصوتية.. وفعلا، رقّ صوت الوحش، ووضع بدل الأساور صدفا وقواقع… ودق باب كوخ الشيخ، ففتح له، بعد أن انطلت عليه الحيلة، فالتهمه دفعة واحدة.. وبينما كان مستقليا من فرط التخمة، دخلت روفا، فرأت المنظر المريع، فحاولت الهرب، غير أن المستذئب لحق بها، وأخذها إلى مخبئه، موثقة، فأخذت تصرخ، فسمع صراخها رابع إخوتها، على بعد أميال. وانطلق الكل لإنقاد روفا. وفعلا، تمكنوا من تحريرها، في غياب الوحش. وفي طريق عودتهم، لحق بهم الوحش، فدق أخو روفا القوي الأرض، فانشقت واختبؤوا تحت الأرض… عادت روفا إلى القرية، دون والدها. أما إخوتها، فأخبروا أهل القرية بمكان الوحش، وتم قتله في النهاية… أما أنا، فقصصي لن تنتهي، مثلما لا ينتهي القمح والشعير”.

وتصبحون على ألف حكايا

تشبه قصة “غريبة” قصتين في كتاب الحكايات، للفرنسي، شارل بيرو، وهما سندريلا و”ليلى والذئب”، مع بعض الاختلافات الطفيفة. فهل استوحاها الكاتب من المحاجيات الجزائرية؟ والمعروف عن الكتّاب أنهم كانوا يسافرون كثيرا، ويستوحون قصصهم من حكايا الناس…‪ فشخصية “غريبة” قريبة جدا من شخصية “سندريلا”، المكافحة الفقيرة، التي تكد لإيجاد لقمة العيش، وشخصية “شابرون روج”، الفتاة التي يأكل الذئب جدتها، هي نفسها روفا التي أكل الوحش والدها… نفس الخط الدرامي، مع نهاية مختلفة. ففي النسخة الأصلية، لا تنجو ليلى من الذئب… أما النسخة الأمازيغية، فتترك شعاع أمل لكل من يسمع القصة، في ليلة يتلألأ فيها تيزيري، أو ضوء القمر.

*الشروق

اقرأ أيضا

جزائريون ومغاربة يتبرؤون من مخططات النظام الجزائري ويُشيدون بدور المغرب في تحرير الجزائر

أثنى متداخلون مغاربة وجزائريين على دور المقاومة المغربية في احتضان الثورة الجزائرية ودعمها بالمال والسلاح، …

تعليق واحد

  1. الحسن زهور

    لهذه الحكاية روايتها او نسختها الثانية ( نفس الاحداث لكن هذه تختلف عن الحكاية الأمازيغية الجزائرية في كيفية نهاية الحكاية ) ، وجدت في منطقة ” تيزكيريغن” وهي بلدة بين فم الحصن و أقا بعمالة طاطا ، الحكاية دونت في كتاب ” ؤميين دوميين ن آيت ندي” بعنوان ” توكا” للكاتب الحسن زهور و من اصدارات رابطة تيرا للكتاب بالأمازيغية بشراكة مع وزارة الثقافة المغربية سنة 2016.
    اما حكاية ساندريلا فهي حكاية مستقلة عن هذه، وجدت في منطقة ئسافن و دونت غدفي كتاب ” عيشة مي ييغد” و هي مجموعة من الحكايات الأمازيغية دونها الكاتب الحسن زهور في هذا الكتاب الذي أصدره المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية سنة 2010.
    و قد سبق للمستمزغ ” إميل لاو ست” ان دون رواية لها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *