من هرطقات اللسان أن نؤمن بإنسانية الإنسان، و نسلم أننا نلبس فيك توب الكرامة أيها الوطن، فبين ثنايا أضلعك تجرعنا الأحزان، ودفن الأحرار في دهاليز سجونك وغربت عنك شمس كل الأنوار.
فلا منبث للحرية في أرضك أيها الوطن، وقد صرت سجنا كبيرا يستعبد فيه كل الأحرار، بل واختصرت شموخ اسمهم في بوتيك سياسي منحته كل مفاتيح جناتك، لينعم بها مريدوه وكما أتباعهم من باقي مشتقات بيتك العتيق، كما سلمتهم مفاتيح سجونك ليزجوا فيها من ينافسهم على اسمهم الذي لا يعرفون معناه.
فثبت أيادي سراقك أيها الوطن، من حماتك الحرامية الذين بلغت روائحهم حد النتن، فحضنك لم يعد يتسع إلا للصوصك المحميين بالقانون، والفقر فيك قد شاع وصار شعارا براقا، لصنع أحلام تغرق المساكين في حلاوة مستقبل سرعان ما يكتشفون أنه استمرار لماض كان.
ففيك يا وطني خنع السؤدد ولم تعد قيمة لحماه، حين نرى أبنائك منهم من ظلم باسم العدالة و القانون، وكان نصيبهم ومن شدة رحابة صدرك أن فتحت أمامهم ابواب كل السجون، ومنهم من ألقيته في جب البحر ليجرب حظه في اكتشاف عوالم المكنون، سواء في حال نجاته أو عند فراقه عالمنا في سكون، ودون أن أحذتك يا وطني عن كل البؤساء والمعذبين فوق أرضك الطيبة، والذين لا ذنب لهم إلا أن الفساد والإقصاء هضم كل حقوقهم، وجعلهم في قاعة انتظار الموت، ولو رأيتهم يتصنعون الحياة !! فهي الأخرى في نظرهم حلم لم يتحقق، مثل باقي أحلامهم التي أصبحت حراما في مملكتك أيها الوطن.
لا عنوان للعلا فيك أيها الوطن، رغم كل أقمارك البراقة التي تسبح بحمدك من السماء، لأنك لم تمنح يوما لشبابك فرصة العلم لنسج مكنونها، فمدارسك أضحت أسطورة في تلقين الجهل والتدجين، وصارت ساحاتها مركزا للسوق السوداء، في تروج كل أصناف تذاكر العالم الجديد لهجرتك ولو إلى حين.
شبابك يعلم أن لحلمه نهاية هي قارعة الطريق أو بالتعاقد في أحسن حال، أو في ثنايا الشارع ضائعا في عوالمه التي لا تحصى، ومن المثير أنك فكرت في هؤلاء وصرت تجندهم في سبيلك، بعقد وأجر زهيد حتى تختبر حبهم لك، ولعلك تكافئهم بالبقاء في ثكناتك فيما بعد، أو تلقي بهم في جهنم شارعك من جديد.
” طاب جنانك” أيها الوطن وصار ذكرك على كل لسان، وبتت مضرب الأمثال في أسفل سلاليم التنمية، وفي دركها السحيق في الصحة وتربعت على عروش المديونية، بل صرت رمزا للقمع وتكميم افواه الرأي والصحافة، وسرت خطوات مهمة إلى الخلف حتى أصبحت عنوانا للشطط في استعمال كل السلط لتجريد الناس من ثرواتهم و أراضيهم، بل وتمارس الحصار على أبواب بيوتهم، والتمييز العنصري ضد أمازيغيتهم.
فمتى يهب فتاك أيها الوطن ؟ لتخليصك من جحودك إن لم يكن من أغلالك التي قيدك بها الفساد و الاستبداد، متى تطلق نداءك لتعانق الديمقراطية فكل أبنائك شوق للكرامة والحرية ؟
متى يفهم سجانوك يا وطني أننا هنا صارخون من أجلك وملئ حناجرنا : ” أطلقوا سراح الأبرياء .. أطلقوا سراح الوطن “.