نظَّمت شعبة الفلسفة ومُختبر الفلسفة وقضايا العصر، برحاب كليّة الآداب والعلوم الإنسانية بن مسيك، المائدة المستديرة الأولى، حول موضوع: “الديمقراطية من وجهة نظر فلسفة القانون الحديثة والمعاصرة“، وذلك يوم الخميس 10 فبراير 2022، بمشاركة طلبة باحثين في سلك الدكتوراه، وبحضور أساتذة من مختلف التَّخصُّصات.
وتمَّ ذلك بإشراف مباشرٍ من مدير المختبر الأستاذ عبد اللّطيف فتح الدّين ورئيس الشعبة الأستاذ محمّد الشيخ، ومنسِّق المائدة المستديرة الأستاذ نبيل فازيو، وأدارت جلسات اللقاء الأستاذة الدكتورة ابتسام برّاج.
امتدَّت المائدة المستدير على جلستين اثنتين: بعد كلمتين ألقاهما مدير المختبر ذ. عبد اللطيف فتح الدين، وذ. نبيل فازيو، في إطار التعريف بهذه اللقاءات، التي سيعقدها المختبر، بالتَّوازي مع أنشطة أخرى مسّطرة لهذه السنة.
افتتح الأستاذ عبد اللطيف فتح الدين مدير مختبر الفلسفة وقضايا العصر، كلمة الشكر التي وجهها للمتدخلين والأساتذة نبيل فازيو كمنسق المائدة المستديرة وبراج ابتسام ومحمد الشيخ رئيس الشعبة وكل أعضاء المختبر الأستاذ عبد الإله بلقزيز وسيعد بنتاجر وخالد لحميدي وأيضا للطالب الباحث محمد زكاري المشرف على خلية التواصل داخل المختبر.
جاء في نصُّ كلمته التي شكر من خلالها الزملاء الأساتذة والطلبة المشاركين والحضور وبعد الترحيب بالمائدة المستديرة التي يشرف عليها المختبر، وقدم اصدار الفيلسوف الأمريكي Jason Brenna (ضد الديمقراطية). متسائلا: كيف يمكن لفيلسوف، لا سيما في زماننا هذا الذي هو زمن الديمقراطية بامتياز، أن ينتقد “أقدس الأقداس” التي هي “الديمقراطية”؛ خصوصا وقد اقترن في الأذهان أن “الفلسفة” هي ـ بلغة ابن رشد ـ “الأخت الرضيعة” للفلسفة؟
قد يتساءل متسائل: أي شيطان وَسْوَسَ لكم باتباع طريق برينان هذا وإقامة مائدة مستديرة جُلُّ المداخلات فيها تلقي نظرة نقدية على “الديمقراطية”؟
الحقيقة أننا وفاءً منا لروح الفلسفة التي تعني، من بين ما تعنيه بل من أهم ما تعنيه، النقد، واستجابة لروح الفيلسوف الذي قال: “عصرنا عصر النقد”، فإننا لا نريد في هذه المائدة المستديرة ـ ونحن نتحدث عن الديمقراطية ـ التقديس ولا التدنيس، بل نريد التمحيص.
وميز من خلال كلمته بين رواد الفلسفة الكلاسيكية والحديثة، وعبر عن ترحيبه بكل الطاقات الفلسفية، واعاد الكلمة لمسيرة الجلسة.
افتتحت الجلسة الأولى بمداخلة للطالبة الباحثة هاجر حناتي، عنونتها ب: “في خصوصية مقاربة فلسفة القانون لمشكلة الديمقراطية“؛ حيثُ ركَّزت على التصور المعاصر للديمقراطية وهو من التصورات التي خرجت من رحم فلسفة القانون المعاصرة، والدليل على صحة هذا القول، هو أنها ديمقراطية لا تحيا إلا بالقانون؛ وذلك لكونها تستمد مصدر وجودها منه. ولهذا السبب بالذات تلبست الديمقراطية الثوب القانوني السياسي الفلسفي، لتفرز تصورا جديدا لم يسبق لنا به عهد، بمكنته حل المعضلات التي خلفتها كل أنواع الديمقراطية الكلاسيكية التي سادت في القدم أو في العصور الوسطى.
تلتها مداخلة الطالب الباحث رشيد بنبابا، تحت عنوان: “الديمقراطية بين هابرماس وكلسن” كان مدارُ هذه الورقة على مسألة ارتباط الديمقراطية عند هابرماس بتفاصيل الحياة المدنية والسياسية والاجتماعية، فهي ليست مجرد نظام للحكم والسيادة، بل هي ممارسة وفعل إنساني يتغيى مشاركة جميع الأفراد على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم الثقافية والسياسية في تحديد طبيعة السلطة، وذلك في أفق صياغة قوانين عادلة. إن هذا النوع من الديمقراطية لا يكون جاهزا، بل هو بناء يتخذ من مشاركة الجميع عبر مبدأ المساواة القاعدةَ الأساس.
أما الجلسة الثانية، فقد ضمَّت جلسات ثلاث؛ تقدّمتها مداخلة الطالب الباحث مصطفى فؤاد “الديمقراطية ووعودها الكاذبة“(باللُّغة الفرنسية) ملخّصها: أن دعوةً كانَ قد أطلقها نوربرتو بوبيو مدارها على مجموعةٍ من الأسئلة. فإذا كانت الديمقراطية، وفقًا لتعريف بسيط، مجموعة من القواعد الإجرائية؛ فكيف يمكننا أن الاعتقاد أنه يمكننا الاعتماد بشدة على المواطنين الفاعلين؟ -وإذا كان لديك هذا النوع من المواطنين، أليس من الضروري أن يكون لديك مُثُل ومعايير تتحدَّدُ بها قيمتهم؟ نحتاج – على حد قول بوبيو إلى مجموعةٍ من المعايير -: أولاً: فضيلة التسامح التي وضعت حداً (أو تقريباً) لحروب الدين، وإذا كانت لا تزال هناك مخاطر ضارة بالسلام، فإنها لا تأتي إلا من التعصب. ثانيًا: مبدأ اللاعنف وفقًا لما قاله ك. بوبر، فإن ما يميز نظامًا ديمقراطيًا عن الآخر هو حقيقة أنه في الحالة الأولى، يمكن للمواطنين وضع حد لحكومة دون إراقة دماء أو ثورة أو حرب. أدخلت القواعد الرسمية للديمقراطية تقنيات التعايش السلمي وحل النزاعات بطريقة غير عنيفة. إذا احترمنا القواعد الديمقراطية، فالخصم ليس عدوًا يجب القضاء عليه، بل خصمًا، في اليوم التالي، سيكون قادرًا على الحكم.
ثمّ مداخلة الطالب الباحث يوسف أقرقاش بعنوان: “الديمقراطية ومبدأ سيادة القانون داخل الأنظمة الدولتية“؛ مدار المداخلة على الديمقراطية الحديثة التي تتحدد بمبادئ ثلاثة، وهي الحكم التمثيلي وفصل السلط وسيادة القانون، غير أن الأصل في هذه المبادئ الثلاثة هو مبدأ وحدة السيادة. والسيادة لا تعني شيئا غير الإقرار بوجود سلطة شرعية واحدة، هي التي تملك الحق في اتخاذ القرار السياسي. ولما كانت شرعية السلطة محط نزاع بين من يحصرها في مبدأ السيادة الشعبية ومن يربطها بالحقوق التاريخية والوراثية، فقد سعت الدولة الحديثة إلى تحصين مبدأ الشرعية بنصوص قانونية (الدستور) لا تقبل الجدال، وصار القانون بذلك جزءا لا يتجزأ من الحكم الديمقراطي. لقد ترسخ هذا التماهي بين الشرعية والدولة والديمقراطية بفضل نظرية العقد الاجتماعي، التي لا تتصور أي بديل عن السلطة غير الفوضى. غير أن السلطة نفسها حتى لا تتحول إلى تسلط وعنف لا بد أن تستند إلى قانون وضعي تعاقدي. وهذا الأخير أيضا لا يكون شرعيا إلا إذا كانت غايته تأمين الحقوق الطبيعية للأفراد.
بالإضافة إلى مداخلة الطالب الباحث نبيل شيلي بعنوان: “المواطنة والمشاركة السياسية من منظور نانسي فرايزر” والذي أفاد بأنه لا يمكن الحديث عن بناء الديمقراطية إلا داخل المؤسسات، والتي تجعل من الممكن ممارسة الديمقراطية في الواقع، وهذا لا يكون إلا إذا تحررت المرأة من القيود المسلطة عليها، وأصبحت فاعلة في المجتمع عن طريق المشاركة السياسية، صانعة ذاتها ومنافسة الرجل في الفضاء العام السياسي.