أغبالا نموذج جديد للحراك في المغرب

بقلم احمد الدغرني

ما يقع في المغرب الحالي من حراك ،ومظاهرات واحتجاجات، وانتفاضات، وبوادر ثورة قادمة ضد عجز وفساد الحكم، لا يمكن فهمه بمعطيات الحاضر وحدها، ولابد من الرجوع به الى أرواح الأجداد وحضارتهم، ولغتهم وتجاربهم ضد الاحتلال والاستعمار، وثقافتهم، وهذه منهجية للدراسة ،ولتعميق الفهم الشعبي وعقلنة ثورات شباب المغرب الحاضر…. ومن مهام من يعتبر نفسه كاتبا أو مؤرخا أو مثقفا لم يبع ضميره، أن يكتب ما يعرف، وينشره ،ليكتسب كل من يعنيه الأمر من عدو وصديق معرفة غير خاطئة….

سيشتهر اسم أغبالا في الحراك سنة 2017 كما اشتهر حراك الريف سنتي (2016-2017) بداية من اسم شاب اسمه محسن فكري، أصبح شخصية وعلما ورمزا لا يمكن نسيانه، ولا محو اسمه من تاريخ شباب الحاضر، ينطلق من مشكلة الثروة البحرية.واسم الريف مشتق على ما اعتقد من كلمة أمازيغية تعني العطش الشديد وهي: إريفي Irifi.

ومثل الطفلة ايديا Idia ببلاد اسامر التي أصبحت رمزا ،وشخًصية، وهي طفلة لم تصل حتى الى سن التمدرس، ولم يبلغ درجة شهرتها حتى كبار من يظنون انهم أقطاب وقطبات، ورموز، ورمزات ،وهم ليسوا شيئا يستحق حتى أن يذكر الا بسوء. وهي تنطلق من مشكلةً الصحة، ولا ننسى أسماء أخرى في مختلف المناطق.

وبدأت شهرة “أغبالا” من اسمها، يعني من مشكلة الماء، وهنا تطرح قضية الارتباط بين سكان هذه القرية تاريخيا وحضاريا بالماء، ففي كل مكان يوجد فيه الماء قديما نجد هذه الكلمة ضمن أسماء الأماكن Toponymieولابد من التعريف بهذه الكًلمة الهامة: فكلمة أغبالا هي كلمة امازيغية تعني منبع الماء source ولها استعمالات كثيرة، منها:

إغبولا Ighbul
أغبالو Aghbalu
تاغبالوت Taghbalut

وهناك ثقافة، وطقوس، وعبادات، وأضرحة، وشخصيات تاريخية من النساء، والرجال، ومقدسات أمازيغية، وشعبية في كل أرض البلاد، تدور حول منابع المياه (Ighbula) بسبب ارتباط الماء بحياة الإنسان وبقية الكائنات الحية… مثل سيدي علي اوبوجمعة، بناحية تيزنيت الذي يتغنى باسمه المتصوفة على طريقة “ايدرقاوين” كما نقلته عن جدتي التي كانت تغني عندما تستغيث من وقوع شر تطلب الإفلات منه:

أسيدي علي اوبوجمعة ،أغبالو ن وامان، أرنيت زاضن

Asidi Ali u Bujemaa Aghbalu n waman ar nit zzaden

وهنا نذكر سيدي علي امهاوش، (Amhawch) وزاوية أحنصال، وقبيلة “ايت سخمان” لنكتشف نوعا جديدا من تعامل القوة المخزنية مع الاحتجاج في مكان قبيلة ايت سخمان بالأطلس المتوسط، مع المقارنة مع مكان قبائل ايت ورياغل بالريف وأماكن أخرى في البلاد كلها،
فمع رفع شعار الريفيين المشهور “سلمية، سلمية” ملأت بهم السلطات المخزنية السجون والمعتقلات، وأشبعتهم ضربا وتطويقا وتعذيبا… وقلبت شعارهم الى العنف من جهتها..

بينما لم يرفع ايت سخمان كلمة “السلمية” يوم 25 يوليوز 2017، بل نفذوا خطة المواجهة بالحجارة، وتسلق الجبال، واستعمال “جباد” المشهور كسلاح في الدارجة المغربية، ويسمى “إيلدي Ilddi” بالأمازيغية،  و”المقلاع” في الحسانية…

وورد في إحصائيات الضحايا من طرف بعض الصحف الصادرة يوم 27/7/2017 أن عدد جرحى قوات الدرك الملكي بلغ 35 جريحا، وكانت النتيجة هي التفاوض بين السكان مباشرة والقوات المخزنية أسفر فورا عن إطلاق سراح المعتقلين، والنزول من الجبال بعد تطويق مركز الدرك من طرف السكان…. هذا النموذج يستحق الدراسة، ولماذا لم يطبق في الريف بعد ثمانية أشهر؟

هنا يبرز الفرق بين التجربتين، ومن الممكن لكل من يهتم بالموضوع أن يستوعب دروس التجربتين، من الشعب، ومن الحكام، والمفكرين… ويبدأ دراسة ايت سخمان كقبيلة أمازيغية ويعرفها…

وقد يظن بعض الناس ببساطة انه ليس هناك علاقة بين الريف وايت سخمان، وللفائدة نذكرهم بأن جمهورية الريف برآسة محمد بن عبد الكريم الخطابي دعمت ماليا مقاومة ايت سخمان ضد فرنسا سنة 1925 بمبلغ 8000 دورو، حسبما ذكره المؤرخ المغربي الملكي المالكي في كتاب معلمة المغرب… ليصبح الكلام المفيد الآن هو أن مجال القبائل الأمازيغية التي لها رموز في المقاومة بدأ يتحرك، ويجدد تجارب المواجهة السلمية وحتى العنيفة ان اقتضى الحال، ويجدد النخب السياسية، والصعود الى الجبال لمحاربة فساد الحكام. والحكرة والتهميش…

وكانت تجربة الريفيين متميزة برفع الراية الأمازيغية منذ بداية الحراك، لتوجه إشارة رمزية كبيرة الى مختلف القبائل ومكونات الشعب، وكذا الدولة، لتلتفت الى احتمالات انتشار الحراك الذي لم يتوقف منذ أكثر من ثمانية شهور، وهو حراك يقع في مناطق بعيدة عن المراكز والمدن الكبرى وليس المهم هو مايقع الآن بقدر ما يهم ادراك كيف يتطور وينتشر وما هي نتائجه المُحتملة مستقبلا؟

كان الريفيون قد أطلقوا شعار نبذ الدكاكين السياسية (الأحزاب) وعدم قبول وسطاء من يسمون بالمنتخبين، وممثلي الجمعيات الممولة، وأعضاء حكومة ستة أحزاب، لكن لم يسجلوا طرد أحد من رؤساء الجماعات والبرلمانيين الواقعة في الريف، ولا من خارجه، ولا ضربه، بينما بدأ حراك ايت سخمان بجرح رئيس الجماعة، وهروب ممثلي الدكاكين، وهو إنذار لمن يفهم أن طبخ الانتخابات، ومنح الرخص المخزنية للدكاكين السياسية، ومنع من لا يقبل أن يكون دكانا سياسيا، سيؤدي الى مثل هذه النتائج الوخيمة.

كانت محاور الحراك في هذه المقالة هي ثلاثة: السمك، والصحة، والماء، وبقية المحاور ستأتي من جهات أخرى، وهي عبرة لمن يريد أن يجنب الوطن ويلات الاضطرابات….

شاهد أيضاً

الجزائر والصحراء المغربية

خصصت مجموعة “لوماتان” أشغال الدورة السابعة لـ “منتدى المغرب اليوم”، التي نظمتها يوم الخامس من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *