أغبالو نكردوس.. البؤرة المنسية

بقلم: وليد كمو

تشكل منطقة أغبالو نكردوس جزء هاما من الأطلس الكبير الأوسط، فهي تقع من الناحية الإدارية على الواجهة الغربية لإقليم الرشيدية، يحدها من الشمال دائرة أسول ومن الشمال الغربي جماعة أيت هاني ومن الجنوب الغربي إقليم تنغير وفي الجنوب الشرقي جماعتي تديغوست وأملاكو، ويفصله عن جماعة أيت هاني جبل حمدون البالغ ارتفاعه 2674م.

والجدير بالذكر أن ساكنة جماعة اغبالو نكردوس بصموا تاريخ المقاومة المغربية عامة والأطلس الكبير خاصة حيث تعتبر معركة بادو أهم حدث تاريخي سجلته المنطقة إبان الثلاثينات من القرن العشرين.عبرت هذه المعركة عن مدى صمود و مقاومة سكان المنطقة والقبائل المجاورة في وجه المستعمر الفرنسي.حيث تبقى أخر منطقة يحتلها بعد أن جند لها كل الجبهات تحت قيادة الجنرال هيرو المقيم بتنغير. وقد دارت معارك طيلة سنة 1933 تكبد المستعمر فيها خسائر فادحة في العتاد و الأرواح.وقد تم احتلال اغبالو المركز القصر أيام 9-10-11 غشت سنة 1933 كأخر نقطة.

إلا أن المجاهدين لم يستسلموا و فروا مع أسرهم إلى الجبال رافضين الخنوع للمستعمر رافعين راية المقاومة و الجهاد.وقد ضم جبل بادو عائلات من مختلف القبائل كايت حليدو وايت عيسى ازم بزعامة اسكنتي إلى جانب ايت مرغاد وايت يحيى الدين فروا إلى الجبال ليشكلوا جبهة موحدة في وجه المستعمر يساعدهم في دلك الموقع الحصين الذي يوفره لهم جبل بادو.مما اضطر الفرنسيين إلى استدعاء قائد المجاهدين زايد احماد للتفاوض يوم 29 غشت 1933 إلا انه رفض ودعا إلى الجهاد حتى الاستشهاد.

ورغم كل هدا التاريخ البطولي فان ذكرى المعركة تحيى في مدينة مكناس.
ورغم أهمية المنطقة جغرافيا و تاريخيا فإنها تعاني عزلة جغرافية خانقة سببها عدم وجود طريق منها إلى ايت هاني مما يحد من حركية التجارة والسياحة من والى اغبالو نكردوس دفع بالساكنة إلى الهجرة إلى مناطق أخرى لمحاولة تحقيق ولو جزء من طموحاتهم المستقبلية

في تلك البؤرة المنسية من العالم البعيد حيث البرد يقتل حتى البرد، وحلم الطفولة أن يصيروا كبارا و فقط، شاءت الأقدار أن نخلق و نولد، و بمرور الدقائق والساعات تكدس أياما لتصير أعواما و سنينا، فيقف علينا شبح الواقع الذي يخبرنا أننا لم نكن يوما نعيش، نعم كنا فرحين و طعم السعادة فينا لا يعرف اسما للملل، لا شيء بمقدوره طرد الابتسامة من على وجوهنا، أشياء بسيطة هي ما كنا نملك، طموحاتنا لم تتخطى حدودنا الجغرافية، كنت أقتات و أحيا مما تنبته الأرض وكفى، شبيها بابن الطبيعة أو فتى الأدغال كأني “موكلي” عصري، مجرد قطعة قماش تكسوني دون أن تغطي كامل جسدي دون أن يأبه أحد لسوءاتي، ودون أن يعتريني أي إحساس بالخجل من إظهار مؤخرتي التي تحدت قسوة المناخ، لتصير كقطعة طين مجففة، خدودي و يدي من أثر الشقوق كأنها صخور لم تترك لها عوامل التعرية أي مجال للشعور بنبض الحياة.

لكن كنا مبدعين وفنانين منذ تلك الفترة، فقد كانت ألعابنا ولعبنا من ابتكار مخيلاتنا وصنع أيدينا، كانت بسيطة كبساطتنا وبساطة أسلوب عيشنا، اعتمدنا على أنفسنا وخرجنا نبحث عن لقمة عيشنا منذ تعلمنا الحذو، وكما عائلاتنا فحتى الدولة لم نكلفها أي شيء سوى الحبر الذي أسالوه على كناش الحالة المدنية أثناء تسجيلنا فيه فقط لتعلم أننا موجودين كي تدرجنا في لائحة من ستهمشهم و تقصيهم، لم تخلق فضاءات ترفيه، لا مدارس تعليم، غير تلك المعتقلات التي خلفها المستعمر و التي عملت على تدجيننا و ملئنا كقارورات فارغة بالعروبة و أكاذيب التاريخ المزيف لنبقى نحن “البرابرة هم السكان الأصليون للمغرب”، عبارة يتيمة حقنا في المقرر التعليمي، غرسوا فينا الخوف أكثر من التكوين، عملوا بكل ما في جعبتهم كي نهدر الدراسة، و الكثير الكثير هجروها بسببهم، و كم واحد كان ليكون إطارا في منصب عال و راق لو تابع دراسته، عملوا على جعلنا تبعية تابعة وخاضعة، غير أنهم لم يوفقوا إلا مع القليل إذ نسوا أنهم بذلك كانوا يغدون فينا كرهم هم و لثقافتهم ولغتم و لكل ما له علاقة بهم…

كبرنا يا صديقي واستوعبنا أننا للوطن، و الوطن لنا، و تعلمت أنه ليس بالضرورة أن تعيش داخل حدوده الجغرافية لتنتمي إليه و تعبر عن حبك له، بل يكفيك أن تكون مقتنعا بذلك، أنا أتحدث عن ذلك الدم المقدس الذي يجري في عروقي وليس فقط عن بطاقة ورقية تبين انتمائي إليه… دام الوطن لنا و دمنا له، و لكن حتى ينال حريته ويكون نظيفا من كل الآفات التي تدنسه حينذاك نلتقي و نتعانق، و حينذاك سأعود لأعيش طفولتي فيه حتى و إن هرب بي الزمن وشخت وصرت مسنا، ذلك لن يمنعني من اللعب معه.

شاهد أيضاً

الجزائر والصحراء المغربية

خصصت مجموعة “لوماتان” أشغال الدورة السابعة لـ “منتدى المغرب اليوم”، التي نظمتها يوم الخامس من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *