
كتاب “أكادير والجنوب المغربي” لماري-فرانس دارتوا هو عمل توثيقي وسردي يجمع بين الذاكرة الشخصية والبحث التاريخي. تنطلق الكاتبة من ذكرياتها عن طفولتها في أكادير قبل زلزال 29 فبراير 1960، لتستحضر ماضي المدينة ومنطقة سوس الأقصى عبر العصور.
تنسج الكاتبة الفرنسية ماري-فرانس دارتوا لوحة تجمع بين الحنين الشخصي والبحث التاريخي، لتعيد إحياء ماضي أكادير ومنطقة سوس الأقصى من أقدم العصور حتى الزلزال المدمّر في 29 فبراير 1960. انطلقت الكاتبة من ذكرياتها الطفولية في هذه المدينة، قبل أن يطويها الخراب في ليلة واحدة، لتغوص في رحلة زمنية بحثًا عن الجذور، والهوية، وتحولات المكان.
موقع استثنائي ومكانة تاريخية:
تقع أكادير في موقع فريد حيث يعانق الأطلس الغربي مياه المحيط الأطلسي، وتغمرها أشعة الشمس عند الغروب في مشهد ساحر. هذه الجغرافيا المتميزة منحتها عبر التاريخ دورًا محوريًا في التجارة والملاحة، إذ كانت سوس الأقصى منطقة معروفة بخصوبة أراضيها وغنى مواردها، ما جعلها محط أنظار القوى الإقليمية. وبرغم بعدها النسبي عن مراكز الحكم المركزي، فقد حافظت على استقلالية نسبية، وشكّلت أحيانًا كيانات سياسية محلية.
روابط تجارية عابرة للصحراء:
تروي الكاتبة كيف ظلت المنطقة، رغم انعزالها عن المؤثرات الخارجية لقرون، على صلة وثيقة بالقوافل التجارية الصحراوية، خاصة عبر سجلماسة، مركز مرور الذهب القادم من السودان. هذه الروابط لم تكن اقتصادية فحسب، بل كانت أيضًا جسورًا ثقافية وحضارية.
من قرية صيد إلى ميناء استراتيجي:
يأخذنا الكتاب إلى احتمالات تاريخية عن أصول أكادير، فقد تكون موطنًا بشريًا منذ عصور ما قبل التاريخ أو محطة فينيقية على طريق الملاحة المتوسطية، قبل أن تتحول لقرية صغيرة لصيد السمك. في القرن السادس عشر، غزا البرتغاليون الساحل وأسسوا حصن سانتا كروز، الذي سرعان ما أصبح نقطة استراتيجية. لاحقًا، ومع صعود السعديين، أصبح ميناء أكادير نافذتهم على العالم ومصدر ثرواتهم، مما ساهم في توسع نفوذهم.
قرن من التحولات:
بعد أفول دورها التجاري، عادت أكادير إلى حجمها القروي، لكنها نهضت مجددًا في مطلع القرن العشرين، مستفيدة من موقعها البحري ومن الطابع الجمالي لشواطئها، لتصبح مدينة حديثة وجميلة عند مصب وادي سوس، تجذب الزوار والتجار على حد سواء.
الزلزال.. نهاية مرحلة:
يختم الكتاب بفصل مأساوي، حين ضرب زلزال مدمر المدينة ليلة 29 فبراير 1960، فأتى على معظم معالمها وأودى بحياة الآلاف. لم يكن ذلك مجرد كارثة طبيعية، بل كان قطيعة مع ماضٍ طويل، إذ اختفت المدينة القديمة بكل ما تحمله من ذاكرة وأسرار، لتبدأ رحلة إعادة البناء من جديد.
حوار بين الذاكرة والتاريخ:
تميز الكتاب بأسلوب يمزج بين السرد العاطفي والبحث الوثائقي، معتمدًا على شهادات، وصور، ووثائق تاريخية، ليقدّم للقارئ صورة نابضة عن أكادير وسوس الأقصى، حيث تتقاطع الجغرافيا بالتجارة، والسياسة بالثقافة، والذاكرة بالحنين.
جريدة العالم الأمازيغي صوت الإنسان الحر