عاشت قرية تمزرط من معتمدية مطماطة بولاية قابس جنوب تونس يوم السبت 17 يناير 2015، على وقع احتفالات شعبية بهيجة بمناسبة السنة الأمازيغية الجديدة 2965.
تامزرت أو تَمَزْرَط أو تَامَزْرَط هي إحدى القرى بجبل مطماطة وإحدى ثلاثي القرى الناطقة بالأمازيغية بالجهة إضافة للزراوة وتاوجوت التي تقع على بعد خمسين كلم من مدينة قابس.. هي غائرة في التاريخ كما قاومت المستعمر الفرنسي في أوائل القرن العشرين مقاومة عسكرية وثقافية هامة حيث لم تفلح كل محاولات المستعمر، في طمس هويتها الثقافية والدينية، أما موقعها الاستراتيجي فمكنها عبر التاريخ من أن تكون مركز عبور رئيسي للقوافل التجارية، وملتقى للطرق الرابطة بين ولايات الجنوب الشرقي والغربي.
تمزرط شاخت لكنها تُغالب عوامل الاندثار
تمزرط هي إحدى القرى الشواهد التي شاخت وما تزال حية تُغالب عوادي الزمن وعوامل الاندثار، فبعد أن كانت عاصمة علمية وتجارية لفترة طويلة، تحولت اليوم إلى مدينة أثرية مهجورة، إلا من عدد قليل من السكان لا يتجاوز السبع مائة ساكن، لذلك هي اليوم ربما تستعطف روّادها و المهتمين بالتراث والقائمين على الشأن الثقافي جهويا ووطنيا. الاهتمام بهذا المعلم التاريخي والإبداع العمراني وهو ما طرحه الفاعل الجمعياتي ورئيس مجلس التصرف عياد قرنيط على السيد مندوب الثقافة محمد الدّغسني الذي كان حاضرا خلال التظاهرة من العمل على إدراج القرية من قبل منظمة اليونسكو ضمن التراث الإنساني.
إذا فالمطلوب اليوم هو الالتفات العاجل لهذا الموروث الطبيعي وكذا الالتفات إلى ساكنة هذه الفضاءات، وهم من يضمنون استمرارية نبضها بالحياة، كذلك من واجب الباحثين في ميدان التراث عموما والتراث الطبيعي على الخصوص والغيورين على بيئتنا وطبيعتنا الجميلة، الذين يعانون من التهميش الاجتماعي والاقتصادي، النظر بعمق لمثل هذه الأماكن الفريدة..
تعبيرات تلقائية للأهالي وتشبث بالتراث الأمازيغي
تأتي هذه التظاهرة التي حضرها عدد من جمعيات المجتمع المدني ذات العلاقة، من جمعية اشكال والوان واحية بشنني والجمعية التونسية للبيئة والطبيعة بقابس وإعلاميين وفنانين على غرار نبراس شمام عن البحث الموسيقي، في خاتمة احتفالات مماثلة بالسنة الأمازيغية الجديدة انتظمت بعدد من بلدات الجنوب الناطقة باللغة الأمازيغية على غرار منطقة قلالة من مدينة جربة وقرى بقفصة ودويرات بتطاوين .. وقد أرادها الأهالي أن تكون تلقائية تعبر عن تشبثهم بهويتهم وتراثهم الأمازيغي، ودون تدخل أو تبنّي من قبل جمعيات مجتمع مدني وخاصة أحزاب سياسية، علما وأن بعضا من منتسبي بعض الأحزاب كانوا قد عمدوا في تظاهرات أمازيغية خلال السنوات المنقضية إلى تمزيق عدد من الملصقات وتهديد غير مباشر لبعض المنظمين.. أما عن أهمالفعاليات المنظمة التي انطلقت من أعلى نقطة قرب المسجد وتطل على كامل القرية، فتضمنت عروضا متنوعة صاحبتها خاصة لوحات «الميازة»، وهي رقصة شعبية يؤديها الرجال خاصة أثناء الأعراس بالبنادق أو بالعصي، ليجوب الحضور لاحقا في موكب بهيج أزقة القرية الضيقة، وذلك إحياء لعادة «الوليمة»، حيث يقع استقبال الليالي السود من كل سنة وهو ما يوافق بداية السنة الأمازيغية وتطبخ العديد من الأكلات المعروفة بالجهة وفي تونس ككل من عصيدة، ملوخية، فول، بركوكش،.برغل، افتات .. هذا وتم لاحقا تجميع هذه الأكل المختلفة التي طبخها الأهالي الذين تزينوا بلباسهم الأمازيغي الجميل رجالا ونساء والمعرف خاصة بالنسبة للنسوة بكثرة ألوانه ( الحولي، ،”التمنديلت” غطاء على الرأس ،”البحنوق”، “تكميت” وهو عبارة عنقميص كذلك الإكسسوارات من «تدلالين» يوضع فوق الرأس و”التعلاقين” وهو خرص للأذن ..) ،هذا وتجمع العشرات من الأهالي من جديد بنقطة انطلاق العروض، وشاركوا في احتفاء شعبي كبير تخلله تناول جماعي للأكلات، إضافة لعروض فنية وبعض المداخلات لبعض الضيوف على رأسهم المندوب الجهوي للثقافة أو بعض الفاعلين الأمازيغيين نوري النمري والأستاذة كريمة عزوز، وعياد قرنيط التي أكدت على أهمية هذا الحدث الهادف خاصة إلى المحافظة على التراث الأمازيغي المتنوع وإعادة الاعتبار للمكون الأمازيغي في نسيج الهوية التونسية..
جريدة المغرب