أعتبر أمازيغ، أمس الثلاثاء، ليبيا أن قرار رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبدالحميد الدبيبة ، لاعتماد وتدريس اللغة الأمازيغية في المدارس لأول مرة في البلاد، قراراً صائباً وجاء في الوقت المناسب، متمنيين بأن يكون قراره نابعاً من إيمانه بالهوية الليبية وبالتعددية وبحق الأمازيغ في أرضهم.
وأجرت وكالة “سبوتنيك” لقاءات مع شخصيات أمازيغية مؤثرة في ليبيا تحدثوا على أهمية هذا القرار وأبعاده المستقبلية، وأكد الكاتب الليبي أبو بكر عمر بن هارون، صاحب ومؤلف كتاب السهل والميسر في تعليم الأمازيغية باللهجة الغدامسية، في حديثه مع وكالة سبوتنيك، على أن “قرار رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا ، عبد الحميد الدبيبة القاضي باعتماد تدريس اللغة الأمازيغية في المدارس، قرار صائب”، معتبراً أنه “جاء في الوقت المناسب، كونه يساعد ويمهد لترسيم اللغة الأمازيغية كلغة رسمية في الدستور الليبي الدائم لليبيا”.
وحول تفاصيل اللغة الأمازيغية من رسم للحروف وطريقة الكتابة، قال هارون، إن “الرسم المتبع للغة الأمازيغية منذ ثلاثة آلاف عام، هو رسم حروف ” تيفيناغ ” وهو رسم موجود في النقوش القديمة في معابد الفراعنة في مصر”، مضيفاً بأن “علماء الآثار قد وجدوا هذا الرسم في كل مناطق شمال أفريقيا، والتي كان من أبرزها حجر ” دوغا ” في تونس، الذي يعود تاريخه إلى ألفي عام مضت”.
وأضاف هارون بأن ” الأمازيغية كتبت بالحرف اللاتيني منذ عهد الرومان ثم بالحرف العربي النبطي بعد دخول اللغة العربية إلى شمال أفريقيا وهناك مخطوطات أمازيغية كثيرة كتبت بالحرف العربي منذ عهد الدولة الرستمية وهي أول دولة إسلامية أمازيغية كتبت اللغة الأمازيغية بالحرف العربي. وبعد الدولة الرستمية كتب كتاب في الفقه الإباضي بالأمازيغية بالحرف العربي يتكون من 14 مجلداً، إلى الآن لم يحقق ولم ينشر وبعدها جاءت دولة الموحدين فكتبت بالأمازيغية وبالحرف العربي ترجمة القرآن الكريم، وقام به مؤسس دولة الموحدين وله كتاب في التوحيد اسمه أعز ما يطلب، كتب باللغة الأمازيغية بالحرف العربي، أما دولة المرابطين فكتبت اللغة الأمازيغية بحروف تيفيناغ”.
وتابع “أما في العصر الحديث فتم اعتماد أبجدية تيفيناغ خط رسمي للغة الأمازيغية، حسب ما قرر المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في الرباط بالمغرب، وتم اعتماد هذا الخط في الجزائر ولدى منظمات وجمعيات المجتمع المدني الأمازيغية والأصل في هذا أن كل لغة تكتب بحروفها الأصلية الخاصة بها”.
وحول إمكانية واستعداد المنظومة التعليمية في ليبيا لتضمين اللغة الأمازيغية في المدارس، أوضح هارون أن “المنظومة التعليمية في ليبيا ، لا زالت بحاجة إلى المزيد من الدعم والتطوير، من جانب الدولة الليبية والمنظمات الدولية كـ” اليونسكو “، وذلك لتتمكن من استيعاب اللغة الأمازيغية كلغة رسمية في المدارس”، مشيراً إلى أن “تدريس اللغة الأمازيغية في المدن الليبية الناطقة بالأمازيغية قد بدأ منذ العام 2012”.
مؤكداً على أن “أهم ما يواجه هذه العملية هو انعدام الدعم المادي والمعنوي من الدولة وفقدان المعاهد والمدارس وقلة المدرسين المتفرغين لتدريس الأمازيغية بالإضافة إلى عدم إعطاء الشرعية القانونية من الدولة لتدريس الأمازيغية”.
واستطرد الكاتب الليبي بأن “تدريس الأمازيغية قرار مدروس بدقة وجاء في الوقت المناسب و يساعد مستقبلاً على ترسيم الأمازيغية في الدستور كحق من حقوق الإنسان حسب ما أقرته الشرائع السماوية ونصوص وثائق حقوق الإنسان مثل وثيقة حقوق الإنسان العالمية الصادرة عن الأمم المتحدة في ديسمبر 1948م ، وثيقة حقوق السكان الأصليين في الحفاظ على ذاتهم وهوياتهم”، مضيفاً بأن “هناك من يرى أن عدم إيصال الفكرة الأساسية من إضافة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية يتم التعامل بها بشكل رسمي سواء في الدوائر الحكومية والمدارس، كان المسؤول الأول عنه هم الأمازيغ أنفسهم لأنهم لم يستط
يعوا إيصال الصورة الصحيحة وهذه المطالب إلى الحكومات السابقة”.
وحول أهمية تضمين اللغة الأمازيغية كلغة رسمية في البلاد، أكد هارون أن “تضمين الأمازيغية كلغة رسمية في ليبيا سيدعم ويرسخ الوحدة الوطنية ويجعل من ليبيا دولة عصرية و مدنية ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان وكرامته”.
وحول إمكانية تقريب وجهات النظر لمن لا يرغبون بتعلم الأمازيغية في المدارس، أشار هارون إلى أنه “لا يمكن أن تجبر أحداً على عمل لم يقتنع به ولا يحق لأحد أن يفرض لغة على أناس هي ليست لغتهم إنما تدريس الأمازيغية في المناطق الناطقة بها، ويترك الخيار لمن أراد تعلمها”.
وفي ذات السياق ، قالت الإعلامية سناء المنصوري، وهي أول إعلامية تقدم برنامجا باللغة الأمازيغية في ليبيا، “أتمنى أن يكون قراره (الدبيبة) نابع من إيمانه بالهوية الليبية وبالتعددية وبحق الأمازيغ في أرضهم، وهو قرار صائب ومهم جداً لأبناء ليبيا الديمقراطية”، وفق تعبيرها.
ورداً على سؤال حول الرسم المتبع في اللغة الأمازيغية من ناحية الحروف هناك من يكتب الأمازيغية بالرسم التيفيناغ وهناك بحروف اللغة العربية ؟
أوضحت المنصوري ، أنه “فيما يتعلق بطرق كتابة اللغة الأمازيغية، فهي تكتب بحروف ” التيفيناغ “.
وتابعت “هناك منا من علم نفسه وهناك من طلب أن يتتلمذ على أيدي أساتذة متقدمين عنا في المغرب، قدموا إلى ليبيا وقاموا بتدريس مجموعة من الطلبة، كذلك هناك منظمة تيرا للبحوث والثقافة الأمازيغية في شمال أفريقيا التي بدأت في تقديم دورات لتعليم اللغة نطقاً وكتابة في جبل نفوسة ( الجبل الغربي )”.
ولدى سؤالها عن إمكانية استيعاب المنظومة التعليمية الليبية لإمكانية تعليم اللغة الأمازيغية والتحديات التي تواجههم، أشارت المنصوري إلى أن “التحديات ليست في عدم وجود أعضاء تدريس أو مناهج، التحديات مادية فأعضاء التدريس يحتاجون إلى رواتب وإلى إمكانيات لوجستية وكذلك المناهج”.
وفيما يخص توقيت اعتماد القرار كونه استباقا أو متأخراً رأت المنصوري، أنه “عندما يتعلق الأمر بالعلم والمعرفة والاهتمام بموروث الأرض الثقافي لا يوجد استباق بالعكس هو متأخر، كان من الواجب العمل على هذا القرار فعلياً وبجدية منذ البداية أي منذ تأسيس أول حكومة ليبية بعد إسقاط نظام القذافي منذ عشر سنوات”.
وحول مسؤولية عدم تضمين اللغة الأمازيغية كلغة للتعامل في الجهات الرسمية للدولة واتهام التقصير في هذا للأمازيغ أنفسهم ، اعتبرت المنصوري، أن “المسؤول هو الدّولة”، مشيرة إلى أنه “عندما نتحدث عن مسؤولية الشعوب علينا أن نقول الليبيين وليس الأمازيغ، لا يوجد تفرقة هنا بالأمازيغية موروث ليبيا وليس الأمازيغ والدولة لم تسمح لأي أمازيغي ناطق أو غير ناطق بأن يوصل أي فكرة أو أي رسالة في الإعلام، كونه يدار من الإسلام السياسي والقومي العروبي”، مضيفة بأن “مؤسسات الدولة، ولكي يتمكن أي أكاديمي أو ناشط حقوقي وإعلامي مستقل أو باحث مستقل من الوصول إلى هذه المن
ابر، يحتاج إلى من يسمح له بذلك، لكنهم أغلقوا كل الطرق وكل الإمكانيات كما أن هذا حق طبيعي ولا يحتاج الى مبررات”.
وشددت المنصوري أن “لقرار تعليم اللغة الأمازيغية أهمية كبيرة، كونه يضمن تعليمها ودعمها وتطورها”، لافتةً إلى أن “هذا سيعود للمجتمع بالعديد من الثمار المهمة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، أن تكون لليبيا هويتها المُستقلة المتميزة بين باقي دول العالم، أن يكون هناك وظائف متوفرة للناطقين ( ترجمة، تعليم ) في جميع مؤسسات الدولة وهذا يمنع البطالة، المعارض والمهرجانات ستعود بالدخل المادي على البلاد عن طريق السياحة ومشاركة ليبيا دولياً أيضا،ً التعرف على تاريخ الأرض عن طريق لغتها الأصلية”.
وأشارت إلى أن “اهتمام الباحثين الدوليين باللغة الأمازيغية و دراسة اللغات الأفريقية في مراكز البحوث العالمية، وأهم من كل ذلك ثقة الليبي الجديد في نفسه وفي تاريخه الحقيقي واعتزازه بليبيته القائمة على تاريخ صحيح وليس تاريخ مزيف كتبه ساسة من أجل مجدهم الشخصي، هنا الفائدة عامة وليست خاصة”.
وحول رغبة تعلم اللغة الأمازيغية في ليبيا من عدمها، قالت المنصوري: “لنبدأ بالاختيار أولا،ً ثم بعد ذلك نأتي لمثل هذا السؤال، ليكن القرار تعليم اللغة اختيارياً أولا،ً أنا متأكدة أن كل الليبيين سوف يرغبون بتعليمها عندما تنزاح غشاوة الفتن” .
وأعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، الشهر الماضي أنه سيصدر تعليمات لوزارة التعليم بتسهيل كل السبل لتخصيص مناهج للغة الأمازيغية في كل مدارس ليبيا.
ووجه الدبيبة وزير التعليم رسمياً، للتنسيق مع مراقبات تعليمية بشأن تدريس اللغة الأمازيغية وطباعة الكتب المدرسية بها والتعاقد مع مدرسيها، مشدداً على أن “أبشع ما قد يتعرض له الإنسان أن يتعرض لطمس هويته وقوة مجتمعنا تكمن في تنوعه”.
*”سبوتنيك“