في إطار فعاليات أيام الشهيد التي تنظمها الحركة الثقافية الأمازيغية بمراكش تحت شعار: “الاغتيال السياسي، مرحلة تستدعي تقييم التراكم النضالي الأمازيغي، وضرورة بلورة رؤى مستقبلية”، نظم ذات الإطار مساء يوم الجمعة 22 أبريل 2016، ندوة تحت عنوان “النضال الأمازيغي، بين اختلاف الرؤى الاستراتيجية، وآفاق العمل المشترك”، دعا إليها ممثلي مختلف التيارات الأمازيغية من أجل فتح نقاش جدي، وتقريب الرؤى بين المناضلين.
وقد أعطيت للمناضلة والإعلامية أمينة ابن الشيخ أولى مداخلات هذا اللقاء، وتناولت خلالها مشروع ميثاق تمازغا من أجل كونفدرالية ديمقراطية واجتماعية عابرة للحدود، مبنية على الحق في الحكم الذاتي للجهات، وهو المشروع الذي اعتمد من طرف “التجمع العالمي الأمازيغي” المجتمع في الملتقى العام التأسيسي ببروكسيل في ديسمبر 2011، والذي تمت الموافقة عليه في المؤتمر السابع لأمازيغ العالم بتيزنيت في ديسمبر 2013، كما أعيد التصويت عليه في مؤتمر إفران أواخر نونبر 2015.
وقالت ابن الشيخ أن الهدف من المشروع هو إيلاء أهمية أكثر لسياسة التسيير الإداري الذاتي، والمعروفة باسم الديمقراطية التشاركية، وذلك باعتماد حكم ذاتي في جميع جهات تمازغا، مع احترام الحدود السياسية لكل دولة، مشيرة في ذلك إلى الاتحاد الأوروبي كمثال مشابه، والذي يضمن لمواطنيه حرية التنقل والاشتغال في جميع دول الاتحاد.
وأضافت ابن الشيخ أن الميثاق بالإضافة إلى مبادئه الأربعة: كرامة، حريات، مساواة، تضامن، يضمن حق التدين والعقيدة وممارسة السياسة، كما أن كونفدرالية تامزغا تلتزم أيضا حسب ابن الشيخ بالانخراط وتبني المبادئ والحقوق والالتزامات المنصوص عليها في مواثيق تلك المنظمات، كما تؤكد التزامها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، وعزمها على العمل من أجل السلام والأمن في العالم.
وبخصوص اختلاف الرؤى الاستراتيجية عند الحركة الأمازيغية، أوضحت ابن الشيخ أن كل تنظيم يشتغل وفق تصوره الخاص، وبأن طرق الاشتغال تختلف، لكن يبقى الهدف واحد واحد وهو الاشتغال وفق تصور استراتيجي غايته الأساسية خدمة القضية الأمازيغية.
وفي هذا الصدد قالت ابن الشيخ بأن المنظمة التي تمثل فرعها بالمغرب، التجمع العالمي الأمازيغي، أخذت مجموعة من المبادرات، كمبادرة التفعيل الشعبي لرسمية الأمازيغية، ردا على تأخر الحكومة الحالية في إخراج القوانين التنظيمية، إضافة إلى مبادرة مقاطعة إحصاء 2014، وعدد من المبادرات الأخرى التي تهدف بالأساس إلى تعزيز الفعل النضالي الأمازيغي بالمغرب وشمال إفريقيا.
وأثناء النقاش قالت أمينة ابن الشيخ أنه من أجل الوصول إلى فعل أمازيغي مشترك، لابد من تنسيق الجهود بين الحركة الثقافية الأمازيغية، وامتدادها في الشارع السياسي المتمثل في الحركة الأمازيغية عموما، وبهذا الصدد تساءلت ابن الشيخ عن مصير عدد من خريجي الحركة الثقافية الأمازيغية الذين ينقطعون عن النضال بمجرد مغادرتهم للجامعة.
وفي ذات السياق سجلت الإعلامية الأمازيغية غياب التأثير الأمازيغي في الشارع السياسي، مشيرة إلى أن أغلب التيارات العروبية المعادية للأمازيغية بالمغرب، يقودها أمازيغ، والسبب في ذلك كله تقول ابن الشيخ راجع إلى غياب تصور واضح لدى خريجي مدرسة النضال الأمازيغي بالجامعة، وعدم التحاقهم بالفعل الأمازيغي على مستوى الشارع، سواء كجمعيات، أو إطارات أو أشخاص.
وكإجابة عن السؤال الإشكالي ماذا نريد، الذي سبق أن ناقشته الإعلامية في إحدى صرخاتها، قالت ابن الشيخ أن “القرارات السياسية لا يمكن أن تكون إلا داخل الأحزاب السياسية والبرلمان، شريطة استحضار المبادئ الأمازيغية دائما”، وقالت بأن جدلية الجذري والإصلاحي في خطاب الحركة الأمازيغية غير مجدية، ولا توصلنا لأية نتائج.
ومن جهته تحدث الأستاذ عبد الله الحلوي عما أسماه بالندية السياسية، وأكد على ضرورة بناء تنظيم أمازيغي محكم اعتمادا على ثلاث مكونات أساسية: “المكون السوسيو اقتصادي، المكون الإعلامي والفكري والمكون الحزبي”.
وقال الحلوي بأن الدولة المغربية عملت، منذ الاستقلال إلى اليوم، على الإقصاء الممنهج للأمازيغ، عن طريق سياسات التفقير والتجهيل والتهجير، حيث ذكر تقرير الخارجية الأمريكية الأخير (2015) أن المناطق الأمازيغية هي الأفقر والأكثر أمية بنسبة تتجاوز 80 في المائة، هذه العلاقة بين الأمازيغ والدولة قال الحلوي “يمكن التعبير عنها انطلاقا من آليتين أساسيتين هما الإبعاد والابتعاد”.
وأشار الحلوي إلى أن هذه السياسات التي نهجتها الدولة، أفرزت “العزلة اللوجيستية للحركة الأمازيغية”، وذلك يقول الحلوي عكس الحركات القومية والإسلامية، التي كانت تجد لها دعما كبيرا من الدول القومية ودول الخليج، رغم عدم امتداد خطاباتها في المجتمع أحيانا، فتكون بذلك الحركة الأمازيغية: “الحركة السياسية الوحيدة التي عرفت عزلة تامة عن أي دعم خارج ذوات المناضلين الأمازيغ”.
وأكد الحلوي على أن الحركة الأمازيغية ممتدة في المجتمع، “لكن ليس لها ما يكفي من التأثير”، وذلك راجع حسب الحلوي لضعف أبنائها في التكوين الإعلامي والفكري، وكذا المرافعات القانونية، “وهي في حاجة إلى ذلك من أجل خلق ندية سياسية للنظام القائم، تتمثل في تنظيم أمازيغي محكم.
وبخصوص التنظيم الحزبي، قال الحلوي بأن هناك عددا من التحديات، تتمثل أساسا في كسب المشروعية السياسية، وثقل المشاكل الاجتماعية التي تتسبب في قبر كل التنظيمات السياسية المغربية مهما كانت شعبيتها، لذا يؤكد الحلوي، أنه “يجب على الحزب الأمازيغي أن ينجز على الحزب الأمازيغي أن يراكم على المستوى المدني قبل أن ينتقل للسياسي.
أما المناضل والكاتب رشيد الحاحي فقد طرح خلال مداخلته عددا من التساؤلات التي تؤرق كاهل الحركة الأمازيغية في الوقت الراهن، وحاول إيجاد إجابات موضوعية، إما من خلال كتابات سابقة له في الموضوع أو من خلال الاستعانة بتصوات أخرى حول الموضوع، وخلص في ختام مداخلته إلى اقتراحات من شأنها تصحيح مسار النضال الأمازيغي.
وتساءل رشيد الحاحي في بداية مداخلته عن الأسباب الكامنة وراء تراجع الفعل النضالي الأمازيغي، أهي ذاتية تعود إلى تقاعس المناضلين الأمازيغ عن دورهم تجاه القضية، أم موضوعية تتعلق بالشروط السياسية العامة، وبهذا الصدد قال الحاحي بأن السبب يرجع أساسا، إلى سياسة الاحتواء التي انتهجتها الدولة تجاه كل ما هو أمازيغي، إضافة إلى المجهودات المضادة لبعض الأحزاب المعادية للمشروع الأمازيغي.
وعن سؤال: “هل استطاعت الحركة الأمازيغية أن تبلور هوية اجتماعية واضحة المعالم؟ وما سبب انحصارها على المجتمع؟”، يجيب الحاحي بأن الحركة الأمازيغية لم تستطع أن تلامس الجوانب الاجتماعية على النحو المطلوب، وذلك راجع حسب الحاحي، إلى تخوين الحركة وصهينتها من طرف العديد من الذين راحوا ضحية لمقاربة السلطة والقوى المضادة، التي تحاول استهجان الخطاب الأمازيغي.
وتساءل الحاحي، عما إذا كانت لدينا جرأة في اتخاذ القرار المستقل، وقال بأن هناك مجموعة من العناصر والشروط الموضوعية المتعلقة بالحاجة الاجتماعية، التي مهدت لبروز جل التنظيمات الساسية، وأضاف “أننا في مرحلة دقيقة جدا، وأي خطوة تهورية يمكن أن نضحي من خلالها بتراكم كبير للحركة الأمازيغية.
وأبرز الحاحي بخصوص سؤال الاختيارات السياسية والصراع الاجتماعي، أن هناك استراتيجية للهيمنة على الأمازيغية لغة وهوية وثقافة، تحدث عنها بالتفصيل في كتابه الأمازيغية والسلطة، وأشار إلى أنه يصعب التفكير في إمكانية تصحيح هذا المسار، كما يصعب انتزاع وضعية قوية للأمازيغية في ضل معادلة الأمازيغية والسلطة الحالية.
وخلص الحاحي إلى ثلاث عناصر أساسية تتحكم في مدى قوة وضعف الحركة الأمازيغية، بحيث لا يمكن الحديث عن الأمازيغية في المغرب دون استحضار الشرط العالمي والإقليمي (أسئلة كبرى تطرح على الدول والسياسات)، إضافة إلى الوضع المحلي (حركات محلية قوية)، ثم الجرأة على اتخاذ قرار مستقل.
ومن أجل تجاوز مرحلة الهذر والضعف داخل الحركة الأمازيغية، قال الحاحي بأن مستقبل القضية الأمازيغية هو العمل المشترك، واقترح خيار التكامل بين المبادرات، ودعى جميع الفاعلين إلى نقاش حقيقي من أجل عمل أمازيغي مشترك، مع تحمل المسؤولية الأخلاقية والتاريخة.
وفي ختام الندوة توجت الحركة الثقافية الأمازيغية أسبوعها النضالي بمسيرة باتجاه الساحة التي اغتيل فيها شهيد القضية الأمازيغية عمر خالق إزم، ليتم فتح نقاش حول حيثيات اغتيال الشهيد وعدد من القضايا التي تهم الفعل النضالي الأمازيغي.
كمال الوسطاني/ منتصر إثري