أمسبريذ: الأدب الأمازيغي يقاسي تهميشا بنيويا مهولا بالمقارنة مع غيره في بلادنا

أمسبريذ: الأدب الأمازيغي يقاسي تهميشا بنيويا مهولا بالمقارنة مع غيره في بلادنافي دروب الزمن حيث تلتقي الحكاية بالشعر، وتتشابك الكلمات لتنسج عالمًا يفيض بهوية تنبض بالحياة، يبرز صوت الأدباء كهمسة عميقة تحاور الروح وتسائل الوجود. في هذا الإطار، يسعدنا أن نفتح صفحات جريدة “العالم الأمازيغي” لاستقبال الأستاذ ميمون أمسبريذ، أحد الأسماء اللامعة التي اختارت الحرف الأمازيغي معبرًا عن ذواتها وهمومها.

من بين دفاتر طفولة قروية ممتلئة بعبق التراث الأمازيغي، وبين تجارب حياتية متعددة الأبعاد، نجد أنفسنا أمام مسيرة أدبية غنية تتماهى مع نبض الهوية وتستكشف أفق الإبداع. من هنا، ندعوكم لاستكشاف عوالمه الأدبية، حيث يروي لنا تفاصيل بداياته، وشغفه بالكتابة، ورؤيته العميقة لدور الأدب في صيانة الثقافة واللغة الأمازيغية.

أمسبريذ: الأدب الأمازيغي يقاسي تهميشا بنيويا مهولا بالمقارنة مع غيره في بلادنا

مرحبًا بك أستاذ، لنبدأ رحلتنا بالسؤال البسيط والملهم: من هو ميمون أمسبريذ؟

ولدت في قرية تشوكت، قبيلة أيث سعيذ، جماعة دار الكبداني، إقليم الدريوش. تعلمت الأبجدية العربية وجزء من القرآن في مسيد الحي. بعد ذلك تابعت دراستي الابتدائية في مدرسة القرية. وبعد حصولي على شهادة الدروس الابتدائية انتقلت الى الناظور لمتابعة الدراسة في ثانوية الكندي، ثم في ثانوية محمد بن عبد الكريم الخطابي التي غادرتها خلال السنة الأخيرة لأواصل الدراسة في مكناس، حيث نلت شهادة الباكالوريا. تابعت دراستي الجامعية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة «سيدي محمد بن عبد الله»، حيث نلت الاجازة في اللغة العربية وآدابها، ثم دبلوم الدراسات المعمقة في الأدب العربي الحديث. هاجرت بعد ذلك إلى بلجيكا حيث انتسبت إلى جامعة بروكسيل الحرة (ULB) ونلت منها دبلوم الدراسات المعمقة في الاسلامولوجيا. سنوات بعد ذلك انتسبت إلى «مدرسة المترجمين والمترجمين الفوريين الدوليين» Ecole des traducteurs et interprètes internationaux التابعة لجامعة «مونص» وحصلت منها على ماستر تخصص في علم الترجمة Master de spécialisation en traductologie. وأقيم حاليا ببلجيكا.

هلا حدثتنا عن البدايات الأولى لتورطك في الكتابة؟

علاقتي بالكتابة كانت مبكرة ولكنها متقطعة. وقد كتبت أولى أشعاري بالأمازيغية وأنا في السنة الخامسة ثانوي. وخلال المرحلة الجامعية كتبت أشعارا كثيرة بالعربية؛ وهي غير منشورة. ولم أستأنف الكتابة الأدبية بالأمازيغية إلا مع ظهور شهرية «تاويزا» لصاحبها الأستاذ محمد بودهان أواخر التسعينات. وقد زاوجت خلال مدة صدورها بين القصة والشعر، فضلا عن مقالات بالفرنسية والعربية في التنظير للأدب الأمازيغي الفتي، وأخرى في السجال مع خصوم الأمازيغية وقتئذ.

أصدرت مؤخرا كتاب عبارة عن مجموعة نصوص بالأمازيغية بعنوان “Tiggaz di arrimet n wussan”، حبذا لو تقرب القارئ إليه، وعن أهم المواضيع التي اشتغلت عليها؟

كما سبق القول، خلال فترة صدور جريدة «ثاويزا» كنت أنشر فيها نصوصا سردية هي عبارة عن قصص وأخرى شعرية وثالثة تخرج عن التصنيفات المعتمدة. ويعد ديوان «Tiggaz» المشار اليه تجميعا للصنفين الأخيرين مضافا إليهما ما كتبته خلال السنوات القليلة الأخيرة.

ديوان «وشوم في جسد الزمن» الصادر عن مكتبة الأنوار بسلوان – الناظور، يحتوي على نصوص مختلفة من حيث النوع والشكل: نصوص نثرية وأخرى شعرية وشذرات تخرج عن التصانيف المعتادة. تتوزعها انشغالات متنوعة: تأملات في الزمن الذاتي، في الهوية الذاتية والانتماء؛ نظرات في الكتابة واللغة؛ نقد المنعطف الاستهلاكي لحضارة العصر؛ الانهمام بالحي Le vivant إزاء الخطر الوجودي الذي يتهدده؛ نقد العمى الأيديولوجي الذي يحول دون التبصر في الوضع البشري..

روايتك “Adwal” لاقت استحسان كبير من طرف القراء، ماذا يعني لك عنوان الرواية وكيف يرتبط بمضمونها؟

الرواية صدرت عن مكتبة الأنوار السابقة الذكر العام الماضي. عنوانها مزدوج الدلالة: من جهة يحيل على قرار مصيري اتخذه بطل الرواية، نترك للقارئ فرصة اكتشافه؛ ومن جهة أخرى يحيل، بطريقة غير مباشرة، على مؤسسة اجتماعية كانت قائمة في الماضي؛ ويعمل البطل على إحيائها إحياء لروح التضامن ومقاومة للفردانية التي غزت فضاءنا الاجتماعي.

كيف تعكس الرواية جوانب من الحياة اليومية والثقافة الأمازيغية؟

الرواية تضع الراوي – البطل في سياقات حياتية متحولة. وهي بذلك تستعمل السرد والوصف في إبراز جوانب من الحياة الاجتماعية للجماعات التي انتمى إليها الراوي خلال مختلف مراحل حياته المتعددة. ومن عناصر الحياة الاجتماعية تلك هناك طبعا عنصر الثقافة في تحولاتها عبر الزمان والمكان..

برأيك، هل تطوّر الأدب الأمازيغي القصصي والروائي بشكل كافٍ لمواكبة التغيرات الاجتماعية والسياسية المعاصرة؟

في رأيي أنه من السابق لأوانه الحديث عن التطور. إذ أن هذا الأدب لايزال في طور النشأة. وهذا ليس حكم قيمة وإنما إقرار لواقع أو معطى زمني محض. وكونه في طور النشأة لا ينفي قدرة نماذجه الناضجة على الإمساك باللحظات المفصلية في تاريخ وحاضر الجماعة المرجعية. وتفسير ذلك أن من كتاب الأدب السردي من لا ينطلق من فراغ، وإنما من دراية مردها التمرس بالآداب العالمية. يبقى طبعا معيار مدى قدرة كل كاتب على تحيين تلك الدراية من خلال رصيده اللغوي في الأمازيغية.

اقتحمت المجال الأدبي بمجموعتك القصصية “Aman Ibarchanen”، كيف تقيّم آفاق تطور القصة القصيرة الأمازيغية في منطقة الريف والمغرب عمومًا؟ وهل تلاحظ ظهور توجهات أو أساليب إبداعية جديدة تستحق تسليط الضوء عليها؟

لا أدعي الإحاطة، ولا حتى الإلمام، بكل ولا معظم ما كتب في هذا الجنس الأدبي الفتي في اللغة الأمازيغية… ولكني أسجل وجود دينامية كتابية لا بأس بها. دينامية أثمرت بعض المنجزات متفاوتة النضج؛ ولابد أن استمرارها سيفضي إلى إنتاج أعمال أكثر اكتمالا: لغة وفكرا وتقنية..

هل من كتاب أو أدباء أثروا في أسلوبك الكتابي؟ وكيف تصف علاقتك بأعمالهم؟

كما أومأت الى ذلك سابقا، لا أحد يكتب من فراغ! ولست أشذ عن القاعدة! غير أن التأثر عادة لا يكون مباشرا ولا واعيا؛ وإنما هو تمثل لعناصر مترسبة في اللاوعي من مختلف القراءات… ولكون قراءاتي مبكرة ومستمرة ومن مصادر متنوعة، مترجمة أو في لغاتها الأصلية، فمن الصعب أن أعين كاتبا أو عملا أدبيا لهما أثر في كتاباتي. وهذا لا ينفي أن لي تعلقا شخصيا بكتاب من قبيل مارغريت يورسينار وأمبرطو ايكو وألبير كوهن ومولود معمري وجون جيونو وداني لافيريير وإبراهيم الكوني والطيب صالح وجمال الغيطاني (في بعض أعماله)، وآخرين واخريات..

ما هي على العموم التحديات التي تواجه الكاتب بالأمازيغية؟ وكيف ترى سبل التغلب عليها؟

التحدي الأول هو وضعية اللغة الأمازيغية التي هي أداة الكاتب. فإذا كانت هذه اللغة قد حققت مكتسبات لا تنكر على المستوى القانوني، وجزئيا على المستوى التطبيقي، فإن تباطؤ وتيرة تدريسها في جميع المستويات التعليمة يجعل كتلة المقروئية ضئيلة. هذه الضآلة من شأنها أن تحبط عزيمة من يجدون في أنفسهم ميلا إلى الكتابة بها…

أما التحدي الثاني فهو غياب دور نشر بالتعريف المعمول به. أي دار نشر بلجنة قراءة ومراجع لغوي وقاعدة مالية تمكنها من الاستثمار في الكتاب بصفته «شيئا ثقافيا» وفي نفس الوقت سلعة تقتضي الترويج من خلال الاشهار والتوزيع…

وطبعا، فإن التغلب على هذين التحديين الأساسيين رهين بإعمال الحلول الكفيلة بتجاوزهما.

هل تجد أن الأدب المكتوب بالأمازيغية يعاني من تهميش مقارنة بالأدب المكتوب بالعربية أو اللغات الأخرى؟ وما السبيل لدعمه؟

يمكن القول إن السؤال يتضمن الجواب! نعم! إن هذا الأدب يقاسي تهميشا بنيويا مهولا بالمقارنة مع غيره المكتوب باللغات المعتمدة في بلادنا. فإذا كان عامل حرمان الأمازيغية من تعميم عمودي وأفقي، عمومي وخصوصي، لتعليمها يحرم الأدب المكتوب بها من كتلة مقروئية كافية، فإن تمتع اللغات الأخرى بذلك الامتياز يجعل الأعمال المكتوبة بها تحظى بتلق أوسع بما لا يقاس مما تحظى به الأعمال الأمازيغية… أما السبيل إلى دعمه فيبدأ برفع العراقيل الموضوعة أمام الأمازيغية، وأولها التوقف عن اختلاق الأعذار (les alibis) لمنع تعميم تعليمها. ما عدا هذا، ينبغي سن سياسة دعم تفضيلية لجبر الضرر الذي لحق بالأمازيغية، لغة وثقافة، جراء السياسة اللغوية والثقافية التمييزية لدولة الاستقلال.

كيف توازن بين الحفاظ على الأصالة الأمازيغية في كتاباتك وبين الانفتاح على الثقافات والأدب العالمي؟

في تصوري أن ما نسميه «أدبا عالميا» ليس سوى آداب محلية توفرت لها شروط الانتشار. وعليه لم أطرح على نفسي أبدا، خلال الكتابة، سؤال الأصالة والانفتاح..

ما هي رؤيتك لدور الأدب الأمازيغي في الحفاظ على التراث الثقافي واللغوي للأمازيغ؟ وهل ترى أن هناك تزايد في الاهتمام بالأدب الأمازيغي من قبل القراء؟

إذا كان الحفاظ يعني استثمار هذا التراث في الممارسة الكتابية، فمن المؤكد أن دور الأدب الأمازيغي حيوي في الاضطلاع بتلك المهمة (إلى جانب أجناس فنية أخرى طبعا).

بخصوص الاهتمام بالأدب الأمازيغي، يوجد فعلا تزايد نسبي للاهتمام بهذا الأدب. وذلك راجع إلى اعتماد بعض الجامعات لـ «مسالك» في اللغة الأمازيغية. وهو ما يعني أنه اهتمام مشروط بمتطلبات دراسية وأكاديمية..

على أنه يلاحظ، إلى جانب ذلك، تنامي الفضول بشأن الأدب الأمازيغي لدى فئة غير محكومة بتلك المتطلبات. وأخمن أن لمنصات التواصل الاجتماعي دورا في ذلك.

كيف ترى مستقبل اللغة الأمازيغية في الأدب؟ وهل تعتقد أن هناك جهود كافية من المؤسسات الثقافية لدعم هذا المستقبل؟

مستقبل اللغة الأمازيغية في الأدب هو المستقبل الذي تقبل أو لا تقبل الدولة ضمانه لهذه اللغة. إن أداة الأدب هي، بداهة، اللغة. والكتاب بالأمازيغية يبذلون جهدهم لجعلها تحيا وتنمو في كتاباتهم. لكن إذا لم تجد هذه الكتابات قراء يتلقونها بسبب سياسات تعليمية وثقافية غير مساعدة، فإن أثر ذلك الجهد سيظل محدودا. وقد سبق أن انقرضت لغة من لغات فرنسا رغم أن كاتبا من كتابها نال بها جائزة نوبل للآداب.

هل هناك أعمال جديدة تعمل عليها حاليا؟ وما الذي يمكن أن نتوقعه منك في المستقبل القريب؟

أقوم منذ بعض الوقت برقن نصوص مخطوطة أنوي إخراجها العام المقبل في كتاب.

مساحة حرة..

أشكر الأستاذ خير الدين الجامعي على إتاحته لي فرصة الحديث إلى قراء «العالم الأمازيغي». كما أنوه بدورها في التعريف بصناع الأدب الأمازيغي خصوصا؛ وكذا بدورها في تنوير الرأي العام بإحداثيات القضية الأمازيغية.

حاوره: خيرالدين الجامعي

أمسبريذ: الأدب الأمازيغي يقاسي تهميشا بنيويا مهولا بالمقارنة مع غيره في بلادنا

اقرأ أيضا

يوبانا: موسيقانا تستمد روحها من تراث «اسمكان» وإيقاعات «تاسكيوين» و«أحواش»

رمز من رموز الأصوات الموسيقية المغربية الشابة التي تسعى لنقل الثقافة المغربية الغنية خارج الحدود. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *