أمل تصحيح انحراف مشروع قانون تفعيل رسمية الأمازيغية في المجلس الوزاري

بقلم: الصافي مومن علي
بقلم: الصافي مومن علي

بناء على الفصل 48 من الدستور الذي يقضي بتداول المجلس الوزاري الذي يرأسه جلالة الملك في مشاريع القوانين التنظيمية، قبل عرضها على البرلمان.

وبناء على القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية المنصوص عليه في الفقرة الرابعة من الفصل الخامس من الدستور، الذي من المنتظر مناقشته في المجلس الوزاري بعدما تم إعداد مسودة مشروعه أخيرا من طرف الحكومة .

وحيث أن مشروع هذا القانون مشوب بعدة عيوب جوهرية تمس روح الدستور، وكذا الخط الاستراتيجي لسياسة الدولة بشأن الأمازيغية، فضلا عن اتسامه بالخلط والغموض، وإغفال إضفاء الصبغة الإلزامية على كثير من بنوده، الشيء الذي يجعله أقرب إلى نظام أخلاقي، منه إلى نصوص قانونية ملزمة.

وحيث إن كانت الحركة الأمازيغية وبعض مكونات المجتمع المدني والسياسي قد عبرت عن استيائها العميق وعن تذمرها من مضمون هذا المشروع، وكذا من طريقة إعداده، فإنها تتطلع بأمل وتفاؤل كبيرين إلى وقوع تنقيح عيوب هذا القانون في المجلس الوزاري، عندما يقع تداول بنوده تحت مراقبة وتوجيه جلالة الملك، الساهر على احترام الدستور، وعلى صيانة حقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات.

وحيث تتلخص مختلف الوسائل المثارة ضد القانون التنظيمي المنتقد في ما يلي :

الوسيلة الأولى : تعارض مدلول هذا القانون للغة الأمازيغية ، مع مدلول الدستور لهذه اللغة :

 حيث إن كان الدستور قد ميز صراحة في فصله الخامس بين اللغة الأمازيغية الرسمية ، و بين تعابيرها و لهجاتها المختلفة ، وذلك بإضفائه على الأولى صفة “اللغة” و إطلاقه على الثانية صفة “التعابير” و ” اللهجات” ، ثم أيضا بحديثه عن اللغة الأمازيغية الرسمية بصيغة المفرد والوحدة ، و حديثه في مقابل ذلك عن تعابيرها و لهجاتها بصيغة الجمع و الكثرة ، فإن مشروع القانون الحكومي جاء بمدلول مخالف و غريب ، خلط فيه كل التعابير و اللهجات الأمازيغية ، وكذا اللغة المعيارية المقررة من طرف المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في خليط واحد ، أطلق عليه تعسفا إسم “اللغة الأمازيغية” ، في مادته الأولى الفقرة الثانية التي تنص فيها بالحرف على مايلي :

“يقصد باللغة الأمازيغية في مدلول هذا القانون التنظيمي مختلف التعبيرات اللسانية الأمازيغية المتداولة بمختلف مناطق المغرب ، و كذا المنتوج اللسني المعجمي الأمازيغي الصادر من مؤسسات و الهيئات المختصة”

-2-

و حيث إن كان هذا الخطأ يشكل في حد ذاته خرقا سافرا للدستور ، موجبا لإبطال القانون المذكور ، فإنه لا يعتبر مجرد اختلاف مفاهيمي شكلي كما قد يبدو ظاهريا للبعض ، بل إن خطره أدهى وأمر ، تترتب عنه عواقب وخيمة أهمها :

– أنه يهدد الوحدة الوطنية للمملكة ، لمخالفته الهدف الاستراتيجي الوحدوي للدولة في اعتمادها للأمازيغية ، هذا الهدف الذي أكده جلالة الملك محمد السادس في ديباجة ظهير المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بقوله السامي :

“و اقتناعا من دولتنا الشريفة بأن تدوين كتابة الأمازيغية سوف يسهل تدريسها و تعلمها وانتشارها ، و يضمن تكافؤ الفرص أمام جميع أطفال بلادنا في اكتساب العلم و المعرفة ، ويساعد على تقوية الوحدة الوطنية” .

كما أن جلالته كرس هذا الهدف الوحدوي من خلال إحداثه مؤسسة واحدة للأمازيغية هي المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ، و ذلك بدل إحداثه معاهد لهجاتية متعددة في مختلف جهات المملكة .

ثم جاء دستور 2011 ليحسم هذا الأمر بتنصيصه في الفقرة الرابعة من الفصل الخامس على أن اللغة الأمازيغية الرسمية المعنية بالادماج في التعليم و مجالات  الحياة العامة هي اللغة الواحدة المفردة الموصوفة بإسم “اللغة” ، مما تكون معه التعابير و اللهجات الأمازيغية مستثناة من هذا الإدماج بصريح الدستور .

و هكذا ففي الوقت الذي تتوخى فيه بلادنا أن يساهم إقرار اللغة الأمازيغية الرسمية في تقوية الوحدة الوطنية ، و في تعزيز التلاحم و الانصهار الوطني ، إلى جانب اللغة العربية الرسمية الواحدة ، و المذهب الديني الرسمي المغربي الواحد ، فقد جعل القانون التنظيمي من الأمازيغية عاملا للتفرقة و التشتيت و الفوضى ، بتنصيصه في المواد : 4، 5 ، 6 ، 7 على تدريـس ما سمـاه ” اللغة الأمازيغية” ، التي تعني بالنسبة إليه مختلف  التعبيرات اللسانية الأمازيغية المتداولة في مناطقها المختلفة ، الشيء الذي يؤدي حتما و في خط مستقيم إلى خلق بؤر بيئية قابلة في كل وقت للانفصال عن الوطن .

أما الخطر الثاني لهذا القانون فيتمثل في فوضى إغراق دولتنا بعملات وطنية متعددة ، و كذا بعدة جرائد رسمية ، ناهيك عن البلبلة و التشويش في اختلاف علامات التشوير بين المناطق ، و غير ذلك من الصعوبات المادية و المالية الجمة الأخرى التي يخلقها اعتماد اللهجات الأمازيغية في التدريس ، و في مختلف مجالات الحياة العامة داخل جهاتها .

-3-

و هناك أيضا خطر ثالث لا يقل أثره عن الخطرين السابقين، يكمن في عرقلة الكثير من التلاميذ عن متابعة دروسهم ، و تعريض حياتهم بالتالي للضياع ، على اعتبار أن انتقال أسر هؤلاء الأطفال من منطقة  لهجاتية إلى منطقة أخرى مختلفة ، سيعيق مواصلة دراستهم بالأمازيغية ، لاختلاف الأمازيغية المعتمدة في منطقتهم عن اللهجة الأمازيغية المقررة في المنطقة التي انتقلوا إليها .

الوسيلة الثانية :  تقزيم و ظائف الأمازيغية في هدف واحد ووحيد :

على الرغم من إقرار مشروع القانون التنظيمي في مذكرته التقديمية ، برسمية اللغة الأمازيغية ، فإنه قد اقتصر على تحديد هدفها في وظيفة واحدة فقط ، هي تعزيز التواصل بها في مختلف المجالات العامة .

و حيث إن حصر دور الأمازيغية في هذا الهدف الوحيد فحسب ، يخالف الدستور من منطلق أن المشرع عبر عن قصده و إرادته من ترسيم الأمازيغية في الفقرة الرابعة من الفصل الخامس مؤكدا ان غرضه من ذلك هو أن تتمكن الأمازيغية من القيام بوظيفتها بصفتها لغة رسمية ، بمعنى أن الدستور لما لم يكن قد نص على تحديد وظيفة الأمازيغية في التواصل وحده ، فقد كان مقصوده أن تكون تلك الوظيفة كاملة غير منقوصة ، أي أن تشمل التواصل ، و التنمية ، والمساهمة في تطوير المجتمع ، وفي تقوية الوحدة الوطنية ، ثم في تأكيد الخصوصية الهوياتية المغربية ، وغير ذلك من الوظائف المتعلقة عادة باللغات الرسمية .

الوسيلة الثالثة : تكريس القانون التنظيمي للتمييز العنصري بسبب اللغة :    

   حيث إن كان من المعلوم أن تدريس اللغة العربية الرسمية يعتبر حقا وواجبا في نفس الوقت بالنسبة لعموم المواطنين أينما كانوا و كيفما كانوا ، فإن القانون الحكومي المعيب في مادته الثالثة اقتصر على جعل تدريس اللغة الأمازيغية حقا لجميع المغاربة فحسب ، و لم يجعله كذلك واجبا كما هو الشأن بالنسبة للعربية .

و حيث لما كان الدستور ينص على اعتبار العربية و الأمازيغية لغتين رسميتين معا بدون تمييز ، فإن قيام القانون التنظيمي بحرمان الأمازيغية من واجب التدريس يجعله غير ممتثل لأحكام تصدير الدستور التي تنص على حظر و مكافحة كل أشكال التمييز بسبب اللغة .

الوسيلة الرابعة : عدم دقة القانون التنظيمي في تحديد مهمته :

حيث تنص الفقرة الرابعة من الفصل الخامس من الدستور على ما يلي :

“يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية و كيفيات إدماجها في مجال التعليم و في مجالات الحياة العامة ذات الأولوية ، و ذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها بصفتها لغة رسمية “

-4-

و حيث يستفاد من هذا الفصل قيام الدستور بتحديد عمل القانون التنظيمي في ثلاثة مهام أساسية هي :

1/ قيامه بفرض إدماج اللغة الأمازيغية الرسمية في التعليم و في مجالات الحياة العامة ذات الأولوية .

2/قيامه بدقة و ضبط بتحديد كيفيات إدماج هذه اللغة في المجالات الآنفة الذكر ، لكي يكون القانون مرجعا واضحا و مفيدا للمرافق العمومية المعنية بالادماج ، ثم لكل من يهمه أمر مراقبة تنفيذ هذه المرافق لمقتضيات هذا القانون .

3/تحديده بدقة و ضبط كذلك لمختلف مراحل إدماج هذه اللغة في المجالات المعنية بالادماج حتى يكون حكما غنيا في ميدان اختصاصه .

و تبعا لذلك لما كانت مقتضيات هذا القانون تندرج في إطار حماية و تطوير و تنمية استعمال اللغة الأمازيغية باعتبارها لغة رسمية ، طبقا لمفهوم الفقرات : 4.3.2.1 من الفصل الخامس ، فسيكون على المجلس الوطني للغات و الثقافة المغربية –درءا للتناقض- مراعاة هذه المقتضيات في تنفيذ مهمته لتنمية اللغتين الرسميتين العربية و الأمازيغية ، ثم مراعاتها أيضا في وضعه للسياسة اللغوية و الثقافية المنسجمة ، المنصوص عليها في الفقرة الخامسة من الفصل الخامس من الدستور.

كما أنه سيكون أيضا على المجلس الأعلى للتربية و التكوين و البحث العلمي ، لنفس الغاية مراعاة مقتضيات هذا القانون التنظيمي في تخطيط سياسته اللغوية.

و حيث لم يكن القانون التنظيمي المنتقد و الحالة هذه دقيقا و مضبوطا في تحديد المهام المسندة إليه من طرف الدستور ، كما أنه لم يكن أيضا دقيقا و مضبوطا في تحديد كل المجالات المعنية بالإدماج ، بدليل أنه أغفل مجال الأوقاف و غيره من المجالات الأخرى ذات الأولوية ، و من جهة ثالثة لم يكن كذلك دقيقا و مضبوطا في اختيار الألفاظ والآليات  والصيغ القانونية المناسبة.

و حيث أن هذه المعطيات و كل الأسباب المتقدم ذكرها تدعو إلى إعادة النظر في هذا القانون لتنقيحه و تصحيحه في المجلس الوزاري الذي يرأسه جلالة الملك ، و ذلك قبل عرضه على البرلمان للمصادقة عليه .

شاهد أيضاً

«مهند القاطع» عروبة الأمازيغ / الكُرد… قدر أم خيار ؟!

يتسائل مهند القاطع، ثم يجيب على نفسه في مكان أخر ( الهوية لأي شعب ليست …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *