أنا إنسان قبل أن أكون أمازيغيا

د. فتحي سالم ابوزخار
بقلم: د. فتحي سالم ابوزخار

الاختلاف سنة أكدها البارئ في محكم كتابه: “ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين” .. فمع أني ليبي وأعتبر كل من عاش ويعيش وسيعيش على أرض ليبيا فهو أخي أو أختي  بل وكل من يعيشون على أرض البسيطة هم أخوتي وأخواتي في الله .. ويبقى الدين علاقة عمودية مع الله وحده .. وليس من حق أي أحد التدخل بيني وبين الله .. لأن العلاقة تستند إلى النية والنية محلها القلب والبشر لا يملكون مقياس للنية وغير قادرين على ولوج مجاهل عوالم القلوب المتقلبة بين أصابع الرحمن.. أما علاقتي الأفقية فهي مع البشر وسيدنا المصطفى يحددها من ناحيتين: “أنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” .. “أنتم أدرى بشؤون دنياكم” .. إلا أنني أختلف عن العربي والتباوي وغيرهم، وبغض النظر عن مذاهبهم الدينية والفكرية والسياسية،  بأني إنسان أمازيغي .. وأعتذر لكل من جرحته بجرة قلمي الملتهب بآهات المعاناة العنصرية بقصد أو بجهل..

قد يكون من الصعب التعاطي مع من ينكرون ذاتك وكينونتك ويتحججون بأنك لست أنت .. أو التسامح مع من يشككون في نسبك إلى أبيك  وينكرون النسب الأمازيغي وكأنك لقيط !!! أو من يستفزك بكلمات نابية تعليقا على مقالاتك التي تناقش فيها حقوقك الطبيعية .. ومع هذا سأتجاوز المعاناة النفسية التي عشتها وأعيشها كأمازيع ينعت بالتطرف أحيانا لأنه يريد أن يعيش ويكون كما أراد له الله أن يكون أمازيغي.. وليس هناك ما يزيد أو يحط من قدري كأمازيغ قيد أنمله عن مرتبة أو مكانة أي أخ أو أخت في الأمة الإنسانية يفترش أرض الله ويتغطى بسمائه .. وسأكون موضوعيا في كلامي وسألجم عواطفي المعذبه بإهانات نكران الذات والنسب لغير الأمازيع وأقول ما لي وما عليا .. فليس من العيب أن أعترف بجنوح قلمي أحيانا عن واقع صفحة الحياة التي تراكمت على ظهرها تركة تاريخ مؤلم ومزور وقاسي بعنصريته المتلحفة برداء القداسة “الإسلامية”..

مراجعة لخطابي الأمازيغي .. واعتذار

خطابي الأمازيغي لا يفرق عن خطاب أي مقهور مرفوض لأنه أمازيغي .. شعر في لحظة ما  بهول الغبن الذي ورثه له جده وحكاوي جدته عن فجعة وشهقة الأم التي ذبح أبنها الرضيع في حجرها .. الغبن والغضب توارثاها الأمازيغ بالرغم من أن المنطق يقول: لا ذنب لمن يعيشون معنا في حاضرنا اليوم عما ورث لنا من غبن وظلم !!! حاولت مرات عديدة أن أكون أنسانا قبل أن أكون أمازيغيا وسأستمر.. ومع هذا فلا أستغرب لو خانتني لغتي وكتبت كلمة لم ألقي لها بالا فهوت بي في مستنقع جدل عقيق لا يثمر أي قيم إنسانية ولا يبني وطن .. لذلك أقدم اعتذاري عن كل كلمة خرجت فيها عن نص الحقوق ومصلحة الوطن ليبيا .. بالطبع الحقوق الأمازيغية لا تتناقض مع مصلحة الوطن .. ولن أجاري أحد في هذا الحق.. وكل من يعيش على أرض ليبيا عربي وتباوي وأمازيغي وآخر هم أخوتي وكل عربية وتباوية وأمازيغية وأخريات هن أخواتي .. للأسف المكر السياسي قد يعمي بصائرنا عن الحقيقة الثابتة إلى يوم الدين أننا أخوة وأخوات في الله، ومن منظور أنساني بحث، وأمنا ليبيا من منظور وطني فماذا تعني لنا ليبيا ؟

القاسم المشترك بيننا ..أمنا  ليبيا..

بغض النظر عن التاريخ، نتعلم منه ولا نكرر نفس الأخطاء،  المؤجج لعواطفنا من جراء المظالم التي تكبدها أو أرتكبها أجدادنا وجداتنا أمازيغ وعرب وتبو .. يبقى الثابت والواضح أنه لم يكن لنا يد في ذلك ولم نخط كلمة في هذا السجل .. ويكفينا العمل على أصلاح ما اقترفته أيدينا من مظالم خلال وبعد حرب التحرير ..17 فبراير .. التي تلاها حرب أهلية .. والحقيقة المستمرة شئنا أو أبينا أننا جميعا ولدنا على أرض ليبيا وترعرعنا من خياراتها .. فتكويننا ونحن أجنة من عناصر التراب الليبي وحملنا في بطون أمهاتنا البيولوجية على أرض ليبيا وميلادنا من رحم أمهاتنا خرج من رحم أمنا ليبيا المتسع لنا جميعا أمازيغ وعرب وتبو وآخرين .. ورضاعتنا كانت بما تغذت به أمهاتنا الحاضنة لنا واللاتي اقتاتت من خيرات وألبان أمنا ليبيا .. ويظل تراب  أمنا ليبيا العجينة التي تشكلنا منها والأرض التي تنبت قوتنا وتفجر ينابيع مشربنا واللحاف الذي يغطينا بعد مماتنا.. فهل من مذكر؟!!!

الفارق الوحيد بيننا أننا ولدنا لآباء مختلفين .. فمن كان أبوه أمازيغي فهو أمازيغي ومن كان أبوه عربي فهو عربي .. ومن كان أبوه تباوي فهو تباوي .. وكلهن أخواتنا أمازيغيات وتباويات وعربيات .. فبالقاسم المشترك بيننا أمنا ليبيا لا يمكننا إلا أن نعيش أخوة وأخوات ونحترم اختلافنا ولا نحوله إلى خلاف بيننا كما يريد أعداء أمنا ليبيا.. والمتربصون بنا يتحينون الفرصة للانقضاض على مقدرات وخيرات بلادنا.. بعد أن نيتم أمازيغ وعرب وتبو وترمل ليبيا.

معاناة وترسبات في اللاوعي

لا أنكر معاناتي بسبب أمازيغيتي خلال فترة الدكتاتور معمر القذافي.. وربما دفعني في بعض الأحيان .. لحدية لهجتي  وسأحاول استذكار بعض المحطات التي اشعلت نار الغضب وأججت في خلجات نفسي براكين الكراهية ضد أعداء الأمازيغية  .. وأنا أرى أن الجهل ربما هو العدو الحقيقي لنا جميعا.. ومع ذلك سأطلع القارئ الكريم عن بعض تلك المحطات التي مع أنها ظالمة لكن لا تعطيني الحق في التصريح بلهجة حادة .. ولا تمنعني من حق التمسك بحقوقنا الطبيعية..

· كتابة بالتيفيناغ تلغي لي تأشيرة خروج: في السبعينيات : جواز سفري الذي يحمل رقم ج / 371453/77م يحمل بالصفحة 11 تأشيرة خروج للفترة من 4 مارس 78 إلى 4 أبريل 78 .. مشطبة وملغية من قسم المخابرات، والسبب كتابة بالتيفيناغ: “د مازيغ أددرغ .. د مازيغ أدمتغ” ..ومعناها.. “أمازيغي أعيش .. أمازيغي أموت” على ظهر جاكيت أمريكي .. “جينز”.

· تشويه الذاكرة: ترددت على مسامعنا ونحن صغار كلمات عنصرية حفرت في الذاكرة .. ياجباليا .. يا ..

· توقيع أبني مازيغ بالتيفيناغ ضد أمن الدولة: سحبت ورقة امتحان أبني مازيغ بالفصل الأخير يونيو 2004 بعد أن لاحظ أحد الأساتذة المراقبين توقيع غريب فسأل أبني عن التوقيع الغريب فأجاب أنه تيفيناغ .. وبذلك سحبت ورقة الإجابة وقال له:  هذا ضد أمن الدولة.. وطلب منه مغادرة قاعة الامتحان.

· عقد يحمل حرف التيفيناع لابنتي مارن يحرك الأمن الدخلي بيفرن: في السنة الثالثة من دراستها بقسم اللغة الأنجليزية وهي متزوجة لمحت أبنتي مارن ترتدي عقد يتوسطه حرف الزاي .. التيفيناغ.. فأبلغتها أدارة كلية الآداب بيفرن مع نهاية شهر أكتوبر 2010  بأنها مطلوبة من قبل الأمن الداخلي للتحقيق معها بشأن حرف الزاي المعلق في رقبتها. وألصقت لها أيضا تهمت الخربشة بالتيفيناغ على جدران الكلية.

· أسم ابنتي تيريت يرسبها في مادة باطنه فم: مع الأسبوع الأخير من شهر يوليو أغسطس 2007  بالسنة الأخيرة لطب الأسنان وبعد أجابتها للامتحان النظري وحصولها على تقدير جيد جدا .. تأتي لجنة امتحان الشفوي والعملي “المادة لا يوجد بها عملي” فيكون السؤال الأول ألم ترسبي من قبل؟ تجيب تيريت لا .. وتسأل ابنتي عن اسمها فتقول تيريت .. وتكون الإجابة من أحد أعضاء اللجنة : “أسمك تيريت وعوزا تنجحي” .. وفعلا تم ترسيبها.. وبالرغم من طعني في ذلك بمذكرة .. مدعمة بجميع الأسئلة وإجابات أببنتي بعد اجترارها .. فكان الرد باتهامي التشكيك في مصداقية الجامعة واحالتي للتحقيق بقرار اللجنة الشعبية لجامعة التحدي رقم 681 لسنة 2007 المؤرخ في 1 ديسمبر 2007 لعدم تقديم أي إثباتات تؤكد اتهامي للأساتذة والمسؤولين بالجامعة بممارسة سلوك عنصري أدى إلى رسوب ابنتي تيريت المتظلمة والتي تم جررتها للتحقيق أيضا.

· خلال التحقيق معي وجهت لي اتهامات بسب القذافي: على خلفية مقالة كتبها الأستاذ فتحي بن خليفه هاجم فيها نظام القذافي وصرح بمعاداته للأمازيغية .. فتحت محاضر التحقيق بعد اتهامي بالتخفي وراء أسم بن خليفه .. وصدر قرار التأديب لأمين اللجنة الشعبية لجامعة التحدي رقم 544 لسنة 2007 المؤرخ في 1 نوفمبر 2007 . وبعد مثولي أمام مجلس التأديب يوم الأحد الموافق 10 فبراير 2008 بالإدارة العامة للجامعة شفع لي الدكتور موسى مسعود أرحومه من كلية القانون-بنعازي الذي ترأس لجنة التأديب .. لقد هددت بعدها بالزحف عليا “على الطريقة القذافية” وطلب مني مغادرة سرت .. ولكن إجابتي: لو تركت سرت أكدت على التهم المنسوبة لي.

· استكمالا لمسلسل الرعب: وبقرار من أمين اللجنة الشعبية لكلية الهندسة رقم 3 للعام الجامعى 07/08 الصادر بتاريخ 29 نوفمبر 2007  للتحقيق معي كرئيس لقسم الهندسة الكهربائية بشأن اختفاء نسخة من نتائج خريف  2006 بعد نشرها على موقع الكلية .. ورفضت أن يكون تحقيقا بل استفسارا.. رجع أمين اللجنة الشعبية لجامعة التحدي وأصدر قرارا أخر رقم 632 لسنة 2007 والمحال منه لأمين كلية الهندسة بتاريخ 31 ديسمبر 2007 .. والمتعلق بشأن مناقشة رسالة ماجستير لقسم الهندسة المدنية دون إصدار قرار بالرغم من إخطاري لأمين الكلية بذلك بصفتي مدير مكتب الدراسات العليا بالكلية.

·  اهتمام أولادي مازيع ومادغيس بالأمازيغية يحكم عليهما بالإعدام: ثورة الاتصالات مكنت أولادي من التواصل مع مؤسسات أكاديمية بأوروبا تهتم بالأمازيغية  .. بسبب ذلك كان السجن الإنفرادي في 14 نوفمبر 2010 والتعذيب والشتم .. يا جباليا يا يهود .. والحكم بالإعدام في 10 يناير2011 بعد اتهامها بالعمل مع الموساد وإحالتهما على قسم الإعدام بسجن الجديده..

المعاناة التي عشتها .. والتهم الموجهة لي ولأولادي وبناتي كلها لا تخرج عن كوني وأسرتي الصغيرة تمسكنا بالأمازيغية التي هي قدرنا الذي لم نشارك في صنعه .. ولدنا أمازيغ .. نتساءل : تشك د مازيغ غن د اعراب؟ .. أنت أمازيغي أم عربي.. ونسأل أيضاً ؟.. تسند أتوتلايد سومازيغ؟ .. تعرف التحدث بالأمازيغية؟ .. ولن نتخلى عن قدرنا وهو من أبسط الحقوق الإنسانية التي تضمنه لنا جميع الأديان السماوية والمواثيق الدولية والأعراف بقريتنا الإنسانية .. وأي دستور لا يضمن ذلك الحق فهو ظالم .. ولن يمثلني أو يمثل أقاربي الأمازيغ.. وستبقى ليبيا أمنا جميعا أمازيغ وعرب وتبو وآخرين .. ونحن أخوة وأخوات.. وأكرر أسفي واعتذاري لكل من تأذى من لهجتي وأنا أدافع عن حقي في أني أمازيغي.. وسألقى ربي وأنا أمازيغي أؤمن بقوله: ” ومن عفا وأصلح فأجره على الله”..  تدر ليبيا تادرفت .. عاشت ليبيا حرة..

شاهد أيضاً

سيدي وساي: تأويلات ممكنة لتاريخ مشهد ساحلي مشهور (الجزء الخامس والأخير)

– الضروف العامة لقيام ثورة بوحلايس أول ملاحظة نريد تسجيلها فيما يتعلق بثروة بوحلايس، انها …

تعليق واحد

  1. ازول
    بالفعل انا انسان قبل ان اكون امازيغيا الهوية
    ان تواجد العروبة في شمال افريقيا هي التي جعلت من الانسان الامازيغي مجرد انسان بدون مبادئ تيموزغا وجعلت منه وسيلة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *