أنفاس الزمن الاجتماعي وعقارب الزمن السياسي

مصطفى المنوزي

يموت الناس ويحيا الوطن ، و علينا أن نذكر موتانا وأمواتهم بالخير ، و نمجد أفعال ذوينا دون أن نبيض التاريخ لمصلحة أحد ؛ وقد يشعر جلنا بتداعيات المصالحات المغبونة ، لكن لن نندم على تعاملنا الإيجابي تجاه إرادة الوطن ، توافقنا على إرجاء تقديم الحساب مقابل الحقيقة ، وعندما تتخلف هذه الأخيرة يحل أوان المحاسبة المزدوجة : مساءلة الوعد بالحقيقة وتنفيذ الوعيد تجاه ما اقترف من فظائع ضد الحق في التعبير والحق في الحياة ، ولسنا مجبرين على تكرار لازمة ” عودة الجمر وزمانه ” .

والمهم هو أن نكون واعين بأن جميع الدول تحاول أن تفرض على مواطنيها أن يكونوا شركاء في إقتسام نتائج وأعباء الكوارث والأزمات ، ولكن دون أن يكونوا كذلك في العلاقة مع ثمار الرخاء ، والمهم هو الاحتكام الى قواعد اللعب متوافق عليها وخاضعة لموازين القوى ، رغم أن المعضلة في وطننا تكمن في تعدد البطولات و قواعد اللعب والحكام والأهداف المسجلة ، في حين الملاعب منعدمة ، ولا أحد يميز بين الجمهور واللاعبين ، والجميع يراهن على الزمن ، لهم زمنهم السياسي بعقاربه ولنا زمننا الاجتماعي بأنفاسه ، ولا يسعنا إلا التمسك بالتواصل التاريخي في انتظار صحوة فكر القطيعة وعدم اجترار المآسي المبتذلة .

وفي هذا السياق علينا مساءلة القطبية المفتعلة التي صنعها العقل الإنتخابي بخلفية أمنية ، وزكاها اليسار المتجذر في صيغة تبادل مقصود للأدوار ، فالدولة تدعم حزبها المتشكل من قدماء الشيوعيين والإشتراكيين من أجل وضع حد لتعاظم الأصولية السياسية بمرجعية دينية ، وبالمقابل تفتح هذه الأخيرة أبواب تحالفها مع خصوم الأصولية المخزنية من بين فلول اليسار الماركسي اللينيني وشتاته ، وعوض أن ينصب النقاش النقدي حول أسباب ازمة التحول المعاق هنا وهناك وكذلك أسباب الإنحراف هنا وهناك ، استحضارا لمفارقات التحافات والإئتلافات غيرالطبيعية هنا وهناك ، تم التسليم بجبرية الإصطفاف القسري مع إحدى الأصوليتين ، الدينية أو المخزنية .

إلى درجة أن العقل الأمني نجح في تقويض جدوى العمل الحزبي بالقضاء على أدواره التأطيرية والتوعوية والوسائطية ، مما جعل الدولة ومؤسساتها العمومية في مواجهة مباشرة مع المبادرات الفردانية او الجماعية ، في صيغة حركات اجتماعية او حالات نضالية ، تمردية أو افتراضية او إعلامية صدامية ومباشرة ، وتكتسي أحيانا طابعا شخصانيا وعنفيا تجاه الحاكمين كأشخاص ذاتيين ، وهذا أكبر مؤشر على هشاشة التأطير المؤسستي للصراع الفكري والسياسي والإجتماعي ، سواء داخل قواعد اللعبة المتوافق حولها أو على هامشها .

وبذلك تنتعش شروط الانتهازية اليمينية وبنفس القدر نقيضها في صف الانتهازية اليسارية ، وهما أصوليتان لن تنتجا سوى مزيد من تكثيف و اختزال الصراع بين قطبي النزعة الانتظارية في مواجهة النزعة الإنقلابية ، وكلاهما عدوان لكل ارادات دمقرطة اوراش الإصلاح وترسيخ التدبير السلمي للصراع بمقاربة سوسيوحقوقية .

اقرأ أيضا

الأمازيغية والاحصاء العام للسكان بالمغرب.. أربع حقائق

أثناء مباشرة الاحصاء نبه اغلب المتتبعين الى ان المنهجية المتبعة غير مطمئنة النتائج ونبهت الحركة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *