أ.و.ط.م  ضحية سوء تدبير  الحقل الديني

مصطفى المنوزي

لماذا اختارت الحكومة  يومه الجمعة لتنفيذ الحكم القضائي بافراغ حارس مقر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب “… هو ومن يقوم مقامه او بإذنه …” مع استعمال القوة العمومية ، حسب صيغة منطوق  الحكم ؟ وهل هي مصادفة ام صدفة ،  حين يتزامن الحدث مع  حلول اول جمعة في شهر فبراير  ، والتي تذكرنا  كمناضلي واطر  أو.ط.م  بواقعة الاعتقالات الواسعة التي شملتنا  خلال شهر يناير من سنة 1984 ، بدعوى مشاركتنا في أحداث مدن الشمال وسيدي يوسف بنعلي بمراكش ، ولفقت لنا تهم  الانتماء الى منظمة رفاق الشهداء المنضوية تحت لواء ” الى الأمام  الماركسية / اللينينية”  ،  في حين توبع  اعضاء الشبيبة الإسلامية بالعلاقة مع الثورة الخمينية ، والحال  ان هدف العقل الأمني بقيادة الصدر الأعظم  ، وزير الدولة في الداخلية والإعلام المخلوع  ادريس البصري، هو إخلاء  الجامعة من مناضلي وأطر   أ.و.ط. م  التقدميين الديموقراطيين ،  بإفساح  المجال  بالبديل الإسلامي  من طلبة أسرة الجماعة والتجديد الطلابي ،  وقد تعززت  هذه الإرادة بتعيين  وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية  الاستاذ العلوي المدغري  في الأسبوع الأول من فبراير  1984 ، مما يؤكد أن الأمر يتعلق بمخطط استراتيجي عميق يجمع بين ارادة وضع اليد من طرف الدولة في شخص المؤسسة الملكية ووزاراتها السيادية  كالداخلية اساسا  والعدل والخارجية  والشؤون الإسلامية،  من أجل تدبير الحقل الديني وضبطه ؛  من جهة ومن جهة أخرى العمل على ” تطهير  ” الجامعة من الفكر التقدمي والحداثي والنقدي ، وإغراق  الفضاءات المعرفية والتربوية والشبابية بالفكر  الاتكالي  ، وكل ما كنا نطلق  عليه ” الفكر الرجعي و الظلامي ” . لقد دامت ولاية الوزير المعين من فبراير 1984 الى نونبر 2002  ،  حيث صارت وزارة الأوقاف تضطلع بأدوار  استراتيجية ومهيكلة في النظام السياسي المغربي ، وكما سجل الدكتور سليم حميمات  في اطروحته  ” أصولية الدولة واكراهات التحديث السلطوي ” ، بأن  ” لوحظ أن وظائف هذه الوزارة تجاوزت الحدود التقليدية لتدبير الشأن الديني والوقفي و اتسعت لتشمل مجالات اجتماعية وسياسية واقتصادية وايديولوجية …فهي الوزارة الوحيدة الى جانب وزارة الداخلية التي يخضع تنظيمها لظهير ملكي وليس لمرسوم  وزاري …” انتهت ملاحظة الدكتور  حميمنات .

وها نحن بعد مرور أزيد من نيف وثلاثة عقود  على واقعة اعتقال الأطر الأوطمية و على تعيين وزير الأوقاف وتجديد مقاربة تدبير الشأن الديني  ، فهل تم  ادماج الحركات الإسلامية كلها  في المنظومة السياسية  أم ظل بعضها منفلتا من ” العقل ” ، وهل تمت تصفية المد التقدمي  في الجامعة وفي الفضاء العمومي ؟ ما هو الوقع الاجتماعي والثقافي لمخطط  الدولة في مجال ضبط الأمن الروحي  وتقوية دعائم  أصولية الدولة كسند إيديولوجي يقي المؤسسة الملكية من منافسة التيارات المحافظة والاصولية لشرعيتها الدينية ، ويحفظ توازن  ” الرعب الروحي ” عند مواجهة فلول الثورة الخمينية ، التي كانت مصدر  الخيار  وعلى حساب  اعتدالية الحركة الوطنية والسلفية المغربية في المجال ؟ وباستحضار  العملية السياسية التي رافقت العهد الجديد  ، هل يمكن الاطمئنان لمقتضيات  الحقيقة والمصالحة في العلاقة مع مطلب  القطيعة مع الماضي ، بما يعني  اجتهاد الدولة ؛ في سياق المفهوم الجديد  لحرية الاعتقاد  وحماية الحق في الفكر والاختلاف  ؛  المقرون بخطاب الدولة الرامي إلى تحديث الذات وتجديد الفكر  في اتجاه ضمان الاعتدال ومواجهة العنف والتطرف والإرهاب المادي والفكري؟

هي أسئلة نعتبرها  مفيدة ومنتجة لجيل جديدة من الإصلاحات المؤسساتية والتشريعية والتربوية ، لأن ارساء ضمانات عدم  التكرار  لا يعني فقط  الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان  ولكن بالأساس ايجاد صيغة  للتوافق من اجل مواجهة المد المحافظ  كمعيق  التحديث السياسي ، وبين مطلب دمقرطة الدولة عبر تمرين فصل السياسة عن الدين  ؛ ليظل  ملف   مصادرة المقر  التاريخي  للاتحاد الوطني لطلبة المغرب  أحد المؤشرات والإشارات القوية والتي على  الدولة ألا تفصلها عن  ثمرة التسوية السياسية  التي توجت بتوصيات هيأة الانصاف والمصالحة ، وحول  ذلك فليتنافس الاصلاحيون !.

رئيس المركز  المغربي للديموقراطية والأمن

اقرأ أيضا

قراءة وتحليل لقرار مجلس الأمن رقم 2756 حول الصحراء المغربية

قبل أن نبدأ في التفصيل وشرح مقتضيات القرار 2756، يبقى جليا بنا أن نقف على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *