“الفاتحون” لم يكن يهمهم نشر الإسلام بقدر ما كانوا يبحثون عن “السبايا والجواري” وحصد الغنائم
“الغزاة العرب” يرغمون الأمازيغ على بيع أبنائهم وبناتهم لدفع الجزية
العالم الأمازيغي : منتصر إثري
كيف وصل الإسلام إلى شمال أفريقيا؟ وكيف ومتى انتشر بين القبائل الأمازيغية؟ وما هو الثمن الذي دفعه سكان “تامزغا” الأمازيغ في مقابل تحوّلهم إلى الذين الجديد؟ هذه أسئلة حقيقة لا يجرؤ الأمازيغ على طرحهم على أنفسهم، يقول العامل السابق على إقليم الناضور، محمد المهدي علوش، في كتابه الجديد”إسلام الأمازيغ” وكأن إسلامهم أمر بديهي. وكأن المعلومات الهزيلة التي لقّنت لهم في المدارس الحكومية أشفت غليلهم في معرفة تاريخ إسلام أجدادهم. والحقيقة إن إسلام الأمازيغ كلف التضحيات الجسام وتطلب الوقت الكثير وزهقت من أجله أعداد لا تعد ولا تحصى من الأرواح.
هذه هي الأسئلة الحارقة في تاريخ الغزو العربي لشمال أفريقيا، التي حاول محمد المهدي علوش الإجابة عليها في كتابه “إسلام الأمازيغ”، وهو يتناول فيه الظروف والملابسات الحقيقية التي تم فيها نشر الإسلام في المغرب الكبير بدءا من أول غزوة قادها عبد الله بن سعد بن أبي سرح سنة 642م/20ه إلى القضاء على آخر بؤرة برغواطية بالمغرب الأقصى على يد الموحدين في القرن الثاني عشر الميلادي.
ومن أجل تكوين فكرة شاملة عن مختلف الأوضاع السائدة في البلاد الأمازيغية قبل الإسلام، عاد الكاتب ستة قرون إلى الوراء، وانطلق من مرحلة احتلال الرومان للمغرب الأقصى الذي كان يسمى حينها بموريطانيا الطنجية، ورغم أن المغرب الحالي حظي بحظ الأسد في كتاب”إسلام الأمازيغ”، إلا أن علوش خاض في تاريخ باقي بلدان شمال أفريقيا، بسبب تشابك الأحداث وترابط الإمارات الأمازيغية وغياب حدود قارة وثابتة بين بلدان “تامازغا” في الفترة التي تطرق إليها في كتابه، بل إن جل أقطار المغرب الكبير في العهد الإسلامي كانت مندمجة في دولة واحدة عاصمتها مراكش خاصة في عهد المرابطين والموحدين وبعض الفترات من عهد المرينيين. ومن هنا يقول العامل السابق، محمد علوش تتعذر معالجة تاريخ المغرب الأقصى دون ربطه بالأقطار المجاورة سواء أثناء عمليات “الفتح” أو بعدها خلال ثورة الخوارج أو في عهد الإمبراطوريات الأمازيغية (المرابطين والموحدين).
الكاتب قام بتقسيم كتابه إلى خمسة أبواب خصص الباب الأول منه للفترة السابقة عن الإسلام والثاني “للفتح” الإسلامي والثالث لقيام الدولة الإسلامية بالمغرب والرابع لآثار “الفتح” الإسلامي على هوية البلاد الأمازيغية والخامس وهو الأخير للمآخذ التي سجلها عن الغزو العربي لتامازغا.
تامزغا قبل الإسلام
أسئلة بديهية تتبادر إلى الذهن عند الحديث عن “الفتح الإسلامي” لبلاد الأمازيغ: كيف كانت الأوضاع السياسية والأمنية والاجتماعية في هذه البلاد الشاسعة قبل الفتح الإسلامي؟ ما هي الشعوب والأمم التي كانت تعيش على هذه الأرض وما هي أعرافها وتقاليدها ومعتقداتها؟ الجواب عنها من شأنها يقول محمد المهدي علوش في كتاب “إسلام الأمازيغ”، أن يمكننا من المعطيات اللازمة للحكم على الظروف والملابسات التي رافقت اندفاع جيوش المسلمين نحو البلاد المغربية وعلى المدة الزمنية التي استغرقتها العمليات الحربية ضد السكان المستوطنين للبلاد.
يقول الكاتب بأن “بلاد الأمازيغ التي شرع العرب في غزوها ابتداء من سنة 642م/20ه، تمتد على مساحات شاسعة من غرب النيل إلى المحيط الأطلس غربا، ومن ضفاف البحر الأبيض المتوسط شمالا إلى التخوم الجنوبية للصحراء الكبرى الممتدة من نهر السنغال غربا إلى صحراء برقة الليبية شرقا. وكانت تسكن هذه المساحات الشاسعة شعوب عدة منتشرة في شكل قبائل وعشائر متنازعة أحيانا. وعاشت الشعوب الأمازيغية على فترات في ظل أنظمة سياسية متطورة تجسدت في ممالك الماسيل (شرق الجزائر) والمساسيل (وسط وغرب الجزائر) وموريطانيا (المغرب الأقصى) منذ القرن الثالث قبل الميلاد”.
وأضاف أن “الدولة المسيطرة على شمال أفريقيا (وخاصة تونس والجزائر) قبيل الغزو العربي تتجسد في إمبراطورية روما الشرقية التي عُرفت بالدولة البيزانطية التي كانت عاصمتها بالقسطنطينية. وقبل معالجة الفترة السابقة عن “الفتح الإسلامي” يقول علوش، لا بد من إعطاء صورة واضحة عن ما يسمى بتامزغا أي بلاد الأمازيغ التي سوف تكون مسرحا للوقائع والأحداث التي عالجها في كتابه”.
“لم يعد أحد يجهل المناطق التي استوطنتها الشعوب والقبائل الأمازيغية منذ أقدم العصور لكثرة ما كتب حول هذا الموضوع” يقول الكاتب في كتابه، مشيرا إلى أن كل ما ذكره المؤرخون في هذا الباب منقول بشكل أو بأخر عن كتاب “العبر” لإبن خلدون الذي كان أول من بحث ودرس بعمق وتفصيل تاريخ “البربر” وشعوبهم وقبائلهم ودولهم”، مبرزا أن هذا “ما جعله يتعرض لمواطن الأمازيغ من خلال ما كتبه المؤرخ ابن خلدون”.
وبعد لمحة موجزة للكاتب عن موقع بلاد الأمازيغ “تامازغا”، انتقل علوش إلى تقديم فصول الباب الأول من كتابه، ليعالج في فصله الأول الأوضاع في البلاد الأمازيغية انطلاقا من القرن الأول الميلادي، وهو تاريخ احتلال المغرب الأقصى من طرف الرومان وتحويله إلى إقليم روماني تحت اسم موريطانيا الطنجية، وهذه الفترة امتدت حتى القرن السادس الميلادي حيث خضعت خلالها تامزغا للحكم الروماني ثم الوندال قبل سقوطهم على يد البيزنطيين أو الرومان الشرقيين. وفي الفصل الثاني من كتابه تعرض علوش للاحتلال البيزنطي بشيء من التفصيل باعتباره يشكل الأرضية التي سوف تستقبل الأفواج الأولى من “الفاتحين”.
أما في الفصل الثالث من كتاب “إسلام الأمازيغ” فقد تناول فيه الكاتب الحالة العامة في البلاد الأمازيغية في المجالات العسكرية والأمنية والدينية التي دخل عليها الإسلام في القرن السابع الميلادي. وفي الفصل الرابع والأخير من الباب الأول، المعنون بـ” خريطة تامزغا الإثنية” فقد قام محمد المهدي علوش برصد الجماعات الإثنية الأمازيغية في مواقعها الجغرافية للتعرف على أسمائها ومواطنها في القرن السابع الميلادي”.
غزو بلاد الأمازيغ
“قدوم الجيوش العربية إلى بلاد الأمازيغ كان يدخل ضمن الخطة التي سار عليها المسلمون منذ ظهور الإسلام ألا وهي غزو كل البلدان ما استطاعوا إلى ذلك، يورد كتاب “إسلام الأمازيغ”. فقد “شرع العرب المسلمون في غزو البلاد الواقعة غرب البحر الأحمر على عهد عمر بن الخطاب، فاستولوا بين سنة 639م/18هـ و642/21، بقيادة عمرو بن العاص، على جميع أراضي مصر السفلى بما فيها الإسكندرية، وجعلوا منها قاعدتهم الأولى لانطلاق غزواتهم في اتجاه شمال أفريقيا، ومن الإسكندرية توجه العرب صوب الغرب واحتلوا برقة سنة 642م/21هـ وطرابلس سنة 643م/22هـ”.
ويحكي الباحث إيف موديران أن “أول اتصال بين العالم الماوري الأمازيغي والغزاة المسلمين كان على الأٍرجح سنة 642م”، وممّا يحكى عن غزوات عمرو بن العاصي في بلاد الأمازيغ، يقول كتاب “إسلام الأمازيغ”، ما أورده ابن عبد الحكم في كتابه فتوح مصر والمغرب:” فسار عمرو بن العاص في الخيل حتى قدم برقة فصالح أهلها على ثلاثة عشر ألف دينار يؤذونها إليه جزية على أن يبيعوا من أحبوا من أبنائهم في جزيتهم”. ثم قال أيضا نقلا عن عدد من الرواة :” كتب عمرو بن العاص على لواتة من “البربر” في شرطه عليهم، إن عليكم أن تبيعوا أبناءكم وبناتكم فيما عليكم من الجزية”.
ويضيف ذات المصدر نقلا عن مصادره المتعددة:” أمازيغ لواتة المستوطنين لإقليم برقة عند غزوها من قبل العرب، استسلمت دون أية مقاومة، ممّا يعني أن البيزنطيين لم يكونوا متحكمين بشكل فعلي في المنطقة، ثم إن “الفاتحين” المسلمين فرضوا عليهم الجزية باعتبارهم مسيحيين من أهل الكتاب، ويتضح أن أوضاع قبائل لواتة المادية لم تكون تسمح لهم بأداء الجزية إلا ببيع أبنائهم، أن المسلمين لم يجدوا أي حرج في إلزام الأمازيغيين المغلوبين ببيع أبنائهم، ولو لم يفعلوا طوعا لتعرضوا للأسر والسبي والاسترقاق”. والنتيجة في الحالتين يقول علوش في كتابه واحدة ” تحويل الأحرار إلى عبيد بقوة السلاح”، ويضيف ذات الكتاب الذي كشف عن جرائم مهول في تاريخ الغزو العربي لشمال أفريقيا، أن عمرو بن العاص بعث عقبة بن نافع من برقة لغزو أراضي الأمازيغ دون أن يجد من يعترض طريقه حتى بلغ زويلة”.
وقام الكاتب، محمد المهدي علوش باستعراض الحملات العسكرية الإسلامية في اتجاه شمال أفريقيا، بشيء من التفصيل، مشيرا إلى أن “العرب حلوا ببلاد المغرب الكبير سنة 647م/25 هـ في وقت كانت الدولة البيزنطية تسارع من أجل البقاء في مختلف المناطق التي كانت خاضعة لنفوذها في الشرق وفي أوربا الغربية”. وأبرز ذات الكتاب أن الوجود البيزنطي متركزا في بعض الحواضر من بلاد إفريقية وشرق نوميديا وبعض الثغور المتوسطية في موريطانيا القيصرية والطنجية، وما سواها كان فيه القبائل الأمازيغية حرة لا تخضع لأية سلطة مركزية حقيقية”.
وأشار إلى أن أول من اتخذ قرار غزو إفريقية كان هو عثمان ابن عفان، وكانت أول حملة في اتجاه أفريقية على عهد عثمان ابن عفان وبأمر منه سنة 647م/25ه، قادها عبد الله بن سعد بن أبي سرح، مبرزا أن “الغزو العربي لإفريقية تميز بتدرج في العمليات، حيث نلاحظ مرحلتين متباينتين، مرحلة الاستكشاف وجمع الغنائم ومرحلة الاستقرار واحتلال الأرض”، موضحا أن في “المرحلة الأولى اقتحم الجيش العربي الإسلامي أراضي إفريقية في جولة أولى يبدون أنها لم تكن تروم غير تحقيق النصر وتحصيل أكبر قدر من الغنائم والأسلاب”.
ذات المصدر يضيف أن ” المسلمون انتصروا على الجيش البيزنطي في أول مواجهة بضواحي مدينة سبيطلة بالجنوب التونسي، وهي المعركة التي لقي فيها كبير الروم وقائدهم جُرّيجر حتفه، بعد انكسار الجيش البيزنطي وفراره من أرض المعركة. وبعث عبد الله بن سعد جنوده في مختلف الاتجاهات ينهبون البلاد ويسلبون الناس حتى اضطروا إلى دفع أموال باهظة للعرب مقابل أمنهم وسلامة أبنائهم وحرمة ممتلكاتهم”. وبعد أن أصابوا غنائم كثيرة، فلما رأى ذلك رؤساء أهل إفريقية، طلبوا عبد الله بن سعد أن يأخذ منهم مالا على أن يخرج من بلادهم، فقبل منهم هذا الأخير ذلك ورجع إلى مصر”.
و”بعد توقف دام ما يقارب عشرين سنة استؤنفت الحملات العسكرية نحو بلاد المغرب بعد انفراد معاوية بن أبي سفيان بالحكم سنة 661م/41هـ مؤسسا دولة الأمويين في دمشق. كان على رأس الحملة الجديدة معاوية بن حديج الذي سار إلى إفريقية سنة 665م/45هـ يرافقه عدد من المهاجرين والأنصار ومن ضمنهم عبد الله بن الزبير وعبد الملك بن مروان”، وهو نفس الكلام الذي أورده ابن عبد الحكم وابن خلدون. ومما قال هذا الأخير يضيف مؤلف العامل السابق محمد المهدي علوش”… ثم أغزا معاوية بن أبي سفيان معاوية بن حديج السكوني إفريقية سنة أربع وثلاثين..” حقق المسلمون انتصارات كبيرة على البيزنطيين ودخلوا سوسة التي فر منها حاكمها البيزنطي نيسيفور، ثم فتحوا حصونا عدة منها جلولاء وبنزرت وجربة وغنموا ما فيها”.
الباب الثاني من كتاب “إسلام الأمازيغ” أشار إلى أن “ابن حديج لم يستطيع أن يتقدم بعيدا بسبب ابتعاده عن قواعد المسلمين، فقام بجمع غنائمه وقفل راجعا إلى طرابلس بعد أن حقق أهداف حملته في استطلاع أحوال البلاد ممهدا بذلك “لفتح حقيقي” قادم حسب رأي الأستاذ العروي، وفي هذا الحملة الجديدة يقول ذات المصدر “نلاحظ السهولة التي دخل بها ابن حديج إفريقية حتى بلغ جبل أوسلات، ونصب مخيمه أسفله على بعد يوم واحد من مدينة السبيبة دون أن يجد مقاومة حقيقية، وهم ما شجع العرب على المضي في مشروعهم التوسعي في اتجاه إفريقية لضمها إلى بلاد الإسلام”.
و”جاء تعيين عقبة ابن نافع على رأس حملة جديدة سنة 670م/50هـ في ظل ظروف مواتية “للفاتحين” تمثلت في تصدع أركان الدولة البيزانطية واختفاء أثرها تماما من بادية إفريقية. فقد قطع عقبة ابن ليبيا من شرقها إلى غربها وفعل ما شاء بإقليم طرابلس، وفتح مدن ودان وجرمة وقصور فزان وكوار، وأدب رؤساءها وفرض عليهم أداء مئات الرؤؤس من العبيد، وختم بمدينة خاور التي استباح ذريات أهلها وأموالهم وقتل رجالهم. ثم تابع مسيره إلى الغرب، مارا بأرض قبائل مزاتة. فغزا غدامس بطرابلس ثم دخل إقليم بيزاسانا (جنوب تونس حاليا) وفتح بلاد قسطيلية واستولى على قفصة ثم تابع مسيره إلى أن وصل إلى الأرض التي سوف يبني بها مدينة القيروان”.
وعندما شرع العرب في غزو إفريقية سنة 647م، يقول مؤلف “كتاب الأمازيغ” كان أهل البلاد على علم بمرامي هذا الجنس الجديد الذي بدأ يكتسح أراضيهم من جهة الشرق. “فلا شك أن أخبارهم كانت قد وصلتهم بواسطة إخوانهم في برقة وطرابلس اللتين فتحهما المسلمون منذ سنة 642م، وقد عاينوا حماس الغزاة وإصرارهم على الحرب، فقد علموا بشغفهم بالمال والنساء والعبيد، وعاينوا في إفريقية ذاتها كيف قبلوا المال والذهب في مقابل الانسحاب من البلاد عقب معركة سبيطلة”. مشيرا إلى شعار الأمازيغ كان هو التريث والترقب إلى حين اتضاح الرؤية، وعندما أدركوا أهداف الغزاة الحقيقية قرروا الصمود في وجههم فعمدوا إلى تعبئة عشائرهم ولم جموعهم من أجل الصمود والمقاومة”.
واستطرد المؤلف :”وما أن انتهي عقبة من بناء القيروان حتى جاء الأمر بعزله منى منصبه سنة 675م، بشكل مفاجئ اختلف المؤرخون في أسبابه، فمنهم من رده إلى انقطاع عقبة عن تزويد الخليفة بالغنائم والأموال المنهوبة من القبائل الأمازيغية، ومن تم تعويضه بأبو المهاجر دينار الذي تابع ما بدأه سابقوه، وفضل التقدم في مناطق القبائل الأمازيغية التي لم تكن متمرسة بفنون القتال ولا متوفرة على جيوش مدربة ومجهزة بالأسلحة والدروع وغيرها من أدوات القتال الفعالة، متحاشيا في مسيرته اقتحام المدن والحواضر البيزنطية”.
وزاد الكتاب أن “عقبة بن نافع عاد سنة 682م على عهد يزيد ابن معاوية ليقود حملة أخرى وهي الخامسة من النوع، فتحرك في اتجاه القيروان ودخلها وقبض على أميرها أبي المهاجر الذي كان قد أساء معاملته عند عزله، وأوثقه في الحديد ثم سار في جيش عظيم نحو مدينة باغاية معززا بآلاف الأمازيغيين المسلمين”، سار عقبة يضيف المؤلف الجديد لعلوش “في اتجاه الغرب متجنبا المدن البيزنطية المحصنة ومفضلا التوغل في الهضاب والأرياف. إلى أن اقتحم الأوراس وخاض بها معارك ضد “البربر” المدعومين بالروم، وفي عز سكرات النصر أقدم عقبة عند بلوغه نواحي تلمسان على غزو ونهب قبيلة أوربة رغم إسلامها دون أن يكترث لزعيمها أكسيل حليف المسلمين الحاضر معه في الحملة بعد أن استطاع أبا المهاجر بدهائه وحسه السياسي الكبير أن يقنع أكسيل وهو زعيم قبائل أوربة (إوربن) وأمير قبائل صنهاجة المسيطرة على المغرب الأوسط، باعتناق الإسلام في وقت سابق، ورغما عن اعتراض أبي المهاجر، وكان هذا خطأ فادحا سوف يؤدي عقبة ثمنه غاليا من حياته فيما بعد”.
وبعد قتل عقبة على يد أكسيل، يقول علوش معتمدا على مصادره:”استرجعت القبائل الأمازيغية ثقتها في نفسها واقتنعت بأن قوتها في اتحادها، فتحفزت للمقاومة وتعبأت وراء أكسيل الذي قادها نحو تحرير كافة بلاد الأمازيغ بما فيها القيروان التي تملك الهلع ساكنتها من العرب ففروا في اتجاه الشرق. ودخل أكسيل القيروان كافا يده على إراقة دم ساكنيها من العرب، واتخذها عاصمة لمملكته التي كانت تضم الأوراس وجنوب قسنطينة وجل إقليم إفريقية (دولة تونس) وعاشت حتى 690م”.
و”خلال الحملة السادسة التي قادها زهير بن قيس البلوي سنة 688م، على عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، درت معركة حاسمة بين العرب والأمازيغ بقيادة أكسيل، وانتهت المعركة بهزم الجيش الأمازيغي وسقوط زعيمهم صريعا على أرض المعركة، واسترجع العرب مدينة القيرون، وعادت الحالة إلى ما كانت عليه قبل مقتل عقبة بن نافع، وفي هذه الآونة يقول كتاب “إسلام الأمازيغ” استغل البيزنطيون فرصة انشغال العرب في قتال أكسيل فهجموا على برقة بحرا ودخلوها واحتلوها. فسار إليهم زهير بن قيس ولقي حتفه وهو يقاتلهم وبذلك خلت إفريقية من الجيش العربي واسترجعت المقاومة الأمازيغية المبادرة، فقامت بالهجوم من جديد على القيروان وحررتها”. ويضيف الكتاب أن ” الأمويون ظلوا متمسكين باحتلال بلاد المغرب رغم الهزائم والمحن التي أصابتهم، لقد كانت الغنائم التي كسبوها خلال انتصاراتهم الأولى، والخيرات التي شاهدوها بأم أعينهم وهو أبناء الصحراء التي لا نبات فيها ولا ماء، حافزة لهم على الإصرار على غزو تامزغا، لذلك قرر الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان تجهيز الحملة السابعة من نوعها تحت قيادة حسان بن النعمان في سنة 693م”.
بعد استرجاع المسلمين القيروان وسقوط قرطاج عاصمة الدولة القرطاجية وأفريكا الرومانية بعدها، يقول كتاب “إسلام الأمازيغ”:” المقاومون الأمازيغ الذين تحالفوا مع البيزنطيين خلال هذه الأحداث تراجعوا إلى الغرب بعد أن أصبحوا وحدهم في الميدان في مواجهة جحافل العرب التي لا تنقطع”، وفي هذه الأثناء ظهرت الملكة الديهية ، “تزعمت حركة المقاومة وصمدت في وجه الغزاة، واستطاعت إعادة تنظيم المقاومة الأمازيغية ضد جيوش حسان بن النعمان. في أول “مواجهة وقعت بين الفريقين سنة 696م أحرزت فيها قوات الديهية انتصارا كبيرا على العرب وألحقت بهم هزيمة نكراء ردتهم على أعقابهم تاركين وراءهم مئات القتلى وعشرات الأسرى، فانسحبوا من إفريقية كلها وتراجعوا إلى برقة”.
واسترسل المصدر:” بفضل التعزيزات التي جاءته من دمشق، استطاع حسان استئناف الحرب ضد الملكة الأمازيغية بعد أن بقيت وحدها في الميدان تواجه جحافل المسلمين الذين صمموا على القضاء على المقاومة الأمازيغية بصورة نهائية، وأمام إصرار المسلمين وتعاظم قوتهم، ووعيا من الملكة الديهية بضعف مركزها العسكري التجأت إلى سياسة الأرض المحروقة حتى لا تترك للعرب ما يغنمونه من خيرات البلاد، وبعد معارك دامت نحو سنتين انتهت بانهزام الديهية في معركة طبرقة حوالي سنة 701م، وقد طاردها المسلمون إلى أن سقطت في أيديهم، فقطعوا رأسها وأرسلوه إلى الخليفة بدمشق”.
ولم يستبعد الكاتب أن يكون الكلام المنسوب إلى الأميرة الأمازيغية حول سعي العرب وراء الذهب والفضة صحيحا، يقصد ما أورده ابن الأثير في كتاب الكامل ” إن العرب يريدون البلاد والذهب والفضة ونحن إنما نريد المزارع والمراعي، ولا أرى إلا أن أخرب إفريقية حتى تيأسوا منها”، مشيرا إلى أن مطابق للوقائع والأحداث التي عاشتها الساحة الأفريقية منذ بداية الغزو. وأضاف في كتابه “فقد رأينا كيف قبل العرب تعويضا ماليا مقابل الجلاء في أولى غزواتهم الإفريقية، ولم يُخف العرب تطلهم إلى الغنائم والسبايا التي كانت وراء عزمهم على غزو تامزغا لما علموه من خيراتها”، بل يضيف محمد المهدي علوش “كانت كفاءة القواد العرب ومقدرتهم الحربية تقاس بمقدار الأموال والغنائم التي يحصلون عليها”.
العامل السابق، محمد المهدي علوش، أوضح في كتابه أنه يصعب الخوض في سرد الأحداث والوقائع التي واكبت حملة موسى بن نصير لكثرة الاختلافات والتضارب في المعلومات بين الرواة العرب والمسلمين، مشيرا إلى أن بن نصير انطلق إلى إفريقية على الأرجح سنة 698م، على مرحلتين، في الأولى نزل بالقيروان، مقر ولايته، وأشرف منها على تنظيم عدة غزوات داخل بلاد الأمازيغ منها ما قاده هوة شخصيا ومنها ما عهد به إلى ابنيه عبد الله ومروان”، “كانوا ينتصرون في كل هذه الغزوات ويعودون منها محملين بالغنائم والسبايا”، ومن القيروان تابع موسى طريقه في اتجاه الغرب دون أن يعترضه ما يعيق تقدمه إلى أن بلغ طنجة، فدخلها دون أية مقاومة، ومنها بعث سراياه إلى كافة أنحاء المغرب الأقصى، جنوبه وشرقه، صحرائه وجباله، فقد قصد درعة تافيلالت، وبعث ابنه إلى سوس والأطلس، وخلال كل هذه الغزوات لم يذكر ابن خلدون أم مقاومة أمازيغية للجيوش الغازية بل تحدث عن خضوع “البربر” واعترافهم بالسلطان موسى الذي احتجز رهائنهم ضمانا لطاعتهم، وهم عادة أبناء رؤساء القبائل وأصحاب النفوذ”. يورد كتاب “إسلام الأمازيغ”
الثورة على الحكم الأموي العنصري
بعد استتباب الأمن واستقرار الوضع بدخول بلاد المغرب كلها من طرابلس إلى المحيط في حظيرة دولة الخلافة الإسلامية، يقول المؤلف “لم تهدأ عاصفة التحرش والاعتداء على القبائل الأمازيغية”.
يقول علوش “كان عبيد الله بن الحبحاب الذي عُين واليا على إفريقية سنة 724م، متحمسا لتطبيق سياسة الخليفة الذي عينه في المنصب حتى يكون عند حسن ظنه، فلم يتورع عن تقتيل الأمازيغ ونهب أموالهم وسبي نسائهم”، وبدأت بوادر الاستياء والسخط على السلطة تظهر في المجتمع الأمازيغي أيام الوالي يزيد ابن أبي المسلم الذي اتخذ لنفسه حرسا خاصا من موالي الأمازيغ بعد وشمهم”.
إلا أن النقطة التي أفاضت الكأس، يضيف المؤلف، كانت هي “عندما قرر عمر بن عبد الله المرادي، عامل طنجة “أن يخمس البربر رغم إسلامهم”، أي فرض ضريبة تمثل خمس الإنتاج على جميع الأمازيغ، وهي بمثابة الجزية التي تطبق على غير المسلمين من أهل الكتاب”، مشيرا إلى أن قرار “تخميس الأمازيغ قرار جائر وعنصري بكل المقاييس”، وهنا يضيف ذات المصدر ” تأكد للأمازيغ بالملموس ما كان يمارسه الحكام العرب عليهم من تمييز في كل المجالات، فقد كانوا يحرمونهم من حقوقهم في الغنائم ويتطاولون على أملاكهم ويتعدون على حرماتهم بدون حياء”.
“نفذ صبر الأمازيغ وقرروا الرحيل إلى دمشق بقيادة ميسرة المطغري لعرض قضيتهم على الخليفة هشام بن عبد الملك، وانتظروا لما يفوق العام استقبالهم لكن دون جدوى، ولما يئسوا من لقاء والي الأمر اتصلوا بوزيره الأبرش الكلبي وقدموا له شكايتهم ثم انصرفوا لحال سبيلهم”.
ويوضح علوش في كتابه أن “مسيرة ورفاقه تصرفوا بحكمة عندما لجئوا إلى أعلى سلطة في الدولة لإنصافهم. لكنهم لم يقابلوا إلا بالاحتقار والإهمال. تُمتهن كرامتهم وتُسلب ممتلكاتهم وتُنتهك أعراضهم ولا يسمح لهم حتى بعرض شكواهم على المسؤول الأول في الدولة، وهي الواقعة أقنعت الأمازيغ بأن تعسفات الوالي وأعوانه لم تكن مجرد تصرفات فردية لهؤلاء ولكنها تنفيذ لسياسة رسمية وضعت على أعلى مستوى في الدولة الأموية، وبالتالي لم يعد هناك بد من اللجوء إلى وسائل أخرى لصون كرامتهم وانتزاع حقوقهم”.
واسترسل المؤلف “أمام استمرار ظلم الولاة وتزايد اعتدائهم على الأمازيغ بسلب أموالهم وقتل رجالهم وسبي نسائهم بدون سبب شرعي ولا أخلاقي، وبعدما يئس هؤلاء من إنصاف الخليفة وتأكد لهم إتباع الولاة لسياسته العنصرية الجائرة، قرّر الأمازيغييون أخد حقهم بيدهم فأعلنوها ثورة شاملة على الحكم الأموي الجائر، انطلقت الأحداث من شمال المغرب الأقصى بقيادة الزعيم ميسرة المطغري، ومشاركة جميع القبائل الأمازيغية في الغرب وفي الشرق، في الشمال وفي الجنوب حتى بلاد سوس. وكان المرادي عامل طنجة، رمز القهر والاستبداد، أول ضحية للثورة الأمازيغية باعتباره مسؤولا عن تخميس الأمازيغ وإثقال كاهلهم بالضرائب والإتاوات المنافية للشرع، فثاروا عليه في طنجة وقتلوه سنة 740م، ثم توجهوا إلى الجنوب حيث تمكنوا من عامل سوس، إسماعيل بن عبيد الله، وأعدموه. وقد كان للثورة التي أشعلها ميسرة صدى عظيم في سائر بلاد الأمازيغ بما في ذلك المغرب الأوسط والأدنى، وانضمت لها القبائل الأمازيغية في المغرب الأقصى، فألن الأمازيغ استقلالهم عن الخلافة الأموية واتخذوا المذهب الخارجي الصفري عقيدة لهم بدلا من المذهب السني الذي كان عليه سكان شمال أفريقيا”.
لم يكن نشر الإسلام الغاية
أول ما يشد انتباه المتتبع لوقائع أسلمة تامزغا هو ما أظهره “الفاتحون العرب” من إمعان في جمع الأموال وهوس في سبي النساء حتى ليخيل للمرء أن هدف الغزاة لم يكن شيئا أخر غير ذلك، ثم يتبع ذلك طريقة معاملتهم للأمازيغ وما أقدموا عليه من تصرفات كلها شطط واستبداد وإذلال واحتقار لم يسجل تاريخ المنطقة نظيرا لها حتى في أحلك أيام الاحتلال الروماني، مما يضفى على عملية الغزو برمتا طابعا عنصريا لا غبار عليه”. يقول صاحب الكتاب، واستنتج محمد المهدي علوش من خلال الغوص في تفاصيل وغاية “العرب” في شمال أفريقيا، استنتاجا واحدا، ألا وهو “اتخاذ بلاد الأمازيغ بقرة حلوبا لدر المال اللازم لإنفاق خلفاء بني أمية على دولتهم، ولم يكن “الجهاد” إلا مبررا لنهب أموال الناس ووسيلة لسبي نسائهم بالطريق الحلال”، مبرزا “إن التهافت على الغنائم والسبايا كان يتم بشكل يفهم منه أن نشر الإسلام لم يكن الغاية الأولى من حملة موسى إلى بلاد الأمازيغ”.
وأضاف ” مرّ بنا ما يؤكد هذه الحقيقة من خلال تصرف رؤساء الجيوش العربية وحرصهم الشديد على نهب الممتلكات والاستيلاء على أموال الأمازيغ”.
ملحوظة
“كتاب “إسلام الأمازيغ” لمؤلفه، محمد المهدي علوش يعج بالمعلومات التاريخية باعتماد على مصادر عربية وإسلامية وأخرى غربية، وتفاصيل كثيرة لمراحل مختلفة من تاريخ الغزو العربي لشمال إفريقيا، ويتكون من 365 صفحة، ومن خمسة أبواب أو عناوين عريضة وداخل كل باب ثلاثة فصول، وارتأينا في هذا القراءة أن نتطرق باختصار لما جاء في هذا “الكتاب” من قراءة للغزو العربي لشمال أفريقيا وما أقدم عليه “جيش الفاتحين” من جرائم في حق الأمازيغ، بعد القيام بسبع حملات عسكرية من الشرق الأوسط باتجاه بلاد الأمازيغ، وما اقترفوه من جرائم القتل والسبي للنساء واسترقاق للأطفال وحصد للغنائم ولم يكونوا يهتموا ولم يهمهم نشر الإسلام”.