إضاءات حول طوبونيمية الريف الشرقي – منطقة بوعلما أنموذجا

بقلم: رضوان باخرو

تقـديم:
إن أسماء الأماكن والمواقع الجغرافية؛ التي حاولنا جردها داخل المجال الجغرافي الذي اشتغلنا عليه، قصد استنطاقها وتبيان مدلولاتها واستقصاء حكاياتها، من أجل تدوينها وتوثيقها، محاولة منا قدر المستطاع القيام بالمهمة الملقاة على عاتقنا وبقية الشباب، الطلبة الباحثين، الأساتذة، و المهتمين بمختلف التخصصات، في علاقتها بالأمازيغية، وذلك إسهاما منا في مشروع حفظ موروثنا المادي واللامادي، لما يشكله من خزان رئيسي لذاكرتنا الجماعيةla mémoire collective؛ إذ أصبح الكثير من بريقها (الذاكرة الجماعية) يضيع وسط صمت وذهول الجميع، خاصة أمام تراجع الأنشطة الفلاحية بالبوادي نتيجة عوامل مرتبطة بالتغيرات المناخية، الهجرة و التحولات السوسيومجالية التي يعرفها المجتمع، كزحف التمدين وطغيان ظاهرة التحديث على السكن القروي، واكتساح العولمة الجارفة، والقاتلة للهويات والثقافات. هذه عوامل كلها تأثرت بها ثقافتنا أيما تأثر، ما يعني أننا إن بقينا على ما نحن عليه، ونتفرج مكتوفي الأيدي، فبكل تأكيد سنخسر كل ما تبقى من رأسمالنا الرمزي، سواء الجزء الذي لحقناه، أو عبر ترك كبار السنّ يرحلون إلى اللاعودة، وهم محمّلون بمجلدات شفهية من رصيدنا الجمعي لا يمكن تعويضها أبدا.

لقد تعرضت معالم وتجليات الهوية الأمازيغية، لطمس ومسخ ممنهجين، وتشويه وتحوير  في أحسن الحالات، نتيجة نزعات مفرطة في الذاتية، وعوامل إيديولوجية وأخرى سياسية ، ألحقت تصدعات عميقة في الشخصية الثقافية للإنسان الأمازيغي. إذ تسارعت وثيرة هذا التشويه المقصود لأسماء المدن والأماكن منذ بداية المد القومي “العروبي” بُعيد صدور الظهير السلطاني-الاستعماري (ظهير 16 ماي 1930)، وبسرعة أكبر بعد الاستقلال، وخاصة عقب انخراط الدولة في مشروع  القومية العربية تحت شعار”تعريب الإدارة والتعليم والحياة العامة”. وهذا عن طريق محاولة إخفاء واستئصال الهوية الذاتية والروح الثقافية لهاته الأرض ، التي تشهد  الجغرافيا والأنثربولوجيا والسوسيولوجيا على تاريخها الأمازيغي(“الحقيقة الثابتة من داخل التاريخ هي الجغرافيا”، حسب بيسمارك). لأن في المراحل السابقة من التاريخ كانت الجغرافيا تنطق كلها  بلسان أهلها بشمال افريقيا و المغرب تحديدا، و ” إذا أمعنا النظر في طوبونيميا المواقع الأثرية والمدن الاسلامية الوسيطية، نجد أن الأغلبية الساحقة منها تحمل أسماء أمازيغية، وهذا دليل قاطع على صمود الإرث اللسني والثقافي في وجه حملات التعريب التي عرفتها المنطقة ككل منذ فترة الفتح الاسلامي” [ 1]. لكن رغم كل هذه العوامل المختلفة، نجد أن الجغرافية في كثير من أجزائها بقيت حافظة على أسرارها وحاملة لحقائقها التاريخية وناطقة للسانها الأم، ما يجعل من اللغة الأمازيغية في هذا الباب أداة لا محيد عنها، لفك بعض ألغاز الطبيعة داخل المجال الجغرافي المدروس، من داخل تراب الريف، وكذا المغرب في مجمله وعموم المغارب، من أجل نفض الغبار عن حضارة عريقة وتاريخ محاصر، أُريد لهما أن يموتا بين ردهات النسيان أو عبر آلية القتل البطيء.

تعريف الطوبونيميا: أجمع الباحثون بمختلف مشاربهم العلمية وتخصصاتهم الأكاديمية؛ على أن الطوبونيميا (Toponymie) علمٌ حديث، يهتم بدراسة معاني ودلالات أسماء الأماكن؛ ولهذا أطلق عليه ” الأماكينية”، وهو  عنصر من العناصر التي تساعد على حماية الذاكرة الجماعية للشعوب من الاندثار، على اعتبار أنها- الطوبونيميا- تمثّل  وتحمل ما يكفي من الأدلة المادية لاحتكاك شعب بمجموعات بشرية أخرى، وما مدى التأثير والتأثر  الحاصل بين الجميع.

فالشعوب على اختلافها، عندما تطلق أسماء على أماكن في محيطها، فلا يكون ذلك بشكل عشوائي أو اعتباطا، بل تستوحي هذه التسميات من أحداث كان لها وقع وتأثير كبيرين على ذاكرة الموقع، سواء كانت ذات خصوصية طبيعية كالعناصر التضاريسية، النبات، ومجاري المياه، أو ذات خصوصية بشرية وسوسيوثقافية… ومن جهة أخرى  يعتبر  الاستاذ أحمد الهاشمي أن “أسماء الأماكن في أي مجال جغرافي مرآة لمشهده اللغوي وتطور بنياته اللغوية عبر التاريخ، وتكشف دراسة الأعلام المكانية المغربية عن أن اللغة الأمازيغية  هي أساس وضع هذه الأعلام” [2 ] كما تعكس أيضا أسماء هذه الأماكن هوية المجال بكل خصوصياته اللسنية، التاريخية، والسوسيوثقافية… ولا يمكن لأي باحث في حقل الطوبونيميا أن يصل إلى نتائج منصفة للمجال الذي يشتغل عليه، وخاصة بالمغرب، دون القيام بالتحري الميداني، وكذا الاعتماد على مجموعة من الحقول العلمية والمعرفية  كالتاريخ، الجغرافيا، السوسيولوجيا، الأنتروبولوجيا واللسانيات، وخاصة دور اللغة الأمازيغية، على اعتبار أن الإنسان ابن بيئته كما يقول ابن خلدون.

1ــ تاسافت tasaft:

تُنطق في الريف: ثْسافْث، اسم لجماعة قروية تقع ضمن النفوذ الترابي لقبيلة ايت توزين أحدِثت بموجب التقسيم الإداري لسنة 1992، يصل تعداد سكانها إلى 9578 نسمة[3 ] تنتمي ترابيا وإداريا إلى إقليم  الدريوش. وتعني اتسافت شجرة البلوط الأخضرle chêne vert[4 ] ؛ وهي تسمية ذاتها متداولة في الأطلس المتوسط، وقبائل الريف التي تتكاثر فيها أشجار البلوط، وقد أورد الدكتور أحمد الطاهري اسم تسافت نقلا عن البادسي “بعدما كانت اتسافت مجرد موضع، أصبحت حصنا ثم بلدة معروفة في قبيلة بني توزين ومازالت محتفظة إلى اليوم باسمها القديم”[5 ]. وقد تم إطلاق هذه التسمية على الجماعة نسبة إلى شجرة مُعمِّرة توجد بموقع جغرافي استراتيجي في أعلى نقطة من جبال ايت توزين، حيث يطل هذا الموقع على سهل كرت شرقا وسهل النكور غربا، ما بوأه ليكون منطقة رصد ومراقبة في مراحل التجاذبات السياسية، والعسكرية، بين الكيانات السياسية التي مرت بالمنطقة عبر التاريخ، أو في إطار الصراعات بين القبائل. كان يلجأ إليها(الشجرة) كبار قبيلة ايت توزين و رجال مشيخة ثسافث للاستراحة في حضن ظلالها، وللتداول وتدارس مختلف القضايا  السياسية والأمنية والاجتماعية لسكان المنطقة عبر مؤسسات التنظيمات القبلية، قبل ظهور التنظيم الإداري الحالي. ولهذا الموقع حضور قوي في التاريخ العسكري للريف، حيث “ارتبطت تسمية تسافت تاريخيا بإحدى أهم المعارك (معركة تسافت) والتي قُتل فيها سعيد بن صالح، سادس ملوك النكور على يد الجيوش الفاطمية”[6 ].

2ــ ثِيوريرينtiwririn :

مفردها ثاوريرث/تاوريرت، كلمة ذات أصل أمازيغي وهي شكل تضاريسي، يقصد به التلّة،  أو الكدية[7 ] في حين يشير الدكتور محمد شفيق إلى أنها عبارة عن جبيل مخروطي [8 ]  أو نتوء (تضريس) صخري منتصب فوق سهل قاحل [9 ] ، وتنتشر هذه التسمية بصيغة المفرد أو الجمع، بمختلف مناطق شمال افريقيا، الشمال الشرقي، الريف والأطلس المتوسط بالمغرب، ومنطقة القبايل بالجزائر.

3ــ أفراس أوفاريش  afras ufariš :

اسم مركب من كلمتين أفراس وهو مجال شاسع غالبا ما يكون في الأساس غابويا، ويتم اجتثاثه قصد استغلاله في الأنشطة الزراعية، وهذه التقنية كانت منتشرة بكثرة في عموم الريف؛ لأن الطبيعة الجبلية للريف وعدم سيادة الأراضي المنبسطة والخصبة بالشكل الكافي فرضت ذلك، ويقال أنهifars it  أي أنه استصلحها( استصلاح الأراضي).

أفاريش، نوع من التربة وهي عبارة عن أجزاء صغيرة من الحصى، أي أنها تربة خشنة تتسم بالنفاذية، ذات لون أرجواني أو بنّي.

وللإشارة، فتوجد مجموعة من المجالات والأماكن ببوعلما تحمل اسم  Afrasمقرونة بأسماء أعلام غالبا ما تكون لمالكيها (أفراس ن محند أوعيسى مثلا).

4ــ ثاعزيست taɛzist:

اسم يطلق على تجمع سكني عَرف أقدم استقرار بشري بالقرية، فحسب تحرياتنا ومقابلاتنا مع بعض الأشخاص [ 10] فإن هذه التسمية جاءت نسبة إلى امرأة قديمة تنحدر من مدشر ” ايت اعزيز” بتماسينت قبيلة ايت ورياغل استقدمها أحد الرجال كزوجة له في زمن غابر.

5ــ تاروضايث  taṛuḍayt:

مجال شبه منبسط و صغير؛ يكون محاذيا للجبل أو عند قدم الجبل، وهي تصغير لكلمة “روضا” أو “لوطا” كما ينطقها أمازيغ المناطق الأخرى وكذا الناطقين بالدارجة المغربية، وهذا الموقع هو تجمع سكني يقع عند قدم الجبل ويطل مباشرة على الوادي من جهة و”ذراث” من جهة ثانية. وللاسم علاقة مع الشكل المورفلوجي للموقع، كما يوحي بشكل دقيق على دقة السكان المحليين في وصف مجالاتهم.

6ــ ثيزي tizi:

أو تيزي، هي كلمة ذات أصل أمازيغي؛ تعني الممر الذي يكون غالبا بين جبلين ويسمى كذلك بـ “الفج” أو “المضيق”، ينتشر هذا الاسم الجغرافي بمخلف مناطق الريف وعموم شمال افريقيا، كتيزي وسلي، تيزي نتيشكا، تيزي وزو…

7ــ ثاساسث tassast :

تقابله في اللغة العربية الجِسر أو القنطرة، والمكان الذي يحمل هذا الاسم يوجد عند “ذراث” القادمة من منطقة “تكَزيرين” قبل أن تصب في وادي بوعلما (أحد روافد حوض النكور) بحوالي  200 متر، وكانت هناك ولا تزال ساقية عالقة شيدها الفلاحون لنقل الماء نحو المجالات الفلاحية المسمّاة بـ “ثدارث  ن رقايد”، في السابق كانت مصنوعة من جذوع الأشجار يتم إفراغها من الداخل، لتصبح على شكل قناة خشبية، فيما تم استبدالها خلال تسعينيات القرن الماضي بقناة بلاستيكية لمدة محددة، أما اليوم فقد طالها التحديث أكثر وتم تعويضها بالاسمنت والحديد.

8ــ ثيغدوين tiɣḏwin:

جمع كلمة “ثاغدا” هي  في الأصل كلمة أمازيغية، وتعني حزمة من القمح أو الشعير اليابس قبل نقلها للبيدر، وتوجد منطقة أخرى تحمل هذا الإسم بمنطقة الأطلس الكبير، كما توجد كذلك بليبيا  على شكل مفرد “تاغدا”، يتواجد هذا المكان الجغرافي بالجنوب من بوعلما، حيث شيّد السكان آخر المنازل  بالحدود مع “تكَزيرين”(أغلب هذه المنازل أصبحت مهجورة حاليا).

9ــ ذراث/ثراثtrat :

مستوى أعلى من المجاري المائية، ينتهي إليها السليل “ثاسدجيا” وهي بذلك رافدا من روافد الوادي “إغزار”[11 ] ، والرافد   Affluentهو ” مجرى مائي تصب مياهه في مجرى آخر  أغزر منه، نقطة الاتصال بينهما هي الملتقى confluent” [ 12] وتطلق هذه التسمية على المجرى المائي القادم من “تكَزيرين” ويصب في وادي بوعلما، عند الأجراف التي يقع فوقها مسجد بوعلما القديم.

10ــ أوكَوكَـ   uggug:

مصطلح مرتبط بتقنيات تدبير مياه الري لدى الفلاحين الأمازيغ، ويطلق على سد أو حاجز مائي مكون عادة من جذوع الاشجار والصخور يقام في مجرى النهر لجعل منسوبه يرتفع لتبلغ مستوى تنطلق منه ساقية لجلب الماء اللازم لسقي بساتين وأجنة موجودة في السافلة[13 ] ، ويشكل همزة وصل بين المجرى الرئيسي(الوادي) والقناة/الساقية الناقلة للمياه نحو المجالات المزروعة المراد سقيها. وللإشارة فيتم تدعيم أوكَوكَـ في بعض المناطق بالاسمنت أيضا كما حدث للمكان المقصود في هذه الدراسة.

11ــ  دها(ر)- ن -يزرا ḍḍhar n yeẓṛa:

اسم مركب من لفظتين (دهار) تعني الجبل المتوسط الارتفاع، أو التلة Colline  ، و (إزرا) بزاي مفخمة مفردها أزرو، و تعني  الحجر أو الصخرblocs des pierres/Roches ، أي جبل الصخور. وهو جبل متوسط الارتفاع، سمّي بهذا الإسم، لأنه عبارة عن سطوح ومرتفعات صخرية، تغلب عليها الصخور الكلسية الهشة، كما تتخلل هذا الجبل شِعاب عميقة، أما التربة فهي ضعيفة وفقيرة جدا، بينما الغطاء النباتي شبه منعدم باستثناء بعض النباتات الشوكية والخشنة.  ويمثل هذا الجبل دها(ر)- ن-يزرا الحدّ الطبيعي الذي يفصل من جهة الغرب “بوعلما” عن “أربعاء ثاوريرث”.

12ــ أزرو -ن- تامزا aẓṛu n tamẓa:

اسم مركب من لفظتين (أزرو) تعني الحجر أو الصخر، (ثامزا) بزاي مفخمة، و تعني السعلاة أو الغولة، وتحتفظ الذاكرة الشعبية بالريف بحكايات وقصص نُسجت حول هذا الكائن، رغم سيادة الاعتقاد بأنه قد غادر المنطقة منذ زمن طويل. يتواجد هذا المكان بالقرب من موقع يدعى “بغداد”  بمرتفع يطل على بوعلما، وهو عبارة عن كتل صخرية مرتفعة تتخللها مغارة Grotte، “ويطلق عليه هذا الاسم للاعتقاد بأن غولة تسكن في ذلك المكان”[14 ]، في غابر الأزمان. وتجدر الإشارة إلى أن مكانا بنفس الإسم يوجد بقبيلة اكَزناين في عالية واد النكور(المنبع)، هذه التسمية مرتبطة كثيرا بالميثولوجيا الأمازيغية[15]  .

13ــ أغبار خْروف  aɣbar xruf:

اسم مركب من كلمتين أغبار أو أغبالـ(ـو) كما يُنطق في جهات أخرى، وهي من الأسماء التي تطلق على منابع وعيون المياه، أما الكلمة الثانية “خْروف” فهي مشتقة من الخَلَف أو الخَلاّف وهي  في الأصل  كلمة عربية تم  استدماجها مع الأمازيغية وتمزيغها، وتعني أن العين الذي لا ينضب. وهو اسم على مسمّى حيث أن هذه العين أو الينبوعSource  كلما جرفته السيول وأخفت معالمه عند فيضان وادي بوعلما خلال فصل الشتاء، إلا وانبثق وتدفقت مياهه من جديد، وهو يوجد على إحدى جنبات الوادي، لكن مياهه تنبع من جهة الجبل وليس من رمال الوادي، وحتى طعم مياهه مختلفة عن مياه الوادي.

14ــ إفري – ن- بدجرواض  ifri n beǧerwaḍ:

اسم مركب من كلمتين “إفري” وتعني المغارة Grotte أو الكهف، “بدجرواض” وهو إسم لطائر يقابله الخُفَّاش Chauve-souris، وبالفعل فالاسم له دلالة على مورفولوجية الموقع، حيث أنه عبارة عن أجراف Falaises متباعدة عن بعضها بعض الشيء، تتخللها أشكال كارستية من بينها المغاور والكهوف بمختلف الأحجام، منها أشكالاً طبيعية وأخرى ساهم تدخّل الإنسان في تكوّنها(كانت مقلعا حجريا وتم استغلاله في تشييد إحدى الطرقات إبان فترة الاستعمار الاسباني للريف)، هذه المغاور المظلمة تمثل ملاذاً آمناً لبعض الطيور والحيوانات كالخفاش، البوم، ابن آوى…

15ــ إكَني igni:

جمعه إكَنان، هي عبارة عن منخفضات مجاورة للأودية ومجاري المياه ناتجة عن الترسبات، تكون بين الجبال ولا تكون نافذة Impasse [16 ] . ويوجد هذا المكان بالتحديد أسفل دهار-ن-يزرا على ضفة وادي بوعلما قبل نقطة التقائه مع واد النكور بمسافة قليلة، ويضم هذا المجال مشارات زراعية تتميز بتربة ذات خصوبة عالية تستغلها، بعض العائلات في زراعة الخضر وغرس  أشجار الكروم والفواكه بشتى أنواعها. وهناك مدشر لا يبتعد كثيرا عن بوعلما يحمل نفس هذا الإسم، لكن على صيغة الجمع(إكَنان) وينتمي إلى قبيلة ايث ورياغل.

16ــ أفثيس  aftis:

أو ثفثسيث/ ثِفثيسين كتأنيث وتصغير في آن واحد، مفهوم ينتمي إلى الجغرافيا الزراعية، الموقع مجال يتم استغلاله في الزراعة وخاصة المسقية منها، يتكون من رستاق Terroirs  يضم مشارات Parcelles  بمساحات مختلفة، وهو في الأصل سهل فيضي صغير plaine inondable، حيث يكون في البداية مجرى مائي، قبل أن يتغير مجرى الوادي في اتجاه آخر ويترك مساحة شاسعة في إحدى جنباته، مجال زراعي يتميز بالخصوبة، تربته غنية بالمواد العضوية. كما يفيد في مناطق أخرى الشط الذي يتم استخدامه في رسو قوارب الصيد التقليدي بالسواحل(كما هو الحال بأحد المواقع بقبيلة تمسمان).

هذا المكان/المجال يتموقع على إحدى ضفاف وادي بوعلما، على مقربة من التقاء هذا الأخير مع “وادي إيوران”، بينما يوجد موقع آخر بصيغة التأنيث والتصغير (ثِفثيسين) بمكان آخر بالقرب من (أوكَوكَـ Uggug ).

17ــ عزّي ɛezzi:

يوجد هذا الموقع جنوب شرق بوعلما، وهو عبارة عن سفوح كبيرة تطل على “واد تاجيدارت” عبارة عن سفوح كبيرة يكسوها غطاء غابوي مهم؛ يتكون أساسا من الضرو(فاضيس) والصنوبر(ثايذا) والبلوط الأخضر (أذارن) وعرعار شمال افريقيا (أمرزي)… كما يعتبر مرتعا لتكاثر الخنزير البري.  يشكل الحد الطبيعي الفاصل بين بوعلما و  وقرية تيغزا التابعة لقبيلة اكًزناين . هذه التسمية نجد لها جذورا في الميثولوجيا الأمازيغية، حيث لا زالت الذاكرة المحلية تحتفظ بهذه الأسطورة التي تحكي عن وجود ملك يسمّى عزّي (بتفخيم الزاي) كان يحكم المنطقة في قديم الزمان، وكان ملك جائر عُرف بالظلم والتسلط (ولا زال الناس يستعملون لفظة ” رحكام ن عزّي” للدلالة على القساوة و الجور). وتحكي هذه الأسطورة كيف كان يأمر هذا الملك، رعاياه بإحضار وجلب أطباق الكسكس الدافئ من منطقة النكور ، وقطع مسافة زهاء أربعين كيلومترا مشيا على الأقدام دون أن تبرد أطباق الكسكس، ومن أتى بكسكس بارد فسيكون مصيره القتل دون أدنى أمل في النجاة. وكان على الرعايا أن يمرّوا عبر جسر مرتفع فوق الوادي، حاملين الملك نفسه على ظهر كل قادم بطبق الكسكس. وبعد أن نفذ صبر الرعايا من جبروت حاكمهم، قرّر أحدهم ذات يوم  التخلص من هذا الملك الظالم، لينقذ الناس من شروره. حيث أحضر طبق الكسكس كباقي الرعايا، وعند اقترابه من الجسر ركب الملك على ظهره لكن ما أن وصل إلى منتصف الجسر حتى قفز به نحو الهاوية، ونفس القصة يحكيها دافيد هارت [17 ] لكن بمنطقة أخرى، ولم نتوصّل إلى معرفة سرّ هذا الاختلاف بين المكانين رغم تحرياتنا.

18ــ ثوّا(ر)ث – ن- مولاي موحند tawwurt n mulay muḥend:

اسم مركب من كلمتين ثوّا(ر)ث وتعني باب/بوابة، مولاي موحند وهي تسمية محلية يطلقها الريفيون على قائد الحرب الريفية في العشرينيات من القرن الماضي (محمد بن عبد الكريم الخطابي1882-1963م). والموقع يشكل تلة colline عبارة عن بوابة طبيعية وسط تضاريس معقدة يستغلها الرعاة كمسلك لمواشيهم، وسيشيّد الاسبان لاحقا طريقا بالقرب منه(ما يعرف  حاليا ب “أبريذ باري”) . سميت بهذا الإسم لأن المقاومين بالريف استغلوا هذه التلة كممر لأول سيارة استقدمها مولاي موحند عبر جرّها بالحبال فوق أعمدة خشبية نحو مقر قيادته بـ “أجدير” قبل أن تكون أي طريق سالكة للسيارة بالريف[ 18].

19ــ أمارو أزيرار Amaru azirar:

اسم مركب من كلمتين، أمارو(أو أمالو) وهي كلمة أمازيغية متداولة في مختلف المناطق المغاربية، وهي اسم لعدة قرى أو مداشر وحتى قبائل(مدشر أمالو بالريف الأوسط، قبائل أيت أومالو بضواحي أم الربيع بالأطلس المتوسط، أمالو بلدية في كل من بجاية وتيزي وزو بالجزائر…) تفيد عكس “أسامرأو سامار” التي تعني الشرق وهي أحد الاتجاهات الجغرافية الرئيسية، يقابلها في العربية جهة الغرب، وهي الجهة التي تغرب عندها الشمس، ودائما المواقع التي تأخذ هذه التسمية(أمالو)، تكون عبارة عن منطقة  الظل [19] أوالظليل، وغالبا عند السفوح ما يحول دون وصول أشعة الشمس إليها. وهي الخاصية نفسها تنطبق على هذا الموقع الجغرافي، إذ يتميز برطوبة مهمة ولا تصله أشعة الشمس خلال فصل الشتاء، أو إلا بعد أن توشك على الغروب في الفصول الأخرى. أما الكلمة الثانية(أزيرار) فهي نسبة إلى الشكل المورفولوجي للموقع وتعني الطول أو الشكل الطولي، وهو ما يعبر بدقة عن الموقع إذ يتخذ هذا الظليل شكلا طوليا.

20ــ أكَرمام  agrmam:

جمعه إكَرمامن يُنطق في المناطق الأخرى أكَلمام، ويسمى بـ تكَرمانت/تِكَرمامين عندما يكون الحجم أصغر، ويدل المصطلح على البحيرة أو الضاية، وقد يطلق على حوض مائي طبيعي Bassin، “ويمكن التمييز بين صنفين من إكَلمامنiglmamen ، حيث أن بعضها دائم المياه طوال السنة، في الوقت الذي تغمر فيه المياه صنفا آخر من هذه البحيرات بشكل موسمي يرتبط أساسا بسقوط الأمطار”[20 ].

يتواجد هذا المكان بـمرتفعات “ثوزارين” حيث يمارس سكان بوعلما نشاط الزراعات البورية، المكوّنة أساسا من الحبوب والقطاني، وغراسة بعض الأشجار كاللوز الزيتون، التين (غراسة  الأشجار لجأ إليها الفلاحون في السنوات الأخيرة لتغطية النقص الحاصل في زراعة الحبوب بعد تراجع كمية التساقطات المطرية بالمنطقة). وجاءت هذه التسمية نسبة إلى حوض مائي متوسط الحجم كان يختزن مياه الأمطار التي تتجمّع فيه خلال الفصول المطيرة من السنة، لتُورد فيه قُطعان المواشي ودواب الفلاحين من بغال وحمير. إلا أن تقلبات المناخ وتراجع معدل التساقطات أرغمت هذه الضاية الطبيعية على الجفاف والنضوب، الشيء الذي أفسح المجال أمام بعض الفلاحين المتهافتين للترامي عليها، وحرث جزء مهم منها خلال العقد الأول من القرن الحالي.

خاتمــــــــــــــــــــة:

لا يمكن اعتبار هذه المساهمة المتواضعة دراسة وافية وشافية، بقدر ما هي نقطة في واد، إذ تشكل نقطة انطلاق لورش على قدر كبير من الأهمية، وبإمكان زملائنا مواصلة العمل فيه، من أجل توسيع البحث وإغناء هذه الدراسة و كسبها قيمة مضافة. ووجب التذكير والإشارة إلى أن هذا المجهود لم يصل حد المسح الطبوغرافي والطوبونيمي التام للمجال الجغرافي المدروس؛ إذ أن مواقع وأماكن كثيرة لم نتمكن من جردها ودراستها.

وبما أن الأعلام الجغرافية تشي بعلاقة الإنسان و تفاعلاته المختلفة والمتعددة مع المجال وعناصره،  فبدون أدنى شك أن البحث والتنقيب في الحقل الطوبونيمي، سيساهم في إعادة انتشال تاريخنا من أوحال التزوير عبر تفحّص طبقاته(صفحاته)، وتنقيتها من توضعات وترسبات الكتابات المؤدلجة، وكشف الهوية الأصلية لهاته الجغرافيا التي تعرضت لطمس وتشويه متعمدين، لأن الحقيقة الوحيدة الثابتة من داخل التاريخ تبقى هي الجغرافيا كما يقول بسمارك.

وفي الأخير، أتمنى أن أكون قد وفقت في نفض بعض الغبار عن هذا الموضوع ، والمساهمة في حفظ الذاكرة الجماعية التي تبقى هي الغاية الأسمى من هذه الدراسة المتواضعة، وكذا إضفاء الطابع الأكاديمي و تحقيق البحث العلمي الموضوعي، وذلك بعيدا عن الذاتية التي حاولت جاهداً الإفلات من ردائها، و لا أدعي أنني عالجت هذا الموضوع الشائك من كامل زواياه  وكما ينبغي له.

 

المصادر والمراجع:

1  ـ عبد اللطيف الخمار وآخرون (2012)،”الطوبونيميا بالغرب الاسلامي أو ضبط الأعلام الجغرافية” مطبعة افريقيا الشرق، ص106.

2 ـ احمد الهاشمي (2011)،”مدخل لدراسة  المصطلح الجغرافي  الأمازيغي في طوبونيميا الجنوب المغربي” ، المصطلحات الجغرافية الأمازيغية (الجزء الثالث)، تنسيق حسن رامو، منشورات IRCAM، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط ، ص9.

3 ـ الاحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2014.

4 ـ محمد شفيق(1999)، الأمازيغية مجال توارد بين الأمازيغية والعربية، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، سلسلة معاجم، الرباط، ص 84.

5ـ أحمد الطاهري(2013)، بلاد الريف وحاضرة النكور، من فجر التاريخ إلى أنوار الاسلام، مطبعة بوبليديسا، اشبيلية، ص 259.

6- احمد الطاهري، ن، م، صص 258-259.

7 ـ حسن الفكيكي(2014)، أطلس الريف الشرقي مباحث في الجغرافية التاريخية،  مطبعة دار أبي رقراق، ص 504.

8 ـ محمد شفيق، م.س،  ص 75.

9ـ بيير جورج (2002)، معجم المصطلحات الجغرافية، ترجمة حمد الطفيلي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط 2، ص 144.

10 ـ إفادة شفوية، سجلت في أكتوبر 2015 للسيد لخضر لمريني سنة نقلا عن عمه (موحند أمزيان) الذي توفي عام 2005 عن عمر فاق 110 سنوات

11 ـ صباح علاش(2011)،”مدخل إلى المصطلحات والمفاهيم الأمازيغية المرتبطة باستعمال الماء في الريف” ، المصطلحات الجغرافية الأمازيغية (الجزء الثالث)، تنسيق حسن رامو، منشورات IRCAM، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط ، ص 114.

12 ـ بيير جورج، م س، ص 390.

13 ـ  محمد بوكبوط، (2006)” أوكَوكَـ”، المصطلحات الأمازيغية في تاريخ المغرب وحضارته (الجزء الثاني)، إشراف  محمد حمام، منشورات IRCAM، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط ، ص53.

14ـ دافيد مونتغمري هارت (2007)، ايت ورياغل، قبيلة من الريف المغربي، ج 1، ترجمة وتقديم وتعليق  محمد أونيا-عبد المجيد عزوزي- عبد الحميد الرايس، منشورات صوت الديمقراطيين المغاربة في هولندا ط 1،  ص 230.

15  – أنظر محمد أوسوس، (2008) كوكرا في الميثولوجيا الأمازيغية، المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط.

16 ـ رشيد الحسين،(2002) “وشم الذااكرة  معالم أمازيغية في الثقافة الوطنية”، مطابع أمبريال، ص 61. 84.

17 ـ دافيد مونتغمري هارت، م س، ص 237.

18 ـ إفادة شفوية، سجلت في فبراير2016 للسيد محمد شهباري(بنشهبار)، 89 سنة.

19- Brahim EL FASSKAO, 2011 «  Systèmes et techniques d’irrigation dans le patrimoine amazighe du sud-est marocin ».   les termes géographiques amazighes, Troisième fascule, IRCAM, p 98

20 ـ علي بنطالب (2011)، “المصطلحات الجغرافية المائية بزمور والأطلس المتوسط” المصطلحات الجغرافية الأمازيغية (الجزء الثالث)، تنسيق حسن رامو، منشورات IRCAM، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط ، ص 91.

 

اقرأ أيضا

اكادير تحتضن كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي

بمناسبة تخليد ذكرى عيد الاستقلال المجيد،وفي اطار برنامجها السنوي ،الجمعية المغربية للجيت سكي بأكادير المنضوية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *