نعم كما يحصل مع سائر الخلق أذعن الفنان حميد شريت المعروف بـ أيدير سفير الأغنية الأمازيغة لمشيئة الله عز وجل ليغادرنا بجسده الطاهر وليستمر صوته يعيش معنا سفيراً للأغنية الأمازيغية وهو يُعبر عن خوفه من وقوع أي ظلم عليها وهي تناضل من أجل الاستمرارية والحياة بعد أن صدح صوته وبكل اللغات ليقول عن لسان اللغة الأمازيغية نتش أليغ ⵏⵜⵛ ⴰⵍⵉⵖ.. أنا موجودة!
ولا يمكننا اليوم إلا أن نترحم عليه ونُعيد ونكرر كلماته وهو يغني عن فقدان رفيقه بعد الموت: “الأفضل أن نخلد أسمه أفضل من البكاء .. an refd ism is xir ma nru” .. نعم سنخلد أسمك ”أقما أيدير agma Idir “.
لقد تعرف الكاتب على الراحل أيدير بعد بزوغ ملامح الحركة الأمازيغية في ليبيا وربما كان ذلك مع خطاب الدكتاتور معمر القذافي في زواره بتاريخ 15 أبريل 1973 وإعلانه الثورة الثقافية، التي عطل فيها كل القوانين وتمرد على جميع الثقافات لتكون الأمازيغية أحدى ضحاياه! فكان اللقاء الأول مع الراحل أيدير في 1976 مع أغية أبابا أينوفا (A Vava Inouva) والتي تعكس معاناة الطفلة غريبا، والتي لا تفرق في معاناتها عن الأمازيغية الغريبة على أرضها، التي تخاف الأخطار التي تهددها من وحوش الغابة وما أكثرهم المترصدين للأمازيغية والمتربصين بها من وحوش السلطات العنصرية! فلقد تسلل أيدير إلى ليبيا سفيراً دائما وبدون مراسم عند الخارجية الليبية، مع صدور أول ألبوم له، والتي ما كانت لتسمح بقبوله سفيراً لأنه أمازيغي! مع أن الكثير من شباب ليبيا ناطقين بالأمازيغية وغير ناطقين رحبوا بالراحل أيدير من خلال أغنيته أبابا أينوفا (A Vava Inouva)، بل هناك من حفظ مقاطع من الأغنية وهو لا يعرف كلمة واحدة بالأمازيغية .. نعم اعتمدت أوراق الراحل كسفير للأغنية الأمازيغية من قبل شباب ليبيا أمازيغ وعرب في 1976! إلى أن اكتشفته المخابرات القذافية فباتت أشرطته من الممنوعات والمحرمات وصارت مصادرة من جميع المحلات خلال حقبة الاستبداد القذافي!
وتستمر المسيرة مع سفير الأغنية الأمازيغية:
“أولا وقبل كل شيء أنا فنان أمازيغي .. وهذا لأنني يجب أن أبقى على قيد الحياة .. وهويتي يجب أن تبقى على قيد الحياة” هذه الكلمات للراحل خلال مقابلة بإدارة المذيعة: عزيزة نآيت سي بها خلال قناة فرانس 24 في برنامج ضيف ومسيرة، ومع هذه الكلمات التي لا يُخفي فيها اعتزازه بهويته الأمازيغية بل يعلنها بكل فخر، ومع أنه أضطر لتعلم العربية عندما ترك قريته بالقبائل ليكمل دراسته بالثانوية بالجزائر العاصمة إلا أنه أكتشف أن بلاده التي تدعو لعدم الانحياز وتدافع عن حرية تعبير الشعوب تحرمه من استعمال لغته! وعرف أيضاً حجم الظلم الواقع على والدته بعدما اضطر للترجمة لها بالأمازيغية لتفهم نشرة الأخبار بالعربية، ومن هناك تولدت عنده التساؤلات وربما الهواجس والخوف على الهوية الأمازيغية.. وهذه الخلفيات بالتأكيد دفعت بالفنان أيدير ليناضل بكلماته الأمازيغية مع قيثارته ويصدح بها للعالم ويقول أنا أمازيغي وأفتخر بالرغم من معارضة والدته للغناء في بداية مسيرته وهو يدرُس علوم الجيولوجيا! والتي استمرت بعد ذهابه لفرنسا ليكمل الدراسات العليا في مجال المناجم والتعدين! ومع أول تسجيل له بالإذاعة في 1973 أضطر لتغيير أسمه إلى أدير، كان لأحد أقاربه متوفى ، ليحتمي وراءه حتى لا تعلم به أمه!
الهوية والإنسانية:
مع اعتزازه بهويته تمسك بإنسانيته وحرص على البيئة فقد أسس جمعية إيكول أكسون التي تهتم بتشجيع الأطفال على غرس الأشجار وكذلك رعاية الطبيعة وخاصة الغابات. كذلك بعد ألبومه ” صيادو الضوء” و “أبناؤنا” قرر أن يوسع من دائرة اهتمامه بالاشتراك في الغناء مع فنانين من خلفيات وثقافات أخرى.
فتمسكه بالهوية الأمازيغية لم يبعده عن إنسانيته واحترامه للثقافات الأخرى فأصدر ألبوم الهويات 1999 والذي شاركه فيه مجموعة من الفنانين من ثقافات مختلفة.. فجمع اللغة الأمازيغية مع عدة لغات أخرى وسير الحان ثقافات مختلفة في تناغم مع بعض الألحان بخلفية ثقافية أمازيغية. وهذا تجسد لحقيقة الاختلاف التي هي ناموس كوني أراده الخالق سبحانه وتعالى: “ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين”
مع التمسك بالهوية لم ينسى الوفاء!
بالرغم من أنه عاش الراحل أيدير ما يقرب من أربعين سنة في فرنسا إلا أنه ظل متمسكا بجنسيته الجزائرية ولم يأخذ الجنسية الفرنسية. إلا أنه لا يعني ذلك وجود أي خلاف مع الشعب الفرنسي! فمع تمسكه بانتمائه لجبال القبائل حيث كان له سنة 2012 ألبوم “أدرار أينو ⴰⴷⵔⴰⵔ ⵉⵏⵓ” جبلي إلا أنه سبقه بألبوم في 2007 “فرنسا الألوان ” مع مجموعة من الشباب بفرنسا ليعطيها حقها في طبيعة التنوع الذي تعيشه والقبول الذي يلقاه المواطنين بمختلف أثنياتهم العرقية والدينية!
بل وقبل رجوعه لبلده الجزائر قرر، وبعد أن قال كل ما عنده، في 2017 إصدار ألبومه الأخير الذي حمل عنوان: “هنا وهناك” الذي أراد فيه أن يرد الجميل لفرنسا، للبلد الذي احتضنه ووجد فيه السلام والآمان الذي به أستطاع خدمة لغته وهويته. وكان ذلك واضحاً وجلياً بعد أن ألتقى بأناس كُثر ساعدوه في نضاله الذي عاشه خلال أربعين سنة، فأراد من خلال هذا الألبوم مشاركة بعض المطربين والفنانين الكبار من فرنسا بحيث يكون الغناء باللغتين الفرنسية والأمازيغية ويختم به مسيرته الفنية … رحمة الله عليه.. ياكوش اتيرحم ماس ايدير د تانميرت ق ئيخفاون ن ئيمازيغن ماني ئيلان.
فتحي سالم أبوزخار