إيمي وكادير تحطيم أسوار الوجل الثقافي من الفضيحة لأجل إكرام

أحمد بوزيد

وحدهم الأطفال يمتلكون حسا رفيعا و إحساسا رهيفا إزاء الحرية و الحياة ، الطفولة ليست معادل البراءة فحسب كما تذهب إلى ذلك الذاكرة الشعبية و الحس المشترك الكوني ، إنها أيضا رديفة العنفوان و رديفة الاسئلة التي تنبجس كما لو ينابيع ، الجذور و سحر البدايات و صفاء بحيرة زرقاء ، وورد ليست بحاجة لأكثر من ماء و هواء . شغبهم اللذيذ صورة موازية لهشاشتنا جميعا . و إذا كان المخيال الإنساني في إحدى إعترافاته الأكثر إيحاءا قد أدرك أن خلف كل رجل عظيم امرأة ، تلك الاعترافات المسكونة بالرغم من نبل السطوح بحيوية اشتغال صورة الجواري و الإيماء في طبقات الأعماق و مغاراته ، فإن خلف كل رجل و امرأة على السواء ، طفلة صغيرة و طفل صغير ، طفل و طفلة لا يحتاجان إلى أكثر من حليب و أياد تحنو عليهما تطعمها الحروف و أجمل الحكايات تمسك بأكفهم الصغيرة إلى عوالم رحبة ، و تأخذ بهم و هم يحترفون الخطو على الارض ، تروي أصصهما بالمياه الصافية ؛ مياه المحبة التي لا تبلى و التي تنذر نفسه لتهب الحياة .
ذات يوم كتبت في نص سردي عبارة ” الذئاب البرية ” فاستكثر علي أحدهم صفة البرية ، معتبرا إياها حشوا زائدا .

من صور الذئاب غير البرية على كل حال ، صورة تنهض من أعماق ليل الجنوب ، لذئب من طينة ٱخرى أشد ضراوة ، افترس في جحيم رغباته المرضية الأكثر قبحا و نذالة و خسة جسد الطفلة الصغيرة إكرام، ذئاب تعيش على الدم و الحلم و تحجب شرها بالوجل الثقافي من العار و الفضيحة و الذيوع ، و تجلب الصمت لشيوع الفاقة و قصر اليد المزمن و ، صورة ذئب تنهض من واحة في تخوم الصحراء، واحة إيمي وكادير ، و للمكان و اسمه دلالاته الأجمل و الراسخة في الذاكرة و المتخيل ، إيمي أوكادير البلدة التي لم تستطع الترجمة الردئية الشائعة أن تترجم معنى اسمها العميق و مدلولاته الرمزية ، حين فتحته على الدلالة على الحصن أي حصن ، إيمي أوكادير ، الذي يعني من ضمن ما يعنيه فضاء صون القبائل البعيدة و الأجداد القدامى لحريتهم ، و الفضاء الذي يصون حق الجميع ، حقوق الناس الذي يؤمنهم من خوف و ينجيهم من مسغبة مما حكت عنه كتب الأخبار و الرواة ، مثلما يصون حق العامل الذي يدير شؤونه ، و حق القط الوفي لمناطقه المعتمة و حق الطير العابر الذي يحط على أسواره ليرتوي من الإناء الطيني المخصص لذلك ، فللذئاب أن تعود لوجارها أبعد من تلك الأرض ، أبعد من مسالكها ، و للأصوات المنحازة لقيم النبل أن تصون لإكرام حقها و تصون لها المستقبل الجميل، و تصون للمكان دلالته الأعمق ، إنها لن تفعل بذلك غير أن تطلب الصفح المستحيل .

ففي العمق – كما قال محمد الشركي- ” يبقى شعار “كونوا واقعيين ، اطلبوا المستحيل” ، الذي أبدعته انتفاضة ماي 1968 بفرنسا ، هو شعار كل الأرواح الحرة ، في الفكر والإبداع والفن والسياسة ، الأرواح التي تتخطى قاماتها السقوف الواقعية الحارسة للأمر الواقع ، فتكتب وتقرأ وتغني وتمثل وترسم وتكافح ، من داخل أعماقها الملدوغة ، لتكسر داائرة اللعنة التاريخية والحصار الاجتماعي والغمّة السياسية . . .”

و إن لم يكن للصوت و لا لحفنة الكلمات صدى ، و إن كان لا بد من العواء الذي لا تفهم غيره الذئاب على أشكالها ، فلا حرج في ذلك وليكن عواءا على شاكلة عواء الشاعر الأمريكي ٱلن غينسبيرغ قبل عقود في وجه العبودية البيضاء التي خبت طويلا قبل أن تهب و تحبس أنفاس فلويد تحت أحذية قاسية على اسمنت بارد ، العبودية البيضاء صنوة الذئاب في النذالة و الفضاعة .

اقرأ أيضا

الأمازيغية والاحصاء العام للسكان بالمغرب.. أربع حقائق

أثناء مباشرة الاحصاء نبه اغلب المتتبعين الى ان المنهجية المتبعة غير مطمئنة النتائج ونبهت الحركة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *